لا تزال الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية لسيطرة القاعدة على أجزاء من محافظة أبين حاضرة في حياة سكانها بعد مرور أكثر من سنتين على تطهير المحافظة من عناصر التنظيم. فرغم انتهاء الحرب بين الجيش اليمني بمساندة اللجان الشعبية، وجماعة أنصار الشريعة التابعة للقاعدة في جزيرة العرب في منتصف حزيران/يونيو 2012، ما تزال معاناة السكان مستمرة حتى اليوم، كما يؤكد مسؤولون وناشطون في المحافظة. ويقول صالح الحنشي ، مدير إذاعة أبين الحكومية، "إن المواطنين لا يزالوا يتذكرون معاناتهم عندما هجروا وشردوا من منازلهم إلى مناطق متفرقة من المحافظات المجاورة". ويضيف أن معاناة المواطنين لا تزال مستمرة حتى بعد عودتهم من المخيمات التي أنشئت في محافظة عدن وغيرها، "إذ تفاجأوا بحجم الخراب والدمار الذي أصاب منطقتهم، مما ترك آثارا نفسية واقتصادية واجتماعية كبيرة عليهم، وكلها بسبب سيطرة تنظيم القاعدة والحرب التي تلت". وإذا سُمح لما يعرف بتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) أن يتمدد في العراق وسوريا وبلدان عربية أخرى، كما يضيف الحنشي، فسيكون حكمه مشابها لحكم أنصار الشريعة في "الإمارات الإسلامية" التي أقامتها في أبين على حد قوله. ويؤكد أن سكان المناطق التي تسيطر عليها جماعات القاعدة أو داعش سيعانون من "التخريب المنظم" للمصالح والتهجير، وسيتعرضون للظلم من خلال إقامة المحاكمات الخاصة التي كانت تنفذ على فئة دون أخرى وتطبيق الحد . ويقول للشرفة، "هذا الوضع الذي عانى منه أهالي أبين قد يتكرر إذا لم نتماسك في وجه مخططات القاعدة سواء في اليمن أو في العراق أو أي دولة أخرى". معاناة أبين مستمرة ويلفت الحنشي إلى أنه على الرغم من عودة بعض الخدمات إلى أبين مثل الكهرباء والمياه وجهود إعادة إعمار المساكن والمزارع التي شملتها التعويضات الحكومية، ما تزال المعاناة مستمرة وبخاصة للأسر التي فقدت عائلتها في الحرب أو للذين أصيبوا وأصبحوا يعانون من إعاقة. وتركت آثار المعارك مع تنظيم القاعدة أثرها على أطفال المحافظة الذين فقد بعضهم بصره أو أصيب بإعاقة جسدية أخرى، وفقا للحنشي. من جهته، يؤكد حمدي سالم منصور المدير التنفيذي لمنظمة شباب أبين، أن بعض العائلات تعاني من عدم معرفة مصير بعض أفرادها الذين أسرتهم القاعدة خلال الحرب ولم يعودوا حتى الآن. ويضيف للشرفة، "إن المعاناة تزداد عند أمهاتهم اللواتي لا يعرفن مصير أبنائهن، إن كانوا أحياء أم أمواتا". ويتابع منصور أن المعاناة تتضاعف بالنسبة لأسر ضحايا تفجير مصنع 7 أكتوبر للذخيرة الذي نفذته القاعدة عند استيلائها على جعار، وخلف ما لا يقل عن 100 شخص. ويوضح أن "بعض الأسر فقدت من ثلاثة إلى خمسة أفراد ولم يتبق منها إلا بعض الأطفال الذين كانوا يوم وقوع الانفجار في المنازل، ليتفاجأوا لاحقا بفقدان كل أفراد أسرتهم". أما أصحاب المهن السمكية وأصحاب الدكاكين التي كانت تبيع الخضروات والمنتجات الغذائية وغيرها والتي دمرت خلال الحرب، فقد "فقدوا مصادر رزقهم". ويشير منصور إلى أن "هذه الحالات لم تشملها جهود إعادة الإعمار التي اقتصرت على تعويض أصحاب المساكن والمزارع"، مؤكدا على أهمية قيام الجهات المختصة بإيجاد مصادر تمويل لهذه الفئة حتى تتمكن من استعادة أنشطتها التجارية. السكان يحافظون على حرية أبين ويضيف، "عاد الكثير من أبناء أبين إلى مناطقهم مباشرة بعد إعلان انتصار الجيش على القاعدة لأنهم كانوا بشوق للعودة إلى منازلهم رغم الخراب الذي لحق بها، فأقام الكثيرون في الخيام، وتؤكد هذه الخطوة حرصهم على استعادة مناطقهم بأنفسهم ودعمهم لجهود الجيش واللجان الشعبية". ويقول منصور إن "سكان أبين باتوا يعرفون معنى الحرية وأصبحوا الحارس الأول لها من خلال اللجان الشعبية التي تشكل خط المواجهة الأول ضد عناصر القاعدة". ويتابع، "هم لا يريدون أن تعاد [تجربة القاعدة] في مناطقهم، لذلك نعمل جميعا لدعم اللجان الشعبية ودعم الجيش في وجه تنظيم القاعدة وفروعه أو مسمياته المختلفة، سواء أنصار الشريعة أو داعش". وكانت السلطة المحلية في أبين قد أكدت في اجتماع عقدته يوم 16 حزيران/يونيو بمناسبة الذكرى الثانية لتحرير المحافظة من القاعدة، على أهمية تحسين وتطوير جهود التنمية والعمل دون كلل من أجل التغلب على آثار الحرب المدمرة. وأشارت إلى إن الصراع مع القاعدة تسبب بتدمير كل أشكال الحياة الإنسانية والبنية التحتية وتشريد عشرات الآلاف من أبناء أبين المسالمين. وشددت على ضرورة صرف ما تبقى من تعويضات للمساكن والمزارع ليتمكن أبناء أبين من "العيش في ظل حياة كريمة ولم شتاتهم من خلال إعادة إعمار منازلهم المدمرة". وفي هذا السياق، يوضح محمد ناصر الجمحا وكيل محافظة أبين في حديث للشرفة أن "الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وجه بصرف ثلاثة مليارات ريال (14 مليون دولار أميركي) لمعالجة قضايا المتظلمين الذين شملهم صرف تعويضات المرحلة الأولى". ويشير الجمحا إلى الجهود التي قامت بها السلطة المحلية لإعادة الإعمار وإعادة الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه ومدارس ومرافق صحية، إضافة إلى مزاولة العمل في المرافق الحكومية.