كان رائعاً سقوط الكهنوت في اليمن، فعندما قامت ثورة سبتمبر كان كل شيء يتم التعتيم عليه، تحت شعار الدين غالباً. لست هنا في معرض تجربة الأئمة في الحكم، كما لست معنياً بالإجابة على سؤال بيزنطي أو هكذا يبدو مفاده: هل فشلت ثورة 26 سبتمبر أم لا؟. يهمني هنا أن أتحدث عن أبرز ملامح صاحبت الثورة السبتمبرية، فهذا يمكنه أن يساعدنا في التخلص من بعض الأوهام التي عادت للظهور نتيجة فشل تجربة الدولة. ما الذي يعنيه أسبوع الصرخة؟ ربما عدة أشياء، لكن ما يمكن أن يقرأ من بين ثنايا سطور المتحمسين لهذه المناسبة لا يبعث على الاطمئنان، بالنسبة لي: اختيار هذا الأسبوع في شهر الثورة ليس إلا احتجاجاً على الثورة نفسها وعلى الجمهورية أيضاً. لا شك أن لدى الحوثيين نظرة سلبية تجاه الجمهورية بوصفها تخالف مبدأ الحق الإلهي في الحكم، وقد تم التعبير عن هذه القناعة في أكثر من وثيقة، لعل آخرها رؤية أنصار الله في مؤتمر الحوار الوطني في ما يتعلق ببناء الدولة التي اعتبرت أن نظام طالبان هو أكثر النظم السياسية تعبيراً عن الإسلام، حيث لا فصل بين السلطات. ما الذي يمكن أن يثير الإعجاب في نظام متخلف كنظام طالبان، لا شيء، لكن الحالمين بالإمساك بالسلطة بطريقة فوقية وقاسية يرون فيه نموذجاً مثالياً. لست مع إقصاء الحوثيين ولست من المتحمسين لشيطنتهم، ولكن يجب أن تكون رسائلهم واضحة في مواضيع أساسية كالثورة والجمهورية، فهذه مسائل غير قابلة للمساومة، فالثورة هنا هي الجمهورية بكل مبادئها ومعانيها.
في سياق الحديث عن الفيدرالية والنزعات الانفصالية التي تشهد صعوداً هذه الأيام، يبدو من المهم إعادة قراءة 26 سبتمبر والإشارة إلى أن كثيراً من الثوار الذين ضحوا بدمائهم دفاعاً عن هذه الثورة وخصوصاً في معركة السبعين كانوا من الجنوب، وهذا الأمر يؤكد أن الشعب اليمني لم يكن يرى في نفسه شعوباً متجاورة، بل شعباً واحداً يدافع عن نفسه بكل قوة وتصميم.
بالنسبة لي يبدو مزعجاً أنه بعد مرور كل هذه السنين، لا تبدو قيم الثورة راسخة كما يجب، فكل شيء تم الانقلاب عليه، لكن ما يثير السخرية حقاً، هو أن يظل البعض أوفياء لطريقة تلفيق الاتفاقات، في الحقيقة لا تبعد خَمِر عن موفنبيك كثيراً.