لا أحد بوسعه إنكار مظالم الجنوبيين، ولا نهب ثوراتهم وامتصاصها وعدم الاستفادة منها، لكن مع ذلك لا أحد بإمكانه أيضاً أن يقول إن الشمال هو من نهب ثروة الجنوب بعد الوحدة، إذْ لا علاقة لنا كشماليين بما يجري. في أول ايام الهبّة سقطت 20 بسطة للشماليين بالمكلا، الشماليون الذين قدموا من أقاصي البلاد طلباً للرزق الحلال، متسلّحين بحبّهم للوحدة وللجنوب الذي بات جزءاً من الجمهورية اليمنية.
يضرم الحاقدون من أبناء الحراك الجنوبي النارَ في متاجر أبناء الشمال، ظناً منهم أن هذا انتصار لقضيتهم، أو استرداد لما نهبه النافذون من غاز ونفط الجنوب، ولم يعلموا أنهم بذلك يسيئون إلى قضيتهم العادلة.
أتذكر أن الناس ينصحون من يغادر مارب، مثلاً، باتجاه حضرموت أن يلبس قميصاً ومعوزاً، حتى لا يتعرّض لأي مضايقات هناك من قبل الحراك الذي أساء كثيراً للقضية الجنوبية، وأحالها إلى مجرد أداة ابتزاز تحرّكها أيادٍ فقدت مصالحها، أو تسعى للاستئثار بأكبر قدر من ثروات الجنوب، وتستعدي كل ما هو شمالي.
سياسة الكراهية التي زُرعت في الجنوب هي بسبب النافذين الذين قدموا من الشمال وعبثوا به بعد أن عبثوا بالشمال وأخذوا ثرواته، ونهجوا سياسة تدميرية، واشعلوا نيران الاحتراب الداخلي بين أنباء مناطق النفط، مارب نموذجاً، حتى يتسنّى لهم شفط هذه الثروات دون منازع، وهو ما حدث فعلاً.
لست ممن يميل إلى تحميل الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، مسؤولية كل ما يحدث في البلد، لكنني واثق أن كل هذه التشوهات التي ظهرت خلال السنتين الماضيتين ما هي إلا نتائج الحكم المتخلّف الذي أدار الرجلُ البلدَ وفقاً له، طيلة سنوات حكمه، وهو وحده المسؤول عن ظهور القوى النافذة التي أساءت للوحدة وأفرغتها من مضمونها؛ لأنه أطلق لها العنان في أن تعيث فساداً في اليمن، شمالاً وجنوباً، على ألاّ تنازعه الحكم مطلقاً.
دعكم من حكاية أن صالح يدير الحراك أو الحوثيين أو القاعدة من خلال التلفون، هذه مسخرة، لكنه يمكن القول إن صالح يعرف هؤلاء جيداً، ويدرك مدى انتهازيتهم نتيجة لعبه بهذه الأدوات واستغلالها لإشباع نزواته حينما يحتاجهم، لكنه لا يملك تحريكهم اليوم اطلاقاً.