1- على مستوى الفكر والفكرة : انصبت من فكرة التحرر والعدالة اذ الفضيلة فيهما ولا فضيلة بسواهما ؛فكانت فكرة حية وقابلة للتحقق مكانيا وزمانيا ، فكلما انبرى تحد لها كلما اسقطته وتجذرت الفكرة الثورية تبعا لتطور الفكر وحيويته وديمومته واتصاله ، فمنذ ثلاثينيات القرن العشرين وحتى مرحلة الستينيات والخمسينيات ظلت في تحد مباشر مع الزمان والمكان واشخاصه ونظامه ، بوصفها فكر وفكرة مستمرة ومتصلة ، ولا يعني عدم تحققها في لحظة ما خطأها كفكرة وايدلوجية ، ومن ثم تلاشيها واضمحلالها وزوالها وموتها ،بل التصميم على انجازها والعمل على اسقاط كل العوامل المحبطة والمؤثرة سلبيا على انجازها ،مؤسسة للزمان والمكان نفسه ، فمن ملكية دستورية ومطالب اصلاحية إلى فكرة حرة قائمة بذاتها وفكر جمهوري خالص ، وإرادة تحررية ناجزة ، من التنظيم السري والخاص والمهم كضرورة مرحلية إلى وصفها إرادة شعبية وتنظيم مفتوح وصلب على كافة التوجهات والفئات والجغرافيا برمتها. 2- على مستوى القيادة والشعب: نقلت الشعب من خلال تلكم الفكرة والفكر الجمهوري الفاضل إلى مركز القيادة لها ؛ فتسلمتها الأجيال الثورية التي تخلقت من رحم الفعل والفكرة والقيادة الخاصة ؛ فكانت ثورة تأسيسية وقطيعة معا؛تأسيسية للمستقبل والوطنية والفعل السياسي والإجتماعي الملهم ، وقطيعة مع الماضي البغيض بموروثه الديني والسياسي الرث والمنحط ، القائم على الإنقسام السياسي والإجتماعي والجهوي والمناطقي ؛فوحدت الشعب بضفتيه ، وانهت صيغة وصبغة الفئوية التي كانت الإمامة والإستعمار ومتسنمي الإنفصال تنظره من خلالها وأعادت الإعتبار للشعب بوصفه واحدا وأقوى وأمضى سلاح، فكان الشعب هو القائد والتنظيم الأشمل والفكر والفكرة هي المشروع ، والوحدة هدف مركزي واس ومنطلق، والمرحلية تقتضي اسقاط المستعمر الداخلي "الإمامة" ودجاليها ، وصولا لإسقاط المستعمر الخارجي "المحتل واذنابه " وبم يشتمل عليه ذلك من اسقاط للإنقسام والتشرذم والضعف المجتمعي في الصف الوطني ابتداء وانتهاء. 3- على مستوى التنفيذ والفعل التحرري : مثلت رافعة وطنية للحداثة والتحديث ودخول اليمن وولوجه من خلال الفعل الثوري وإرادة التحرر تلك وكينونة الشعب في عصر التحولات رغم الرتابة والجمود والإنغلاق والتخلف المريع الذي كان يعتريها ؛ فمثلت بحق ثورة الأصالة والمعاصرة معا، ثورة التجديد والتجدد على المستويات المجتمعية كافة ،دينية وسياسية، شعبية ورسمية ، اجتماعية وثقافية ، اقتصادية وامنية وديمغرافية وجغرافيا ايضا، اذ ضخت الحياة في شرايين ودماء الشعب بملايينه وبعد الموت والقطيعة التاريخية والشرخ المجتمعي الذي احدثته الإمامة والإستعمار ككل، فأعادت الإعتبار للرموز اليمنية ، اماكنا وجغرافية واشخاصا ومفاهيما وانسانا ، هوية ووطنية ، وفق دلالاتها السيسوتاريخية والثقافية والوطنية والحضارية ككل. - فكانت بمثابة الفتح الأعظم تاريخيا وحضاريا ، اذ ربطت بين السبب في الإستعمار والإستبداد وما انتجه وافرزه من انقسام وتشظي هوياتي ، واندثار كل عوامل القوة وتذريرها "فالطغاة يجلبون الغزاة" كمقولة خلدونية وتفسيرية أحالت إلى أن المستبد الداخلي "الإمامة" وكنتونها المغلق ، سببا ووسيلة لاعتياش المستعمر الخارجي والإنقسام والضعف العام ، ومناجزة كل ذلك يبدأ من التحرر من المستعمر الداخلي وصولا للتحرر من المستعمر الخارجي وهزيمتهما مصلحة لليمن واليمنيين على حد سواء. وهذا ما نسميه ترتيب الأولويات والخطر والأخطر ، فواحدية الشعب والمواجهة واكتساب القوة وخلخلة كل عوامل الضعف والإنتكاسة اساس للتحرر الوطني من الداخل والخارج ، كما أن وجود ثورتان في ارض ودولة وجغرافية واحدة وتتاليهما وانجازهما بظرف قياسي وعوامل مجتمعية صعبة للغاية ، بل كانت في حكم المستحيل في خلد وتفكير وطريقة الإمامة والمستعمر هو مايفسر عظمة الشعب والثورة ، اذ أن عظم التحدي والخطر والتهديد يشهد للثورة والشعب والفكرة والفكر بعظمة مناجزتهم وانجازها. فلكم اثارت الدهشة فلسفيا وجماليا ، فعلا وبطولة وتاريخا ، فالفكرة جاءت لإسقاط المفاهيم التي اعتبرت مسلمات وبديهيات ، والفعل اسقطها تنفيذا على الأرض وتنظيما وقيادة ومجابهة ارضية ، فتحققت واحدية الشعب والألم والجرح الكبير ، كما كانت الوحدة وواحدية الكيان واليمني هدفا مركزيا وفكرة غير قابلة للحط منها او مداراتها؛فتحقق للشعب تماسكه وقوته ومنعته وباسقاطه للتحديين على المستوى الداخلي استحق "ذاتيته" والخارجي استحق ونال "كينونته" وهنا وفي هذا كله تكمن العظمة واستحق الصفة كقالب للموصوف. 4- على المستوى الخارجي/التأثير والتأثر: اظهرت مدى الترابط ومستوى التداخل وحقات التأثير والتأثر سلبا وايجابا بمحيطها العربي وبيئتها الداخلية ، فمثلما شكلت مصر الثورة رافعة للنضال وبارقة امل للتحرر ،فقد كانت الثورة بمثابة اللبنة المؤسسة لمفهوم الأمن القومي العربي ووحداته السياسية ، اذ أن اي خلل في أي من وحداته السياسية فإنه ينعكس ويلقي بظلال كثيفة وشديدة التأثير على بقية الوحدات السياسية تلك ، والشيئ بالشيئ يذكر؛ فقد كانت ثورة 26 سبتمبر فاتحة ورافد لحركات التحرر الوطني عربيا واساسا لمأسسته، اذ سرعت وعززت من انحسار وجه المستعمر المتربع على قلب باقي وحدات النظام السياسية خليجيا ، تبعا لدائرة التأثير الأكثر التصاقا وحميمية ووجدانا بها. ختاما: وإن من اعظم تجليات العظمة اليمانية تلك وفعلها الثوري والتحرري أن من ينافسها العداء ويتنفسه فعلا وتخطيطا وممارسة وموقفا وسلوكا ويعمل على محوها وجوديا كثابت على المستوى الداخلي والخارجي لا يستطيع ازالتها من خارطة وتضاريس ووجدان وعقل الشعب بفئاته المتعددة وبناه وقواه السياسية والإجتماعية ، ولا أدل من نكبة 21 سبتمبر والإنتقالي الإنفصالي والتي تعملان وطوال عقودها الستة سريا وعلنيا من تجاوزها ، حتى وأن أهم اهداف فعلتهما حاليا يكمن في محو تلكم الثورة الأم والرؤوم ، وما اجترحته بعظمة فعلها وطنيا ، واستولدته من اهداف وقطعته كمراحل ؛ فإنها تظل بمثابة "جرح نرجسي" يسبب نزيف الدم والغيظ والحقد وبشاعة الفعل وانحطاطه لدى الإمامة بنسختيها القديمة والجديدة كما هو لدى ربيب المستعمر الإنفصالي على حد سواء.