ساد الغموض الساحة السياسية في اليمن بشأن تسليم الرئيس علي عبدالله صالح السلطة من عدمها، في وقت اتسعت فيه رقعة الخلافات بين أطراف الحياة السياسية كافة حول هذه القضية وقضايا أخرى، من بينها الترتيبات ل”جمعة الخلاص” التي يتبناها المعتصمون في ساحات التغيير في العاصمة صنعاء وبقية مناطق البلاد، و”جمعة البيعة” التي من المقرر أن ينظمها أنصار النظام تأييداً للرئيس صالح . وكانت معلومات متضاربة بشأن المفاوضات الجارية بين الرئيس صالح وخصومه قد تراوحت بين تشكيل حكومة وحدة وطنية يتم تعيين أعضائها بالتساوي بين السلطة والمعارضة وتشكيل حكومة مؤتمرية صرفة، وبين تسليم الرئيس صالح السلطة إلى نائبه أو من يراه مناسباً برعاية أمريكية وأوروبية، ما أفسح المجال للتكهنات بشأن المصير الغامض الذي ستؤول إليه الأوضاع في البلاد . وفي ظل هذا التضارب في المعلومات، كشف شباب الثورة في ساحة التغيير عما أسموها “مؤامرة للنظام المتهاوي ضد الشعب المطالب بالتغيير السلمي”، الذي قال بيان صادر عن ائتلاف شباب الثورة إنه “بدأ بمسلسل نشر وتشجيع الانفلات الأمني في أغلب مناطق البلاد من خلال سحب وحدات الجيش والأجهزة الأمنية منها نحو العاصمة صنعاء لتوفير الحماية الشخصية لرؤوس النظام وممتلكاتهم” . ودعا الائتلاف “أبناء اليمن كافة لتشكيل لجان شعبية في جميع الأحياء والمناطق اليمنية لحفظ الأمن والأموال والأعراض من أجل إفشال مؤامرة النظام في نشر الفوضى التي يعتزم خلقها”، مؤكدين أنهم “لن يخضعوا ولن يتراجعوا بل سيضربون أروع الأمثلة بالتلاحم والتراحم فيما بينهم”، كما دعوا ضباط وجنود الجيش والأمن الشرفاء إلى الوقوف صفاً مع إخوانهم وآبائهم وأبنائهم وعمل ما بوسعهم لحمايتهم “فهم منا ونحن منهم”، مؤكدين رحيل صالح وأسرته ونظامه عاجلاً أو آجلاً . وأشار البيان إلى أن “النظام نفسه الذي ضلل الشعب من خلال خطاباته المتكررة بأنه حريص على الوطن وحقن دماء أبنائه، هو نفسه يدعو صراحة للحرب الأهلية بكل أشكالها حفاظاً على كرسي زائل لرئيس لطخ يده بدماء شعبه، لا لشيء إلا لأنه طالبه بالرحيل، بعد أن جثم على صدره لمدة 33 عاماً، هي بكل حال وبأي عرف وقانون أكثر من كافية” . ميدانياً اتفق المعتصمون في ساحات التغيير في العاصمة صنعاء على تحديد فعالية يوم غد الجمعة للمزيد من الضغط على الرئيس صالح للتنحي عن السلطة، حيث أطلقوا عليها “جمعة الخلاص” عوضاً عن “جمعة الزحف” التي كان مخططاً لها خشية وقوع مواجهات مع مؤيدي النظام وأجهزته الأمنية . فيما يستعد أنصار حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم لتنظيم مسيرة في نفس اليوم تحت مسمى “جمعة البيعة”، في تأكيد على مبايعتهم للرئيس صالح حتى نهاية حياته، وهو ما أعلن عنه خطيب جامع الصالح الجمعة الماضية التي قال إن في رقاب اليمنيين بيعة للرئيس صالح لحين يتوفاه الأجل . وانضمت عناصر جديدة إلى ساحة المعتصمين، حيث أعلن يوم أمس النائب محمد شردة، وهو من حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، انضمامه إلى المطالبين بإسقاط النظام ورحيل الرئيس صالح، فيما تدفق العشرات من العسكريين إلى الساحة للانضمام إلى الثورة . وشدد الموالون للواء علي محسن الأحمر من حراساتهم للمعتصمين، بخاصة بعد أن تظاهر عشرات الآلاف من المناوئين للنظام في شارع السبعين، مروراً بمنزل نائب الرئيس عبدربه منصور هادي، قبل أن ينضموا إلى ساحة التغيير، وكادت التظاهرات أن تنتهي بمواجهات مع أنصار النظام الذين تجمعوا في منطقة عصر خشية أن يتجه المتظاهرون إلى ميدان السبعين، الذي يقع فيه القصر الجمهوري، حيث شبه بعض المراقبين تظاهرات المعارضة بكونها “بروفة للزحف نحو القصر الجمهوري” . ودفعت المخاوف بمواطني العاصمة صنعاء وعدد من مناطق البلاد من اندلاع حرب أهلية بالتحرك لتشكيل لجان شعبية لحماية الأحياء التي يسكنونها خشية وقوع أعمال نهب وسلب، مثلما حدث في الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد العام 1994 في عدد من المناطق . وكان مجلس حضرموت الأهلي، الذي تشكل مؤخراً قد عقد برئاسة نائبي رئيس المجلس المهندس محسن علي باصرة وعمر باجرش لقاءات مع عدد من الشخصيات المدنية والعسكرية في المحافظة، من بينها محافظ المحافظة خالد الديني والقادة العسكريين والأمنيين في المحافظة كرست لبحث الأوضاع الراهنة في المحافظة وسبل تجنيب أبنائها ويلات الصراع العسكري، وبحسب الناطق الرسمي باسم مجلس حضرموت الأهلي علي الكثيري فإن المجلس أبلغ الأطراف كلها ضرورة التحلي بضبط النفس وتحكيم العقل والتوقف عن كل ما يؤدي إلى تأجيج التوترات وإثارة الاحتكاكات، والحيلولة دون الانزلاق بالأوضاع إلى حيث يصعب تطويقها . وأكد الكثيري أن المجلس عبّر عن رفضه لتحويل حضرموت إلى ساحة للصراع العسكري، وأنه دعا كل الأطراف لتفادي ما يؤدي إلى ذلك، مشيراً إلى أن كافة الأطراف أبدت حرصا على التعاون مع المجلس لتوطيد الاستقرار والطمأنينة في مختلف مناطق حضرموت، ودرء الفتن والفوضى الاضطرابات عنها، معرباً عن أمل المجلس في تضافر جهود الجميع لتأمين المحافظة من أي تداعيات أو أخطار تهدد أمنها واستقرار حياة أبنائها، وأكد الكثيري أن أعضاء المجلس طلبوا بعد لقائهم بالمحافظ بتأمين حاجة المحافظة من المخزون الغذائي ومخزون المشتقات النفطية في ظل الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها البلاد . واستمرت حالة الغضب مما وقع في منطقة جعار بمحافظة أبين بعد الانفجارات في مصنع للذخيرة في المنطقة قبل يومين وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن 150 شخصاً، حيث انطلقت أمس مسيرة شعبية كبيرة في مدينة زنجبار بمحافظة أبين للتنديد بما جرى في المصنع، حيث حمل المشاركون في المسيرة السلطات الأمنية مسؤولية ما نتج عن قيام المواطنين باقتحام المصنع، حيث أشاروا إلى أن السلطة تعمدت إخلاء المصنع وتركه لعناصر القاعدة التي بدورها قامت بتركه للمواطنين . وأفادت أنباء في أبين بأن المسلحين الذين استولوا قبل عدة أيام على مبنى الإذاعة المحلية ومبنى القصر الجمهوري بالمحافظة سلموا المبنيين إلى اللجان الشعبية التي تم تشكيلها من مواطني مدينة جعار، وقالت مصادر محلية إن وساطة بين المسلحين ولجان شعبية تم تشكيلها من المواطنين أسفرت عن تسليمهم المبنيين للجان الشعبية . في الأثناء، نفى مكتب عبدالملك الحوثي أن تكون حركته هي من عينت محافظ صعدة الجديد فارس مناع عوضاً عن المحافظ السابق طه عبدالله هاجر الذي غادر المحافظة قبل عدة أيام، وأشار الحوثي إلى أن ثورته ثورة شعبية وأنها تهدف إلى إسقاط النظام لا تعيين أحد فيه، كما نفى الحوثي أن يكون قد استولى على صعدة، مشيراً إلى أن “السلطات المحلية تمارس دورها والمكاتب الحكومية مفتوحة والنقاط العسكرية منتشرة على الطرقات، والأمن يتواجد في المقرات الحكومية والمستشفى الجمهوري ومستشفى السلام السعودي والبنك المركزي”، إلا أنه قال إن أبناء المحافظة وموظفيها في مكتب التربية وبقية المكاتب الأخرى يشتكون من عدم استلام مستحقاتهم التي أخذها النظام من البنك وغادر بها إلى صنعاء ليستعين بها في حملاته ضد الشعب ونثر الأموال على ضعفاء النفوس، على حد تعبيره .