كما توقعت يمن، بسبب العملة المشئومة والظلم، ثار أهل صنعاء ثورة عارمة على الحيمي. فر إلى القصر. وخرج من القصر. سلم دراهماً، أشترى به نفسه. أقاموا من بعده يوسف حويدر، وأقام الحيمي في الصافية. أجتمع حوله الأشرار. قطعوا الطريق، وأخافوا الناس. خرج إليهم أهالي صنعاء لدفعهم عن الطريق. ردوهم بالرصاص. قتلى من أهل صنعاء، إلا أنهم أخرجوهم من الصافية. كاتب أهل صنعاء، حسين المهدي. طلبوا منه أن يدخل عليهم. أرسل إليهم سيف خلافته الأبيض. حمل معه عملة حسين المهدي. استقبله أهل صنعاء، استقبال الفاتحين..قالت (يمن): - لأنهم يريدون المنقذ من الفوضى. - ومن الأخبار المبشرة، أن الأبيض قد سجن وزير المنصور، الهادي، والمهدي. - البشرى أن بقضي على الفوضى، فإذا فعل، صدقت بأنه يستخرج كنوز الأرض..فمتى سيدخل صنعاء؟ - قالت شمس النهار: قريباً..قالت هدى: - أي قريب هذا، هي لزوجي الهادي غالب..ردت شمس النهار: - قالو في الحديدة، ما علينا، هل وصلكن خبر أحد مشايخ اليمن الأسفل..رديت (بخبث): - وما هو؟ - تحدث عن أبي حديثاً لا يسر، فإذا أقبل الصباح، كان مربوطاً بذيل حصانه. كنا أربع: يمن، هدى، أنا، وهي..تبادلن النظرات، نحن الثلاث، كدنا أن نضج بالضحك، منعناها، حتى هدى..قلت (ثانية بخبث): - وهل سمعت ما قاله الشاعر القارة؟ - وماذا قال؟ قالوا الجن قد حضروا في (القرانع) للبقر عقروا ولشغل الكيميا سترو كم ذهب لا إله إلا الله ردت (بفخر): - سبحانه، سخر لوالدي حتى الجن..حان وقت انصرافي، أتيت يا عمتي كاتبة وفاء للوعد والمعروف. أنفجرت أخيراً، وهدى بالضحك، إلا يمن..قالت: - قلت بأني سوف أصدق عنه كل شي إذا قضى على الفوضى. ليمن أن تصدق، متفائلة، مع وقف التنفيذ، ولي أن لا أصدق، متشائمة، مع وقف التنفيذ. رهان غير معلن، بيني وبين يمن. القاسم المشترك، بيننا، مع وقف التنفيذ. ربما أكسب الرهان، ومنهم، أهل صنعاء، أعلنوا: بأن عملة المنصور، لقب حسين المهدي، مغشوشة. الفوضى تغلي، إلا إن الإعلان أفسد أملهم في المنصور. الضعفاء، والمساكين، ليس لهم غيرها. الأغنياء، والميسورين، نحن منهم. احتاطت يمن، وأنا، زوجة تاجر البن. لدينا، وهم، القرش الحجر، لم يعرف الغش، مذ إصداره، فيه ما يكفيه من الفضة، غطاء مدى الدهر، ودهرنا فوضى، إلا إذا كسبت يمن الرهان. نقطة البداية، بداية السباق، بين تفاؤل يمن، وتشاؤمي، يوم دخول حسين الهادي، المنصور بالجن، صنعاء. واجه الناس، دخل الأعيان إلى مقامه، استقبل كل واحد وما يليق بمقامه. من استطاع أن يقنع الناس بالجن، وبالشيخ المربوط بذيل حصانه، يستطيع أن يضع كل واحد بمقامه. من استطاع، يستطيع بلسانه، سحر البيان. جذبهم بلسانه، كان للناس أن تصدقه، وكان له أن يطلب أحمد الحيمي، ومنافسه، حويدر. حبسهما سيف خلافته، الأبيض. الأول، كانت إرادة الناس، والثاني، حتى لا يكون للإمام منافس. خافوا أن يكون حويدر، مثل الحيمي. جمع الخصمين وجهاً لوجه. حويدر مَن سلب مِن الحيمي زعامة صنعاء. قاد الناس المظلومة ضد الحيمي، انتصر عليه، لكنه لم يطعم الزعامة، ولم تسعفه الفرصة، أن يبدي باطنه، حتى تظهر نتائج أفعاله. كان الأبيض بالمرصاد، سيف المنصور التي وصلت فوح أخباره، الفوح الطيب، قبل أن يصل من كانت أخباره..قال: - هيا تقاتلا بدون سلاح، ومن سيفوز، سوف أعفي عنه..أندفع الاثنان، ما يحمل كل واحد منهما للآخر، وسعيا وراء الفوز. كان الاشتباك عنيفاً، ما ألذه الفوز على صديق، وإذا كان على عدو نطحت السماء. لم تسع الفرحة الأرض، بما رحبت. انتصر الحيمي، أوقعه أرضاً، كانت رجله على رقبته، ويديه في السماء..قال (فرحاً) : - انتصرت عليه..قال المنصور (ساخراً) : - لكني انتصرت عليك، أم أنك نسيت، ما عملته بي..خذوهما إلى الحبس، لأنه أنتصر عليه، وأنا قد انتصرت عليه. * * * * فعل حسين الهادي، أو المنصور، مثل سابقيه، خرج لإصلاح الفوضى، لكنه لم يخرج إلى الحيمة، خرج إلى آنس، أراد من له منفعة في أنس. كانت الفوضى أقوى، لم يستطع جنده، فأنفضح أمره. لم يستطع لسانه. أمر بالعودة إلى صنعاء. تعرض له من صنعتهم الفوضى بنهب أثقاله. صدقه الناس، فصدق بأنه يصلح إماماً. أكتفت بمن صنعتهم الفوضى، بنهب أثقاله. دخل ( ضوران)، حيراناً. ذهب الجاه والسلطان..قلت ليمن: هل تسمعين، وتنصتين، ما كتبه صاحب أسعد عن حسين الهادي، عند وصوله إلى (ضوران)، عاصمة آنس..ردت: - هاتي ما عندك، خاب ظني فيه. - (وبقي هناك كالحيران، فوصل إليه الشيخ محمد أبو جابر، قبيلي مُقبَّع. عامي قد قطع الطريق، ونهب وشغل الناس، لكنه قد تعنهر-أي تجبر، وتكبر- مع عدم الدولة، وما يشتهر في زماننا إلا الأشرار، وإلا فهو رعوي. فعقد له الإمام الهادي الوزارة، وأطلعه وطلع صنعاء، وأبعد القعشه، ولبس محشة)..أطلقت يمن تنهيدة طويلة، ثم قالت: - القعشة الجمة من الشعر، والمحشة العمامة الحمراء المطرزة، وفيه قال الشاعر القارة: وأبو جابر وهو رعوي بيت إسحاق ويزره وقوي عنه أنه عارض البغوي بعلوم لا إله إلا الله - ماذا يعني بالبغوي؟.. - أديب معروف. - نعم..نعم، ذكرت..أطلقت تنهيدة ثانية، ثم قالت : - ومثله سيف خلافته، الأبيض، أراد أن يجرب خطته في الحيمة، لكنه عاد بدون طائل. وعندما عاد، لم يعد بأدب المنكسر. قدم وأخر. أمر، ونهى. تعرض لدار ضرب العملة، حتى بلغت قيمتها أدنى قيمة. غلت الأشياء، وعدمت. الفوضى تغلي، من يطفئها، كسبت الرهان يا كاتبة..قالت هدى (وقفت للتو على عتبة الباب، حزينة): - وأنا خسرت الرهان، لن يدخل زوجي صنعاء قريباً، ولن ألحق به قريباً، ولا أدرى متى؟..قالت يمن (مبتسمة..ابتسامة العظيمة): - سعداء بوجودك معنا..قلت (مستغربة): - وكيف عرفت؟. - وصلتني منه رسالة قال فيها: بأنه قد قاد حملة من الأتراك، وأحتل حفاش، وملحان، وطرد عامل الإمام. إلا أن الأتراك، انقلبوا عليه، وهرب منهم إلى الروضة. وقال: بأني لا أستطيع اللحاق به بالروضة، كونه لم يستقر، فمازال يطمح..ما قهرني قوله، بأن لديه زوجته من (بيت البحر..بكيل)، لأنها تستطيع أن تتحمل ما ينتظره من مشاق وحرب، وقد كنت معه دائماً..قالت يمن (ساخرة): - بل لأنه يعول على أنسابه لنصرته أما أنت فمن وراءك؟..الفوضى بحاجة إلى قبائل..قلت (مواسية): - نسي أن يخبرك بأنه قد تمرد على حسين الهادي، لكنه حوصر في حدة ولم يفك أسره إلا بعد إعلانه التوبة، والعهود المغلظة، وتركوه يعود إلى الروضة.. قالت هدى (حائرة): - فلماذا لم يطلبني للحاق به ؟..ردت يمن (ساخرة): - لعله سيخل بعهده، فنحن في زمن الفوضى. * * * * لم يرض أهل صنعاء بأبي جابر، به، وأفعاله. أوقع بناس. صادرهم مصادرة كبيرة. ولم يرض سيف خلافته، الأبيض. وقع الخلاف بين المنصور وسيفه. انضم إلى الأبيض نقباء القصر وأنضم إلى المنصور أبو جابر. كادت الفتنة أن تكون. كان الحل أن يخرج الاثنان ولأهل صنعاء إمام. كاتبوا محسن الشهاري، المتوكل كان إماماً، ويأمل في العودة، كل شيء ممكن، في زمن الفوضى، ينتظر خارج صنعاء..قالت يمن : - خرج الأول فهل يعود؟..قلت: - وخرج الثاني، فهل يعود؟ - كل شيء ممكن، في زمن الفوضى، إلا أنك قد كسبت الرهان..كيف غيَّب عن ذهني التفاؤل، أن من خدع وكذب على الناس، يستطيع أن يقضي على الفوضى. * * * * أمسكت عن الكتابة بعد موت فاطمة، انتابني نوبة من الحزن كادت أن تكسر قلمي. لم يعد الموت الاستثناء، بل الحياة. إلا فاطمة. كم كانت مغرورة، وبعد ذبح زوجها، كم كانت مكسورة. جرح المغرور لا يندمل، وإن حاولت، موسوم في عينها، مخارج كلماتها، ووقع خطواتها. كانت، وهي صامتة، أو تتكلم. جالسة أو تتحرك، كتلة من الألم، ينخر داخلي. فإذا ماتت كانت كلها، فإذا الألم، فوضى داخلي. حل الطاعون، وداء البطون. الأول يذهب، ويعود. إذا عاد كنس، ما استطاع. يختارهم من البيت: واحد، أو اثنين، أو البيت كله. ولا حول لنا ولا قوة. مثل الفوضى، يحتاج، كلاهما، من يخمده. الإنسان ليس غيره، لابد أن ينهض من بيننا من يخمد، فمتى؟. اختار فاطمة من بيننا، وأختار داء البطن هدى، ما كانت تأكله يخرج من فمها، ودبرها. ماتت فاطمة وعاشت هدى. ليتها هدى، كان أخذ من أمامي مجرمة تتحرك على قدمين، وأنا مكتوفة اليدين، معصوبة اللسان. القهر، ليس مثله، وأنا مكتوفة اليدين. وأنا الآن المقهورة الحزينة. ضجيت بالبكاء، كان له دوي، غطى البيت..قالت يمن: - مر ثلاثون يوماً، وأنت هكذا..امسحي دموعك، وعودي للكتابة، لن أرضى عنك، إلا إذا عدت..رفعت رأسي، كانت الثلاث، واقفات..قالت زينب (مبتسمة): - وأنا كما قالت أمي..وقالت هدى: - وأنا كذلك..قلت (وأنا أمسح دموعي، مقهورة): - حتى أنت يا هدى. - نعم..قالت يمن: - وأحمل لك خبراً، لابد أن يسرك: محسن ينتظرك في الغرفة، بالدور الأسفل..من أجلك أدخلته الغرفة. كان لي أن أوافيه، ولو في الغرفة، أسعد وهدى، مازال زوجي. أنا، وهو. كان متخفياً بلباس امرأة. عندما دخلت عليه، كان يغطي وجهه. كشف وجهه، قال: أردتها مفاجأة، وأفضل طريقة للوصول إلى هنا. سوف يستمر، وافقت عليها يمن. سألته عن شنبه الطويل، العريض.. قال من أجل هذا أتيت. أصبحت صنعاء بدون صاحب، وحان له أن يصبح صاحب صنعاء. لن يكون الإمام إلا للجمعة. سوف يقيم من أراد، ويقعد من أراد؟. لن يكون مثل الحيمي، وسوف يغلق الباب الذي تأتي منه القبائل. أخبرني بأنه قد تم قطع رأس الشامي. كان تمهيداً لأن يخبرني (مطرقاً)، بأن الحيمي قد مات بالسجن. لم أرد، لم يهزني الخبر، مات منذ زمن، ونسيته. ضمني إلى صدره، وقال: عظم الله أجرك في فاطمة، لم أستطع أن أرد، كان قد عصرني. لم أشعر، إلا، وهي تبتلعه، كنت احتاج إليه للحظات أنسى فيها. أغمضت عيني، فتحتها، وهي تلفظة. كانت رعشة، لم أعرفها، كادت أن تسلخ جفنها. قلت (وأنا أمسحه، معجبة، مثل شنبه): لم يعد هناك مشكلة، هكذا سوف تأتي متى تريد، ومتى أريد؟. وعدني، ووعدني بأنه لن يكون مثل الحيمي. فهل سيفي بوعده؟؛ إذا لم يكن لي فلوعده أن لا يكون مثل الحيمي. أما أنا فقد عدت للكتابة. يتبع