اثار ترحيل السعودية أكثر من 18 ألف يمني مخالفين لنظام الإقامة والعمل بها، غضب اليمنيين، وذلك في خطة سعودية جديدة لتنظيم سوق العمل التي بدأتها منذ أسابيع في خطوة لا تزال محل الانتقاد من بعض المنتمين لصفوف رجال الأعمال وعدد من الوافدين. اليمنيون يرغبون بالاستمرار والحكومة السعودية أقرت النظام الجديد الذي يقضي بعدم مزاولة اليمني لأعماله إلا لدى كفيله كما لا يحق له ممارسة عمله الخاص وفق النظام، ويقضي ذلك بترحيل المقيم أيًا كانت جنسيته وليس حصرًا على اليمنيين فقط. وأعادت تلك الأحداث إلى ذهن اليمنيين عام 1990 عندما رحلت المملكة كل العاملين اليمنيين من أراضيها، وذلك في أعقاب تصويت الحكومة اليمنية ضد تدخل الأممالمتحدة في قضية غزو العراق للكويت، وتسبب قرار الترحيل ذلك في إحداث أزمة اقتصادية شهدها اليمن وكانت سببا في اندلاع الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب عام 1994. إلى ذلك .. دعت منظمات مجتمع مدني وناشطون حقوقيون للتظاهر اليوم الثلاثاء أمام السفارة السعودية في صنعاء احتجاجا على ترحيل الآلاف من اليمنيين العاملين في المملكة العربية السعودية بعد بدء السلطات هناك بتطبيق قانون العمل السعودي الجديد. ويطالب المتظاهرون بتطبيق اتفاقية الطائف التي كانت تمنح المغتربين اليمنيين امتيازات خاصة لكن الرئيس السابق أخفق في الإبقاء عليها عند توقيعه اتفاقية ترسيم الحدود بين اليمن والسعودية عام 2000 رغم تخليه عن مساحات شاسعة من الأراضي اليمنية لصالح المملكة. لكن العمال اليمنيين الذين يمثلون أكبر جالية أجنبية في السعودية هم أكثر المتضررين من تطبيق قانون العمل السعودي الجديد.
ونظم يمنيون الجمعة الماضية، في ساحة الستين التي كانت تشهد التظاهرات ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح تظاهرة عنوانها "دعم للمغتربين" وتظاهر فيها الآلاف في العاصمة، إضافة إلى مدن يمنية مختلفة، تقديرًا لدور "المغتربين" الاقتصادي في السعودية، وردد المتظاهرون شعارات تدعم "المغتربين" ولم ينسوا خلالها من مهاجمة نظام الرئيس السابق. وطالب المحتشدون الرئيس وحكومة الوفاق بسرعة التحرك مما يعنيه المغتربين اليمنيين في المملكة العربية السعودية وخاصةً القوانين الجديدة الظالمة والمجحفة بحقهم.
أوهام إعلامية وذكرت وسائل إعلام خليجية وصفها محللون سياسيون أنها تعيش على أوهام بعيدة عن الواقع، أن السعودية وافقت مبدئياً على طلب تقدمت به الحكومة اليمنية بشأن استثناء العمالة اليمنية في السعودية من قرار وزاري أصدرته المملكة بخصوص العمالة الوافدة إلى أراضيها. غير أن الواقع لا ينبئ بخير للعمالة اليمنية في السعودية، ولم يصدر أي قرار رسمي من قبل السلطات السعودية، عدا تلك الشحنات التي تصدر آلاف اليمنيين إلى مطارات عدة في اليمن. وأكد سياسيون يمنيون أن ما يتلقاه اليمني من تنكيل، وتعذيب في بلاد شارك في تعميرها وبنائها ، حتى أصبحت من أهم البلدان المعمرة في الشرق الأوسط، فضلا عن القاسم المشترك الذي يجمع بين الشعبين في الهواء والجبال، والسهول،وشراكة الأرض، وكل ذلك لم يشفع لليمني بالبقاء بين أهله؛ إلا بشروط تبدوا معقدة لدى العمالة في المملكة السعودية.
ونقلت "الخليج" الاماراتية على لسان مصادر لم تسميها أنه تم الإقرار بشكل مبدئي زيارة وفد حكومي رفيع المستوى برئاسة الأستاذ محمد سالم باسندوة إلى السعودية بناء على تكليف من قبل الرئيس عبد ربه منصور هادي، للتباحث مع القيادة والحكومة السعودية حول سبل تسوية أزمة العمالة اليمنية الطارئة جراء القرار الحكومي السعودي الأخير. وأكدت "الخليج" أن ثمة توجهات لدى القيادة السعودية لقبول طلب صنعاء باستثناء العمالة اليمنية في المملكة من الخضوع لأحكام القانون الذي أصدره مجلس الوزراء السعودي مؤخراً، ويقضي بمنع العمالة الوافدة من ممارسة الأعمال والأنشطة التجارية الخاصة، الأمر الذي يهدد بطرد مئات الآلاف من العمال اليمنيين في السعودية .
ولفتت إلى أن هناك تفاهمات مبدئية بين الرئيس هادي وولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز تمت خلال اللقاء الذي جمعهما على هامش القمة العربية الأخيرة التي استضافتها الدوحة ، تركزت حول سبل تسوية أزمة العمالة اليمنية في السعودية. مساندة سعودية وعلى جانب آخر، وجد اليمنيون تفاعلاً وترحيبًا من عدد من السعوديين الذين أطلقوا حملة إلكترونية للترحيب باليمنيين وسط مطالبات عدد من رموز دينية وثقافية ب"إكرام اليمنيين" وفق ما كتبوه، نظرًا للظروف الاقتصادية والمعيشية التي تحيط باليمنيين. من جانبه دعا الداعية الإسلامي الكبير الشيخ محمد العريفي إلى إكرام اليمنيين وعدم إعمال القرارات السعودية الخاصة بالعمالة على أبناء اليمن ، وبدأ حملة على صفحته بموقع تويتر حول ذلك، مؤكداً أن التشديد تجاه المغتربين لا يعطي نتائج مرضية. وقال الشيخ العريفي في تغريدة على صفحته إن "التعامل الحاد مع الموظفين اليمنيين، لا يُناسب حق الجوار، ولا المرحلة التي نعيشها". وأضاف العريفي :"أعلم أن للدولة أنظمة وقوانين، لكن التشديد المفاجئ المبالغ فيه، لا يعطي نتائج مُرضية، يا واضع القانون الجديد: تأنّ وارفُق و"أكرموا- اليمنيين". واستنكر الشيخ سلمان العودة من معاملة السعودية للمغترب اليمني وقال عبر حسابه الشخصي في "فيس بوك" قال فيها: أن إجمالي المصروفات التي يصرفها المغترب اليمني تفوق إجمالي الإيرادات التي يحصل عليها. وأشار العودة أن المغترب اليمني عندما يبدأ يعمل لحسابه أعمالا خفيفه عتال حمال مساعد في ورشة وبعض أعمال الكهرباء لعله يسد العجز ويفيض معه ما يمكنه تحويله لأولاده وأسرته في بلده، وفجأة يتم القبض ويودع في السجن بتهمة "من أين لك هذا"، أيام قليلة، تم إبعاده إلي بلده !!. ونحو هذا الصدد اعتبر وزير المغتربين مجاهد القهالي إن الحكومة اليمنية تعتبر هذا التعديل قرارًا سياديًا يخص السعودية، مؤكدًا في الوقت ذاته على ضرورة "أن تقدر الحكومة السعودية الأضرار البالغة التي قد يتعرض لها اليمنيون جراء تنفيذ هذه التعديلات". وأضاف الوزير لوكالة الأنباء اليمنية "سبأ" ، أن الرئيس عبد ربه منصور هادي يتابع القضية باهتمام كبير، وسيتواصل مع الحكومة السعودية لتصحيح أوضاع المغتربين اليمنيين، والتقليل من الأضرار التي يسببها تطبيق القرار خصوصاً وأن اليمن يمر بمرحلة دقيقة وحساسة وحرجة من تاريخه. تبريرات واهية في المقابل قالت مصادر سياسية سعودية أن لجنة خاصة شكلت من قبل مجلس الشورى السعودي لتقديم برنامج متكامل يدعم إنجاح المبادرة الخليجية التي تقودها المملكة في اليمن، مشيرة إلى أن اللجنة التقت ببعض اليمنيين في العاصمة السعودية الرياض والعاصمة الاقتصادية للملكة جدة وبعض المدن الأخرى كنوع من المسح الميداني لليمنيين واحتياجاتهم وللاستفادة أكثر عن الأوضاع في اليمن بعد البدء بتنفيذ المبادة الخليجية.
وأضافت المصادر أن اللجنة رفعت تقريرها الأسبوع الماضي مشددة على ضرورة إعادة النظر في النظام الجديد الذي اعتمدته المملكة مع المغتربين اليمنيين عام 1990م على خلفية أزمة الخليج الثانية وغزو الرئيس العراقي الأسبق للكويت والذي جاء كنوع من العقاب على للنظام اليمني الذي وقف مع صدام حسين انذاك "بحسب المصدر"، وانه لابد من تقديم استثناءات جوهرية للعمالة اليمنية في المملكة ودول الخليج بشكل عام. ومن جانبه أكد مدير عام مكتب مجلس التعاون لدول الخليج العربية في اليمن السفير سعد العريفي حرص دول مجلس التعاون على تعزيز الدعم السياسي والاقتصادي لليمن لتمكينه من تجاوز تحديات المرحلة الانتقالية الراهنة. وأشار العريفي خلال كلمة ألقاها في اللقاء الموسع الذي نظمه اليوم بصنعاء نادي رجال الأعمال اليمنيين إلى أن الأشهر القليلة القادمة ستشهد بداية تنفيذ العديد من المشاريع الخدمية و التنموية في اليمن من التعهدات التي كانت أعلنتها دول الخليج في مؤتمر المانحين في الرياض واجتماع أصدقاء اليمن في نيويورك. وساقت اللجنة العديد من المبررات الداعمة لرأيها ومطلبها أهمها النسيج الاجتماعي الواحد والسمعة الطيبة التي يتمتع بها العامل اليمني الذي ساهم وبشكل كبير في بناء المملكة ودول الخليج ابان الطفرة النفطية في سبعينيات القرن الماضي. يُشار إلى أن اتفاقية الطائف التي وقعت بين الإمام يحيى حميد الدين ملك اليمن والملك عبد العزيز آل سعود ملك السعودية عام 1934م كانت تنص في احد بنودها على معاملة مواطني البلدين كمعاملة أبناء البلد في كلا البلدين واستثناءهم من أي كفالات أو تأشيرات منظمة لسفرهم وتنقلهم بين البلدين الشقيقين دون أي عراقيل. وما زال اليمنيون لا يعرفون أسباب التحول السعودي المفاجئ، في ظل بحثهم عن رزقهم ورزق أولادهم بعيدا عن وطنهم الذي مزقته الخلافات والصراعات الداخلية.