ألقى مهدي المشاط رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي لميلشيات الحوثي خطابا متشنجا الأربعاء الماضي في محافظة عمران، أزبد فيه وأرعد ضد الشعب اليمني، وكشف فيه صراحة أن المفاوضات تعرقلها عصاباته التي تريد المرتبات لعناصرها المقاتلين، الذين يستأثرون بالوقت نفسه، بترليونات الريالات من الجبايات التي ينتزعونها قسرا وظلما وعدوانا من المواطنين. تحدث القيادي الحوثي وكأنه مطلع على جميع الخطط التي تستهدف جماعته، ملمحاً إلى ما أسماها الخطة ألف والخطة باء، لم يتوقف حديثه هنا بل قال ان جماعته حصلت على خطة السفارة الامريكية في اليمن ضد جماعته، كل تلك المبررات من اجل اثبات أن المطالبة بالرواتب ليس إلا مؤامرة، مستعيراً الدعاية التي يقتنع بها أنصارهم ان أمريكا تستهدفهم على الدوام. خاطب المشاط الموظفين بسلسلة من الاتهامات والشتائم بالقول "أنتم تخدمون العدو؛ توقفوا، أنتم حمقى، فالحماقة تعتبر خدمة للعدو أيضا"، المشاط ظهر في اليوم التالي من صعدة وتحدث عن قلق جماعته أيضا من التحركات الشعبية حتى في محافظة صعدة، وزعم إن الحكومة والتحالف يستهدفونها. الرعب الذي يسيطر على المليشيا وخطاباتها منذ أشهر سواء في كلمة عبد الملك الحوثي المختبئ في مكان سري، أو قياداتها مثل المشاط وصوولا إلى إعلامها ووسائل التواصل الاجتماعي، فاق المتوقع، وصاروا يتخبطون بفعل حالة الغضب التي يلمسونها من اليمنيين في مناطق سيطرتهم بعد سنوات من الاختباء خلف التصعيد العسكري. لم يرهبه أحدا وعلى عكس ما هو شائع في الإعلام والتقارير الدولية والأحاديث اليومية من أن الحوثي قد حقق هدفه في فرض أمر واقع بالسلاح خلال السنوات الماضية، لكن هذه الأسطورة انكشفت في نحو عام بعد توقف القتال، حيث أصبحت الجماعة فاقدة الأمل في ان التهدئة بالجبهات لن تخدمها. وفي إطار المعركة الشاملة فكلمات الحوثي نفسه، توحي بهزيمة ساحقة، ليس على المستوى العسكري فقط، بل على جميع المستويات. والتصريحات الحوثية بامتلاك القوة الخارقة الحارقة وسيلة في غاية البؤس، بل تثير الضحك عند من يسمعها، وتبعث على التحدي والمقاومة، لان الجماعة المكبلة من إيران فقدت اوراقها بالفعل. وبينما ثبتت الهدنة الأممية (والهدنة ليست السبب الوحيد في ذلك بل عوامل أخرى لا مجال هنا لذكرها) سيطرة عسكرية من نوع ما لمليشيا الحوثي على عدة محافظات، فإن الحقيقة أن تلك الهدنة أحد أهم علامات الهزيمة التي منيت بها مليشيا الحوثي على يد الشعب اليمني ممثلا بمقاومته وتشكيلاته العسكرية المختلفة. وأظهرت الهدنة التي تعد من ناحية عسكرية هزيمة له أمام الشعب اليمني ، ذلك أن الحوثي كشف عن هزيمة مشروعه حتى لمن غرر بهم من أتباعه من خارج السلالة ومن داخلها، وبانت هزيمته بجميع المستويات، سياسيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، وبدا أنه يسير في اتجاه، والشعب في اتجاه آخر وتلك هي مجالات المعركة الحقيقية لأي مشروع يريد أن يبقى، وقد تلاشى فيها الحوثي بأشد الطرق خزيا. إن أهم علامات الانتصار هي الاستحقاقات المشروعة المترتبة على الانتصار، تحرك الشعب في قلب صنعاء وفي مدن عدة مثل الحديدة والبيضاء وإب وعمران صارخا: ارحل يا حوثي، ثم ازداد الأمر حدة في أعياد الثورة المجيدة السنة الماضية، بتنظيم أول تظاهرات وفعاليات بما فيها السبعين على بعد أمتار من الرئاسة حيث الأوكار الحوثية، يصرخ للجمهورية، وتوجها بشعارات هتاف المكحل، وصولا إلى تشكيل النقابات والأندية. لم يعد لهم أي منطق الجنون الحوثي الذي أظهره قادته مؤخرا، جاء نتيجة لسلسلة من الهزائم التي تجرعها خلال السنوات الماضية خاصة بعد هزيمته في مأرب وشبوة، لكنها لم تكن السبب الوحيد لذلك الرعب، وإن كانت الأبرز، بل فقد المنطق والسردية التي كان يحاجج بها ويبرر بها قمعه ألا وهي "الحرب"، بعد أن توقفت منذ سنة ونصف. وبرز ذلك من خلال حالة الغضب التي ابداها "المشاط" ردا على كلمة رئيس حزب المؤتمر في صنعاء، صادق أبو راس، والذي يعد نائبا للمشاط في المجلس السياسي، حيث قال "إن الحرب انتهت" في أشجع كلمة له ألقاها في فعالية بذكرى تأسيس الحزب ال 41. لم يعد هناك حرب إذن، وظهر المشروع الحوثي البائس على حقيقته حتى بين أتباعه ويتوقع أن تكون هناك انشقاقات واسعة في المستقبل في صفوف المليشيا، خاصة من قبل العسكريين. وهذه التطورات دفعت بالمشاط إلى أن يؤدي خطبة الجمعة الماضية بنفسه في مسجد المجرم الهادي بصعدة، لحث الجماعة الإرهابية على التضامن وعدم الانشقاق. النقابات والأندية ترد على الخطاب الحوثي بعد ساعات قليلة من خطاب الحوثي الهائج الذي لا يريد أن يرى الشعب ضعفه وهزيمته، رد نادي المعلمين اليمنيين – في بيان - بدعوة للتصعيد في الاضراب خلال الأيام القادمة في كافة المحافظاتاليمنية، في الوقت الذي اعترف "المشاط" ان ميلشياته تفاوض من أجل رواتب عناصرها على حساب الشعب اليمني. وهنا يتجلى الفرق واضحا بين مشروعين: أحدهما سلالي مذهبي مسلح إيراني، وآخر شعبي يمني جامع ومتحضر، يتصدره معلمو اليمن، وتأتي دعوتهم في إطار تحديد المشكلة الحقيقة لمأساتهم وهو المشروع الحوثي الذي لابد على اليمنيين من هزيمته، من اجل الانتصار للمشروع الوطني الجامع التي يناضل من أجله اليمنيون منذ تشكيل الحركة الوطنية اليمنية قبل قرن من الزمان وأكثر. أما نادي الأكاديميين في صنعاء فقد رد على خطاب المشاط بالحديث على أن قيم الحرية والعدل والحق هي التي أنشأت النادي وتأسس عليها، ويقوده نخبة اليمن ويستندون على الدعم الشعبي، والحق الدستوري والقانوني في التحرك، ليس فقط لانتزاع الحقوق، لكن لتكون خطوة مهمة في خطوات الشعب اليمني نحو التقدم والحضارة بالنظام الجمهوري والديمقراطي. نادي النقابات المهنية الذي ما زال قيد التأسيس للجنة التحضيرية فقد رد على خطاب المشاط بأنه يستعد والنقابات الأخرى لخوض معركته من خلال الوسائل المعروفة في العمل النقابي والاتجاه نحو الإضرابات. وأكد نادي النقابات أنه سينتهج قاعدة التصعيد المكفولة بالنصوص التشريعية الوطنية حتى يتم الاستجابة للمطالب المشروعة. مطالب أولها الراتب وآخرها حتما النظام الجمهوري والديمقراطي كمحطة إضافية لمحطات 26 سبتمبر و14 أكتوبر، و22 مايو، وتلك مهمة وطنية يخشى الحوثيون تطورها لذا يعمدون على طمس أي مطالب لإبقاء الشعب رهينة لا يتكلم الا متى ما تريد الجماعة وكيفما تريد. القبائل أيضا تتحرك وشهدت الأشهر الماضية تحركا شعبيا واسعا للقبائل التي كان للحوثي فيها نفوذ واضح مقارنة ببقية الشعب اليمني، وظهر شيوخ بني مطر من الموالين للحوثي الشهر الماضي يتوعدون بالانسحاب كليا والتخلي عن الجماعة بعد سلسلة من الصدامات العنيفة بين الطرفين، بعد محاولة الحوثي السيطرة على أراضيهم وفصل قادته من أبناء القبائل. كما تحركت سلسلة من قبائل أخرى كان لدى الحوثي نفوذ واسع فيها، مثل آنس في ذمار التي نظمت اعتصاما في يونيو الماضي اضطرت المليشيا إلى فضه بعشرات الأطقم. وليس ببعيد أيضاً الصراع مع قبائل همدان وملاحقة مشايخها واهانتهم في السجون بعد صراع على أراضي ارادت الجماعة السيطرة عليها. بالمحصلة، تشير عملية سير الإضراب والتحركات التي يقودها نادي المعلمين، ونادي الأكاديميين وسرعة البيانات التي أطلقوها فور خطابات المشاط وتهديدات قادته. إلى أن المليشيا لم تعد ترهب حتى أتباعها، بل بعثت التهديدات الحوثية ردة فعل مضاد من قبل النقابات المهنية وحتى على مستوى الأفراد، حيث رفعت النقابات لغة تحديها في مطالبها، وسعت إلى تعزيز التواصل مع بعضها. أما على وسائل التواصل الاجتماعي فقد بدأ الناس يستعدون للاحتفال بذكرى الثورة منذ أول ساعة لدخول ذكرى هذا الشهر العظيم بالنسبة لليمنيين، في أبسط تجل على رد الفعل الشعبي الذي يقول للحوثي ستموت رعبا أنت أولا قبل أن يسحقك الشعب نهائيا ويقضي على الإمامة إلى الأبد. وتلتقط الشعوب لحظة زمنية فارقة لم يتخيلها أحد وتتحرك من تلقاء نفسها، وحين تتحرك بأي صورة كانت، مستندة على قيم الجمهورية وتجربتها التاريخية فإن ذلك هو النصر بذاته، وما تحقق بعد ذلك من مؤسسات هي علامات الانتصار الساحق.