بداية ينبغي الاتفاق على دلالات مفهوم النظام العائلي، والذي أدعي أني أول من أطلقه على نظام عفاش في ساحة التغيير عام 2011، ولم أكن أقصد أنه نظام يعتمد فيه عفاش على أقاربه وعلاقاته العائلية في إدارة الدولة فقط، بل هو نظام قريب من النظام الذي أطلق عليه عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر "Max Weber" مصطلح النظام "البيترومنيالي" أو الدولة "البيترومنيالية" "patrimonial state"، حيث يتصرف فيها الحاكم كما لو كانت الدولة وبالتالي السلطة ملكية عائلية خاصة، وليست ملكاً للشعب، ويتصرف بالموارد العامة على هذا الأساس، فهو الذي يعين كبار المسؤولين على أساس الولاء لا على أساس الكفاءة والتأهيل، والذين بدورهم يمارسون أعمالهم بما يرضي الحاكم ويحقق أهدافه ورغباته الخاصة، لا بما يحقق طموحات الشعب وأهدافه والمصلحة العامة، وهو نظام رغم أنه يتوفر على أجهزة وهيئات تبدو حديثة شكلاً، إلا أنها تفتقر للبنى المؤسسية والاستقلالية، فعفاش هو الذي يتخذ كل القرارات، وما على الوزراء ورؤساء الهيئات والأجهزة المدنية والعسكرية والأمنية سوى التنفيذ، وما كان له أن ينجح في ذلك لولا أنه كان يختار شخصيات ضعيفة ولا تتمتع بالكفاءة والتأهيل لشغل المناصب العليا في الدولة، تحفظ عن ظهر قلب عبارات: "حاضر يا افندم"، "حسب توجيهات الأخ الرئيس"، أنقل إليكم تحيات الأخ الرئيس"، سواء كان هؤلاء المسؤولون من المؤتمر الشعبي العام أو من التجمع اليمني للإصلاح. وصل الرئيس عبده ربه منصور هادي للسلطة، عبر التوافق الذي تم بين الطرفين الموقعين على المبادرة الخليجية، التي أجهضت ثورة 11 فبراير 2011، والذين يمثلان نظام عفاش بجناحية (المنشقون والبقايا)، ولا يمثلان شباب ثورة فبراير، الذين أقصاهم الرئيس هادي، وراح يلملم مسؤولي النظام القديم (المؤتمريين والإصلاحيين) ويجمع شملهم مرة أخرى، ويعينهم في المناصب العليا، المدنية والعسكرية والأمنية، والقلة القليلة من شباب الثورة الذين عينهم في مناصب عليا، أمثال معين عبدالملك، لم يكن الهدف من تعيينهم سوى تزيين النظام القديم الذي أعاد إنتاجه، وهم على الرغم من أنهم لم يكونوا من رموز النظام القديم، إلا أنهم ممن تشربوا ثقافته وقيمه في بيئاتهم العائلية، فهم من أبناء رموز نظام عفاش. معظم المسؤولين الذين عينهم هادي في المواقع السياسية والإدارية العليا هم ممن يفتقرون للإرادة المستقلة والمبادرة، وينتظرون من الرئيس هادي أن يوجههم وأن يخطط ويتخذ القرارات في شتى المجالات، وهو في الحقيقة عاجز عن ذلك، فهو نفسه من بقايا نظام عفاش، ولم يختاره عفاش نائباً له إلا لأنه مطيع ولا يمتلك إرادة مستقلة ولا رأي له، لذلك ولدت السلطة "الشرعية" التي بناها الرئيس هادي عاجزة ومصابة بشلل رباعي، ومفتقرة للإرادة والقدرة. لا يقتصر الأمر على الأجهزة السياسية والمدنية فقط، بل امتد إلى الأجهزة العسكرية، فعين الرئيس هادي قادة مناطق ومحاور عسكرية وألوية من شيوخ القبائل ومعلمي تعليم أساسي وثانوي وشيوخ دينيين، لم يتلقوا أي تعليم أو تدريب في مؤسسات وأكاديميات عسكرية، وفقاً لذات المعايير التي كان يعتمدها علي عبدالله صالح في تعيين القادة العسكريين في الجيش، يستثنى من ذلك التعيينات في الحرس الجمهوري، الذي كان يعتمد عليه عفاش في الحفاظ على نظامه، لذلك كان الجيش الوطني التابع للشرعية يقاتل بذات الأساليب التي تقاتل بها ملشيات القبائل، دونما خطط وتكتيكات عسكرية فاعلة، فضلاً عن تدني مستوى احترافية عناصر الجيش الوطني وتفرغهم للمهام القتالية، فكثير من الضباط تحولوا خلال فترة الحرب إلى أصحاب مشروعات وعقارات، بما في ذلك وزير الدفاع محمد المقدشي الذي أسس فندقاً كبيراً في مدينة مأرب، وكثير من الجنود والضباط الذين وفدوا إلى محافظتي مأرب والجوف من محافظات أخرى اصطحبوا عائلاتهم معهم، واستأجروا بيوتاً في مدينتي مأرب والحزم، ويتواجدون فيها أكثر من تواجدهم في المعسكرات والجبهات. باختصار شديد فإن سبب الهزائم هو ضعف الإرادة السياسية، وضعف بناء الجيش وانتشار الفساد فيه.