تشكيل لجنة مؤقتة لإدارة نادي الشعلة الرياضي بعدن    بدء صرف راتب أغسطس لموظفي التربية والتعليم بتعز عبر بنك الكريمي    تسجيل 22 وفاة و380 إصابة بالدفتيريا منذ بداية العام 2025    بينها 7 منتخبات عربية.. 30 متأهلا إلى كأس العالم 2026    بلاطجة "بن حبريش" يهددون الصحفي "خالد الكثيري"    إعوامل دولية ساعدت في كارثة وقوع الجنوب العربي بيد اليمن    أفاعي الجمهورية    120 مصابا بينهم 100 ضابط في اشتباكات بالمكسيك    عين الوطن الساهرة (3)    المتقاعدون يدعون للاحتشاد وبدء مرحلة التصعيد السلمي    شعب حضرموت بطلاً لتصفيات أندية الساحل وأهلي الغيل وصيفاً لبطولة البرنامج السعودي الثانية للكرة الطائرة    وسائل إعلام غربية: صنعاء كشفت الفخ الذي نصبته أمريكا وإسرائيل والسعودية في اليمن    مريم وفطوم.. تسيطران على الطريق البحري في عدن (صور)    سفيرٌ يمنيٌّ وطنه الحقيقي بطاقة حزبه.. تحويل السفارة من ممثل للدولة إلى مكتبٍ حزبي    اعتراف أمريكي: سلاح مشاة البحرية يحتاج إلى التعلم من الدروس اليمنية    تصفيات كأس العالم 2026 - أوروبا: سويسرا تتأهل منطقيا    الجاوي ينتقد إجراءات سلطة صنعاء في التعاطي مع التهديدات التي تواجهها    فراغ ، حياة وتجربة ناصرية    الشهيد أحمد الكبسي .. وعدُ الإيمان ووصيةُ الخلود    قراءة تحليلية لنص "في المرقص" ل"أحمد سيف حاشد"    حلف قبائل حضرموت يصطدم بالانتقالي ويحذر من غزو المحافظة    في رحلة البحث عن المياه.. وفاة طفل غرقا في إب    أمن مأرب يحبط مخططاً حوثياً جديداً ويعرض غداً اعترافات لأفراد الخلية    مُحَمَّدَنا الغُماري .. قصيدة جديدة للشاعر المبدع "بسام شائع"    الدفتيريا تغلق مدارس في محافظة شبوة    الدفتيريا تغلق مدارس في محافظة شبوة    حكم قرقوش: لجنة حادثة العرقوب تعاقب المسافرين ومدن أبين وتُفلت الشركات المهملة    رئيس الوزراء بيدق في رقعة الشطرنج الأزمية    تجربتي في ترجمة كتاب "فضاء لا يتسع لطائر" ل"أحمد سيف حاشد"    الرئيس الزُبيدي يُعزّي العميد الركن عبدالكريم الصولاني في وفاة ابن أخيه    سعر برميل النفط الكويتي يرتفع 1.20 دولار ليبلغ 56.53 دولار    إعلان الفائزين بجائزة السلطان قابوس للفنون والآداب    اكتشاف 570 مستوطنة قديمة في شمال غرب الصين    شبوة أرض الحضارات: الفراعنة من أصبعون.. وأهراماتهم في شرقها    اختتام بطولة 30 نوفمبر لالتقاط الأوتاد على كأس الشهيد الغماري بصنعاء    أمن العاصمة عدن يلقي القبض على 5 متهمين بحوزتهم حشيش وحبوب مخدرة    بوادر تمرد في حضرموت على قرار الرئاسي بإغلاق ميناء الشحر    انتشال أكبر سفينة غارقة في حوض ميناء الإصطياد السمكي بعدن    يوم ترفيهي لأبناء وأسر الشهداء في البيضاء    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    خطر المهاجرين غير الشرعيين يتصاعد في شبوة    الأرصاد: أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    فريق DR7 يُتوّج بطلاً ل Kings Cup MENA في نهائي مثير بموسم الرياض    ضبط وكشف 293 جريمة سرقة و78 جريمة مجهولة    معهد أسترالي: بسبب الحرب على اليمن.. جيل كامل لا يستطيع القراءة والكتابة    توخيل: نجوم انكلترا يضعون الفريق فوق الأسماء    وديا: السعودية تهزم كوت ديفوار    المقالح: من يحكم باسم الله لا يولي الشعب أي اعتبار    محافظ عدن يكرّم الأديب محمد ناصر شراء بدرع الوفاء والإبداع    الصين تعلن اكتشاف أكبر منجم ذهب في تاريخها    نمو إنتاج المصانع ومبيعات التجزئة في الصين بأضعف وتيرة منذ أكثر من عام    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    الحديدة.. مليشيا الحوثي تقطع الكهرباء عن السكان وتطالبهم بدفع متأخرات 10 أعوام    وداعاً للتسوس.. علماء يكتشفون طريقة لإعادة نمو مينا الأسنان    عدن.. انقطاعات الكهرباء تتجاوز 15 ساعة وصهاريج الوقود محتجزة في أبين    جراح مصري يدهش العالم بأول عملية من نوعها في تاريخ الطب الحديث    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بعد الإنفصال (11): الصراع على الجيش الجنوبي وعودة القتال بين الرفاق
نشر في المنتصف يوم 10 - 02 - 2014

هذه الحلقات مجرد محاولة استشرافية لمسار الأحداث المتوقع في بلادنا في المستقبل المنظور انطلاقاً من مجموعة من المؤشرات والدلائل والشواهد التاريخية، ورغم تعدد الاحتمالات والفرضيات في هذا المسار، إلا أنني تعمدت سلوك مسار الأحداث الذي يلبي رغبة قوى الحراك حتى إن كان فيه قفز على الواقع في أحيان كثيرة، وذلك لمحاولة معرفة إلى أين سيصل بنا ذلك في نهاية المطاف، هل إلى الاستقرار أم إلى الحرب الأهلية؟ أم إلى أين؟ هذا ما سنحاول معرفته.

وهم الاستقرار:
تحرص قيادات الحراك في تصريحاتها المختلفة وفي البيانات الصادرة عن مكوناتها العديدة عند مخاطبة ومناشدة الدول الأخرى لدعم مشروعهم الانفصالي ومحاولة التأثير على الموقف الإقليمي والدولي الداعم للوحدة، على التأكيد أن قيام الدولة الجنوبية عامل ضروري وحيوي لاستقرار المنطقة ولضمان مصالحهم وسلامة الملاحة الدولية في خليج عدن وباب المندب. ورغم أن هذه الاسطوانة المشروخة يرددها الحراك منذ الشهور الأولى لظهوره، إلا أن تجاهل الدول المعنية وعدم إبدائها أي ردة فعل تجاهها، يدل على عدم اقتناعها بما يطرحه الحراك حول هذه القضية خاصة مع عدم منطقيته ومجافاته للواقع، بل على العكس من ذلك فجميع المؤشرات والشواهد تؤكد على أن عدم الاستقرار سيكون الوجه الآخر المصاحب للانفصال لأسباب كثيرة.

أسباب عدم الاستقرار:
هناك نوعان من الأسباب التي تحول دون استقرار الوضع في الجنوب حال انفصاله عن الشمال، منها ما له علاقة بالجنوب نفسه وأخرى بمحيطه الخارجي وكما يلي:
1-أسباب داخلية: تبدو فرص الاستقرار داخل الدولة الوليدة منعدمة تقريباً لعدة أسباب، أهمها:
أ- اختلاف الهدف:
-يحرص غالبية أنصار الحراك التقليل من أهمية الخلافات والتباينات بين قيادات الحراك وفشلهم في الاتفاق على قيادة موحدة، بالتأكيد على أن جميع قوى وفصائل الحراك متفقة على الهدف (الانفصال عن الشمال) حتى لو افترضنا صحة ذلك، لكن الأكيد أن تلك المكونات لا تتفق على هدف موحد لما بعد انفصال الجنوب، فحالتها مشابهة إلى حد ما مع وضع أحزاب المشترك، التي كان يجمعها عداء الرئيس السابق والسعي لإسقاط نظامه، ورغم أنها لم تحقق هدفها كاملاً، إلا أن خلافاتها وتناقضاتها سرعان ما طفت إلى السطح كما ظهر مؤخراً في مواقفها من وثيقة حل القضية الجنوبية، وتكاد تكون الخلافات العنوان البارز للمشترك خلال الفترة الراهنة، ما يجعل من انهيار التكتل مسألة وقت لا أكثر.
- بصورة مقاربة بمجرد حصول الانفصال ينتهي الهدف المشترك لمكونات الحراك الذي كان يجمعها، ولم يعد هناك سوى خلافاتها العميقة، التي ستبرز بقوة وبكثير من الحدة بسبب لا نقول التباين وإنما التناقض في أهدافها ورؤيتها لدولة الجنوب، فهناك من يطالب بالهوية الجامعة للجنوب التي تعبر عنها دولة الجنوب السابقة، وهناك من يطالب بالعودة إلى ما قبل العام 1967 أو ما يُسمى الجنوب العربي، وهناك من يطالب بدولة حضرموت، كما أن هناك من يحلم بعودة السلطنات والمشيخات والمحميات مؤملاً أن يؤدي الاقتتال بين الرفاق والأطماع الخارجية إلى تحقيق أحلامهم.
- تلك التناقضات ترجح بروز الخلاف بين المكونات الجنوبية عند مناقشة وصياغة مشروع الدستور الجديد للدولة، والذي تعهدت قوى الحراك في أدبياتها وبياناتها السياسية الصادرة عنها على طرح الدستور على الاستفتاء الشعبي خلال الفترة الانتقالية المحددة بعامين.
ب-اختلاف الولاء والارتباط بالخارج:
- سيغذي الخلاف بين المكونات المختلفة ارتباط غالبيتها بقوى خارجية، فهناك تيار موالٍ لإيران وآخر موالٍ للسعودية وثالث موالٍ للشمال ورابع مدعوم من سلطنة عمان والإمارات وقطر.. كما أن هناك من يرتبط ببريطانيا وآخر بروسيا وستدخل دول أخرى على الخط كأمريكا وفرنسا والصين، وكل ذلك سيزيد من تعقيد الخلافات وربما تدفع بعض تلك الدول نحو تفجير الوضع في حال شعرت أن تسوية الخلافات سيلحق ضرراً بمصالحها وأجندتها في الجنوب والمنطقة، وليس بخافٍ أن الاتحاد السوفييتي السابق لعب دوراً رئيساً في دفع قيادات الاشتراكي للصدام، وما نجم عنها من فاجعة 13يناير 1986م.
- لعل أكثر الأمور طرافة في إعلام الحراك عندما يقوم بالترويج، من حين لآخر، لأخبار عن قرب عقد لقاء مصالحة بين البيض وباعوم أو قرب زيارة البيض للسعودية.. نحن لسنا ضد المصالحة، بحد ذاتها، لكننا ضد الاستخفاف بالناس والتلاعب بمشاعرهم بمثل هذه الطريقة. فالاتفاق بين الرجلين مرهون بالمصالحة بين السعودية وإيران، وهذا في حكم المستحيل. كما أنه من المستحيل، أيضاً، على الرجلين فك ارتباطهما بالدولتين، لأنهما يعرفان أن قبولهما الارتماء في أحضان المخابرات الإيرانية والسعودية معناه السير في طريق من اتجاه واحد لا مجال فيه للعودة أو التراجع.
ج- السعي لاحتكار السلطة وتصفية المنافسين والخصوم:
- تظهر كثير من الشواهد التاريخية أن القيادات الثورية أو الانقلابية التي لعبت الدور الرئيس في استقلال البلاد أو في تدبير عملية انقلابية على الحاكم، وقامت بتشكيل قيادة جديد أو تغيير نظام الحكم في البلاد، سرعان ما تدب الخلافات بين القيادات البارزة فيها، وتدخل في مواجهة وصراع دامٍ على السلطة والنفوذ والثروة في الدولة الجديدة.
- في الغالب يتمكن فريق من تصفية المنافسين الرئيسيين من رفقاء الأمس، وبعد ذلك تبدأ عملية الإقصاء والتهميش للقيادات والعناصر الثورية المحسوبة على الفريق المنهزم بل وعلى جميع العناصر التي لا تنتمي إلى الفريق المسيطر، كخطوة ضرورية لضمان الاستفراد بالحكم والاستئثار بالسلطة، لكن ذلك يتسبب في سقوط آلاف الضحايا قبل أن يتمكن ذلك التيار من إحكام قبضته على النظام، كما حصل في مايو 2013م في دولة جنوب السودان عندما أقدم رئيسها سيلفا كير بعزل نائبه رياك مشار وأبرز قيادات حزبه بعد إعلان الأخير عزمه الترشح لانتخابات 2014م، وكان ذلك الإقصاء الشرارة الأولى للحرب الأهلية الراهنة في تلك الدولة.
- تاريخ الجنوب حافل بأمثلة عدة للصراع المرير على السلطة طوال عمر دولة الجنوب السابقة، ما يرجح تكرار حدوثه في الدولة الجديدة؛ لأن التاريخ يعيد نفسه بطريقة عجيبة، وكانت أبرز الأمثلة على ذلك الصراع بين الجبهة القومية وجبهة التحرير بعد تراجع أبرز قيادات الجبهة القومية عن اتفاق اندماج الجبهة القومية مع منظمة التحرير وتشكيل جبهة التحرير، ما تسبب بعد ذلك في صراع دموي بين الطرفين العام 67م راح ضحيته مئات من الوطنين المناضلين، ونزوح الآلاف من أنصار جبهة التحرير إلى الشمال من ضمنهم رئيس الوزراء الحالي باسندوة والأصنج... وغيرهم.
- كما أن الانقلاب على الرئيس قحطان الشعبي وإعدام الرئيس الشهيد سالمين ونفي عبدالفتاح اسماعيل الى موسكو واقتتال القيادة في 86م ثم حرب 94م كلها أحداث كانت في جوهرها صراعاً على السلطة والنفوذ والثروة.
- أما بالنسبة للوضع المتوقع في دولة الجنوب الثانية، فالمؤشرات الحالية ترجح سعي البيض وتياره للاستفراد بالحكم على حساب تيار باعوم والمكونات الأخرى، وفي اعتقادي أن صراع قيادات الحراك في الوقت الراهن على الزعامة وتمثيل الجنوب، دليل واضح يرجح صراعها في المستقبل، وهنا أتذكر تعليق علي ناصر محمد بتاريخ 15/10/2013م على حادثة المنصة خلال إحياء الحراك للذكرى ال50 لثورة أكتوبر المجيدة عندما قال (أذا كان الصراع اليوم حول المنصات ورفع الصور فكيف ستتسع السلطة لبعض القيادات التي تتباكى اليوم عن وطن تم استباحته، هي نفسها القيادات التي أضاعت الجنوب بالمزايدات والتطرف).
- وفي حواره لصحيفة "الأمناء" في نوفمبر 2013 يقول علي ناصر (سمعت أن البعض كان يهدد باقتحام المنصة وتطويع الجماهير في عدن بالعصا كما طوعوا الجماهير في المكلا على حد تعبير أحدهم، ولم اصدّق وأنا أسمع مثل هذا الكلام أن يصدر عمّن يدعي أنه أكثر حرصاً على وحدة الجنوب عن التطويع واستخدام العصا) في حين دعا باعوم في أكتوبر 2012م قيادات الحراك إلى ترحيل خلافاتها إلى ما بعد الاستقلال.
د-الصراع على الجيش:
-في اعتقادي أن هناك أسباباً وعوامل أخرى ستغذي الصراع بين قيادات الحراك وتدفعها للصدام فيما بينها لدرجة تجعل من انفجار الوضع شبه حتمي، لعل أهمها الصراع المتوقع على الجيش، ففي حال افترضنا، جدلاً، أن غالبية قيادات الحراك ستتعامل مجبرة مع احتكار البيض للسلطة وتفرده بالقرار وعدم إشراكها الفعلي في الحكم كأمر واقع لما يتمتع به من نفوذ وإمكانات ودعم خارجي، لكن اغلبها لن يرضى بأي تهميش أو إقصاء لمكوناتهم وأنصارهم ومناطقهم فيما يتعلق بالقضايا الرئيسة وبالذات ما له علاقة بالجيش وقيادته وحصص المحافظات فيه، وليس خافياً الأهمية البالغة لهذه القضية وحساسيتها الشديدة لدى بعض الأطراف وبالذات مع أخذ الصراع على الجيش بعداً مناطقياً منذ عقود طويلة بين لحج (يافع) والضالع من جهة وأبين وشبوة من جهة أخرى.
- فمنذ إزاحة القيادات العسكرية المنتمية لقبائل العوالق بشبوة من المناصب الرفيعة التي كانت قد تقلدتها في الجيش قبل الاستقلال بعد المواجهات التي قادها الرئيس الراحل قحطان الشعبي ضد قبائل العوالق بشبوة، وما تسبب به ذلك من نزوح آلاف العائلات إلى الشمال عام 70م، أصبحت غالبية قيادات وأفراد الجيش من الضالع ويافع، لكن الوضع تغير بعد حرب 94م لصالح أبناء أبين وشبوة وبالذات منذ تولي الرئيس هادي الحكم.
-لاشك أن الاتفاق حول الجيش وقياداته والكيفية التي سيتم بها تكوينه واختيار أفراده وطريقة إدارته سيكون في مقدمة القضايا التي ستحدد مستقبل الدولة، فاستمرار الصراع المناطقي القديم/الجديد على الجيش يرجح كفة أبناء الضالع ويافع لاستعادتهم السيطرة على الجيش في الدولة الجديدة خاصة مع الدور القيادي لهم في الحراك وحتى في التحول إلى الكفاح المسلح مؤخراً، لكن ظهور اللجان الشعبية في أبين وجزء من شبوة وتحالف قبائل حضرموت كلاعبين جدد لهم ثقل على الأرض سيكون عقبة تحول دون سيطرة أبناء الضالع ويافع مجدداً على الجيش.
-لا نبالغ عندما نقول إن السيطرة على الجيش تعتبر قضية مصيرية بالنسبة لأبناء الضالع ويافع، لذا ففي الغالب لن يقبلوا بأي تقاسم قد يضعف من سيطرتهم عليه، وسيعملون على إقناع البيض بشتى الوسائل لإقصاء القوى الأخرى والاكتفاء بمنحها تمثيلاً رمزياً ودوراً ثانوياً في الجيش عبر إثارة المخاوف من خطورة إدماج اللجان الشعبية في الجيش لصلتها بأنصار الشريعة وتنظيم القاعدة وارتباطها بصنعاء والشكوك في إيمانها بدولة الجنوب.
- كما ستعمل على إثارة قلق البيض من أن دمج مسلحي تحالف القبائل في الجيش قد يمكنهم من تطوير القدرات التدريبية والتنظيمية لعناصر الحلف وتعزيز قدرتهم على فصل حضرموت بالقوة عن الجنوب، إضافة إلى أن التحالف سيطالب بأن تتولى عناصر حضرمية قيادة المناطق العسكرية وألوية الجيش في حضرموت والإقليم الشرقي عموماً، وكذا رفض التفريط أو التنازل عن المكتسبات التي حققها الحلف من الهبة الشعبية.
- لكن البيض سيحاول الالتفاف على تلك المطالب بمحاولة حل خلافاته مع خصمه اللدود حسن باعوم، الذي سيتجاوب مع البيض ظاهرياً لإدراكه أن البيض لا يمكن أن يقبل بتقاسم السلطة والثروة مع أحد، ومن ثم ستكون المصالحة وعودة باعوم للتحالف مع البيض مجرد خطوة تكتيكية هدفها إحكام قبضته على حضرموت، لذا سيشترط لقبول المصالحة مع البيض منحه صلاحيات واسعة في حضرموت والمحافظات الشرقية بصورة تجعله الحاكم الفعلي لها.
- في الغالب سيتسبب إقصاء غالبية القوى من الجيش في إثارة أزمة سياسية بين المكونات الجنوبية المشاركة في النظام الجديد يصاحبه تمرد ميداني واستعراض للقوة لعناصر اللجان الشعبية في أبين، وسيضطر البيض الذهاب نحو التصعيد العسكري ضد اللجان الشعبية لتشتيت الأنظار عن الأزمة السياسية التي تعصف بالنظام الجديد تحت مبررات مختلفة، منها: استعادة السيطرة على أبين من يد الجماعات المتطرفة، وتوجيه أصابع الاتهام للشمال بدعم الإرهاب ومحاولة استجداء دعم المجتمع الدولي له في حربه على الإرهاب.
- ستتمكن قوات البيض، على الأرجح، من استعادة السيطرة على أبين بعد أسابيع من المواجهات مع اللجان الشعبية، لكن بعد سقوط آلاف القتلى وانسحاب بقية مقاتلي اللجان إلى الجبال والمناطق النائية، لكن البعد المناطقي للحملة سيصب لمصلحة اللجان ويساعدها في ترتيب صفوفها من جديد واستقطاب مقاتلين جدد من أبين وشبوة، وفي المقابل ستتسبب نشوة النصر لدى البيض إلى سعيه للتخلص من المنافسين السياسيين المحتملين وإزالة العقبات القانونية التي تعيق احتكاره السلطة للأبد، ومن ثم سيقدم البيض على:
- طرح مشروع الدستور للاستفتاء الشعبي تتضمن مواد تحظر بموجبها جميع الأحزاب التي لها امتداد بالشمال وفي مقدمتها الحزب الاشتراكي اليمني وأحزاب المؤتمر الشعبي والإصلاح والناصري الجنوبية، وذلك لضمان خلو الساحة من منافسين حقيقيين في الانتخابات التي ستجرى بعد ذلك، كما سيتم إلغاء الفقرة التي تنص على الدولة الاتحادية، وتجنب أي إشارة لمنح أبناء حضرموت وعدن حق تقرير المصير بعد خمس سنوات من عمر الفترة الانتقالية.
- تراجع الحراك عن تعهداته بمنح أبناء حضرموت وعدن حق تقرير المصير هو المرجح خاصة مع حقيقة أن التراجع عن الاتفاقيات هو الغالب في تاريخ اليمن، كما حدث في التراجع عن تنفيذ اتفاقيتي الوحدة في طرابلس عام 1972م والكويت عام 1981م ووثيقة العهد والاتفاق عام 1994م -بعد المصادقة على الدستور وإحكام البيض وتياره قبضتهم على السلطة في الجنوب ستشن الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات واسعة وملاحقة للقيادات البارزة في الحزب الاشتراكي والأحزاب الأخرى المحظورة وللقيادات الشبابية الناشطة ميدانياً والتي تسعى للتخلص من سيطرة البيض والقيادات التقليدية على النظام، ما سيتسبب في عملية نزوح كبيرة لأنصار تلك الأحزاب إلى الشمال، وسينتقل عملياً معقل الاشتراكي من لحج إلى تعز وإب، كما سيفتح نظام البيض الباب واسعاً أمام إيران وحزب الله، ليشهد الجنوب حركة تشيُّع مكثفة وغير مسبوقة.
- كل ذلك سيدفع صنعاء والسعودية ودول الخليج لتقديم الدعم المالي والسلاح للجماعات المعارضة للبيض في الجنوب وتشكيل ميليشيات مسلحة في أوساط النازحين في الشمال، كما ستعمل على تقديم الأسلحة الحديثة ومختلف أنواع الدعم لباعوم وتحالف القبائل كخطوة تمهيدية للاستقلال بحضرموت.
- وفي هذه الأثناء تكون اللجان الشعبية قد أكملت استعدادها لخوض مواجهة ثانية مع قوات الجيش في حين تتجهز خلايا مسلحة مشكلة من مجموعات نازحة إلى الشمال لشن هجمات على مواقع عسكرية، إلى جانب حشد الشمال لقواته على الحدود مع الجنوب مع التوتر المستمر في العلاقات لأسباب كثيرة، ومع تعدد الجبهات سيضطر البيض للاستعانة بمسلحين من الحرس الثوري ومن حزب الله وكتائب ابو الفضل العباس العراقية، والتي سترتكب مجازر مروعة في بعض المناطق الجنوبية وبالذات في أبين وشبوة.
في الحلقة القادمة سنتحدث عن الأسباب التي ستؤدي إلى سقوط النظام الجمهوري في صنعاء، ودخول قوات درع الجزيرة إلى حضرموت... .يتبع
* المصدر: صحيفة "المنتصف"
* عبدالعزيز ظافر معياد, كاتب وباحث سياسي يمني
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.