منذ أن شرعت الولاياتالمتحدة في خوض حربها ضد ما سمته "الإرهاب" ومساحة العداء لها ومحاربة مصالحها في العالم تزداد وتتوسع، على الرغم من الانتشار العددي الكبير لجيشها وأسطولها في عدد من الدول التي تتهمها بالفشل وضعف بنيان نظامها السياسي، الأمر الذي تحول إلى بؤرة لتجمع الحركات والمجموعات المسلحة للولايات المتحدة. فقد كشف تقرير صدر مؤخرًا عن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، ونشر على الموقع الإلكتروني للمجلس بعنوان "القاعدة في اليمن والصومال، قنبلة موقوتة" عن مدى التهديد الذي يمثله تنظيم القاعدة، لا سيما في ظل التكتيكات التي تتبناها القاعدة وتغيير جبهاتها من وقت لآخر بحسب الأوضاع الأمنية. ففي أعقاب العمليات العسكرية الأمريكية والغربية في العراقوأفغانستان، بحثت عناصر القاعدة عن موطئ قدم لها في المنطقة القبلية على الجانب الباكستاني من الحدود مع أفغانستان، وهو ما تنبهت له الولاياتالمتحدة وباكستان ودفعهما للقيام بعمليات عسكرية واستخباراتية مشتركة ضد معاقل التنظيم أدت بصورة واضحة إلى فرار عديد من العناصر المسلحة وتوجهها إلى مناطق جديدة، تمثلت بصورة رئيسة في شمال إفريقيا وجنوب آسيا، وإن كانت الساحة اليمنية هي الساحة الأبرز في هذا السياق. مثلت المصالح الأمريكية أحد الأهداف الرئيسة بالنسبة لتنظيم القاعدة خلال السنوات الأخيرة لاسيما مع ما طرأ من تطورات على تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. تقرير الكونغرس يؤكد أن المكونات اليمنية في المتفجرات والجنسية النيجيرية للمتهم في العملية والرحلة المستهدفة القادمة من هولندا تشير إلى ضرورة عدم اقتصار جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية على دولة أو إقليم بعينه، وهو ما يتطلب القيام بعملية تقييم استراتيجي للأوضاع والتهديدات التي تكتنف الولاياتالمتحدة في ظل التكتيكات الجديدة التي تتبناها القاعدة. ويرى معدو التقرير أن قدرات تنظيم القاعدة باتت أضعف وأكثر شحّاً، فقدرة القاعدة على تنفيذ عملية واسعة النطاق أصبحت ضئيلة خلال السنوات الأخيرة على عكس ما كان عليه الأمر قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وأن الدعم والمساندة الشعبية للتنظيم تضاءلت خلال السنوات الأخيرة بحسب عدد من استطلاعات الرأي في صفوف المسلمين على خلفية التكتيكات والوسائل القاسية التي يتبناها التنظيم، وهو ما تزامن مع التضييق على مصادر التمويل للتنظيم وتجميد أرصدة المنظمات والجمعيات التي تساند القاعدة. كما يرى التقرير أن العمليات العسكرية من قبل الولاياتالمتحدة وحلفائها أسهمت في فقدان تنظيم القاعدة العديد من عناصره البارزة وكوادره القيادية، الأمر الذي استنزف قدرات التنظيم. بالمقابل، استحوذت الأوضاع في اليمن على اهتمام متنامٍ في الآونة الأخيرة، انطلاقًا من التدهور الأمني هناك، ومحاولة تنظيم القاعدة استغلال الضعف الذي تعاني منه الحكومة المركزية في اليمن وتوسيع نشاطه على الساحة الداخلية هناك. فالأزمات العديدة التي يعاني منها اليمن منحت بيئة مواتية للقاعدة، إذ تعاني الحكومة المركزية في اليمن من ضعف ملحوظ وعدم قدرتها على بسط سيطرتها على مساحات واسعة من الدولة، فضلاً عن عدم توافر الإمكانيات التي تمكن السلطات اليمنية من التعامل مع تلك التهديدات. كما أدت الأزمات الداخلية وحركات التمرد الداخلية، وبالذات الحرب مع الحوثيين، إلى مزيد من الإضعاف للحكومة اليمنية، ومن ثم منعتها من توحيد جهودها لمواجهة تنظيم القاعدة. كما يبرز في هذا السياق ندرة الموارد الطبيعية المتوافرة في اليمن، فمخزون اليمن من النفط يمثل 75%من إجمالي دخله، ومن المرجح أن ينفد بحلول عام 2017 بالإضافة إلى الاستنفاد المتسارع للمياه باليمن، وازدياد معدلات الفقر، الأمر الذي يخلق ظروفًا وأوضاعًا اقتصادية متأزمة، فيما يشهد اليمن أعلى معدل نمو سكاني على مستوى العالم 3.4 % سنويًّا، هذه الأوضاع مجتمعة تعد عوامل مساعدة لتنظيم القاعدة لتوسيع دائرة تواجده باليمن. يُعد تنظيم القاعدة بشبه الجزيرة العربية التنظيم الرئيس في اليمن عقب إعلان عناصر القاعدة في اليمن خلال شهر يناير 2009 عن توحيد فرعي القاعدة في اليمن والسعودية والانضواء تحت لواء تنظيم واحد يعرف بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ويقود التنظيم اليمني الجنسية ناصر الوحيشي ومساعده سعيد الشهري السعودي الجنسية. وعلى الرغم من أن التنظيم ليس لديه قدرات بما يكفي للإطاحة بنظام الرئيس عبد الله صالح، فإنه قادر على القيام بعمليات واسعة النطاق لاستهداف المصالح الأجنبية والمنشآت النفطية، وكانت عملية السفارة الأمريكية في صنعاء 17 من سبتمبر 2008 أكبر دليل. وخلال الشهور الأخيرة، تصاعدت حدة تهديدات القاعدة، فقد هدد التنظيم بمهاجمة منشآت النفط والجنود الذين يقومون بحمايتها فضلاً عن المصالح الأجنبية في البلاد والسياح الأجانب. يخلص التقرير إلى أن الأوضاع المتردية في اليمن ساهمت بشكل كبير في إيجاد بيئة مواتية لتنظيم القاعدة، وهو ما تنبه إليه المسؤولون الأمريكيون، إذ اعتبروا أن اليمن أصبح ملاذاً آمناً لعناصر القاعدة، بما يشكله ذلك من تهديد للمصالح الأمريكية، وسعت الحكومة الأمريكية إلى تقديم مزيد من الدعم للحكومة اليمنية، حيث قررت تقديم ما يزيد عن 50 مليون كمساعدات اقتصادية وعسكرية لليمن. إلا أن الغريب أن المساعدات الأمريكية لليمن تظل تدور في فلك الجانب العسكري والسياسي فقط، وتستبعد الجوانب الاجتماعية والاقتصادية التي تحتاج إلى حلول جذرية للأسباب التي تشكل بيئة مناسبة لنمو تنظيم القاعدة ونشاطه، مثل تزايد معدلات الفقر والأمية، وتردي الأوضاع الاقتصادية وانتهاكات حقوق الإنسان، ويبقى التركيز منصباً على معالجة الظواهر بحلول "مسكنة" لا تكاد تسمن أو تغني من جوع. المصدر: فلسطين