يخفت ويتصاعد أو حتى يتبدل الشعور بالهوية نتيجة الظروف التي تحيط بحياة الفرد أو المجتمع. الاضطهاد السياسي مثلاً، أو نشوء حالة تمرد طائفي أو سلالي على الهوية الكاملة للمجتمع -تريد فرض نفسها على باقي مكوناته، دينياً أو سياسياً أو اجتماعياً، أو وجود تهديد خارجي يستهدف كيان و حياة الشعب. في حالتنا توجد جماعة متمردة على الدولة و المجتمع و ثقافته و حياته و وجوده. يقول الكاتب الفرنسي اللبناني، أمين معلوف "نميل في أغلب الأحيان إلى تعريف أنفسنا في انتمائنا الأكثر عرضه للخطر". إذن ما الانتماء الأكثر عرضة للخطر لدى اليمنيين؟ أو ما هو التهديد الذي تمثله مجموعة طائفية سلالية، تحاول فرض نفسها سياسياً و اجتماعياً على الأكثرية من الشعب؟ حتى نستطيع تحديد الوسيلة السليمة علينا أولاً، تحديد طبيعة التهديد الوجودي.
بطبيعة الحال ستختلف وجهات النظر -حول طبيعة التهديد- من شخص إلى آخر، حسب خلفيته الفكرية والمعرفية وحسب تجربته الخاصة. لكن أعتقد أن الجميع سيلتقي في نهاية المطاف حول أن التهديد هو تهديد للهوية اليمنية، حتى لو اتخذ أشكالاً مختلفة، و حتى لو أن كل فرد أو طرف يركز على جزئية معينة بشكل خاص.
لأنها جماعة طائفية، هناك من سيعتبر التهديد عليه دينياً؛ أي أنها تمثل تهديداً على حريته الدينية، لذلك يقوم بمواجهتها باستخدام خطاب مذهبي مقابل. وهناك من سيرى التهديد من الدين برمته باعتباره القالب الذي تستخدمه الجماعة في ادعاء الاصطفاء والمطالبة بالامتيازات.
من جهة أخرى، لأنها سلالية، هناك من سيرى التهديد على العرقية اليمنية الحميرية أو السبئية أو القحطانية. و يقوم في المقابل، بإحياء الرمزيات والشخصيات والأثريات الحضارية اليمنية القديمة، والتي تعتبر جزءً مكوناً للهوية اليمنية الحاضرة. و أيضاً، يقوم باستخدام الخطاب العرقي باعتبار أن التهديد في بؤرته ذو طابع سلالي دخيل. و أن أبرز وجوهه سلاليون و يتخذون النسب مرجعية انطلاق لهم و بناء مواقفهم و ممارسة أفعالهم.
و هناك من سيعتبر التهديد سياسياً و يعارض أن يتم الانجرار إلى صراع هويات طائفية و عرقية، لذلك يرى وجوب أن يظل الصراع في الإطار السياسي و في استخدام أدوات سياسية. ومبرره ليس لأن الطرف المعادي للمجتمع لا ينطلق من هوية طائفية سلالية، بل لأن مواجهته بنفس الوسائل التي يستخدمها يعطيه قدرة على التحرك باعتباره مجاله الحيوي؛ أي أن آليته تقوم على تقسيم المجتمع، مذهبياً، و مناطقياً، و سلالياً.
و نأتي لمن يعتبر التهديد يستهدف الهوية اليمنية الكاملة، دون مجرد حصرها بجزئية معينة، طائفية أو عرقية، بل بالهوية اليمنية بشكلها الكلي، بما هي عليه، بتركيبها الإثني و الثقافي وبما تملكه من تاريخ عريق وإرث حضاري وعادات وتقاليد متنوعة ومميزة. تهديد يتمثل في أن هناك من يريد أن يفرض هويته الخاصة الضيقة، السلالية والطائفية، الغريبة في أشكال منها عن عموم الشعب، محل هوية المجتمع الأكبر، اليمنية، و محل خصوصيات مكوناته المحلية في أشكالها الأصغر.
أيضاً هذا الطرف، ليس فنتازياً، بأن يصور الوضع بأنه مجرد صراع سياسي وليس صراع وجودي، فيه السياسي وفيه الهوياتي. فهويتنا اليمنية مستهدفة فعلاً، لكن ما هي الأدوات التي يمكن أن نستخدمها في مواجهة هذا التهديد؟ على ماذا علينا أن نؤكد وما علينا أن نتجنب؟ دون الانزلاق في صراع هويات صغيرة لا منتهية، وبما يضمن أن نخرج من هذا الصراع والدمار بتعريف أفضل عن "من نحن"؟ بما يمثله الجواب من أهمية لأي شعب وأي أمة للبقاء والتطور الحضاري.