أهمية الوقت في ظل التطورات التكنولوجية والاقتصادية الراهنة (توطئه): في ظل الثورة الهائلة في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات تحول العالم الى قرية رقيمة صغيرة لا يتطلب التواصل بين ساكنيها أكثر من كبسة زر وبعض الثواني أو الدقائق، مهما تباعدت المسافات الجغرافية التي تفصل بينهم، وأدى هذا التطور غير المسبوق الى عولمة الاقتصاد وأنعكس على طريقة إدارة الأعمال المختلفة سواء بين الأفراد، أو الشركات أو الدول، وأصبح بالامكان عقد صفقات كبرى واعمال اخرى لا تقل أهمية بين شركاء من دول أو حتى قارات مختلفة، باستخدام وسائط حديثة تمكن من إنجاز كافة التفاصيل المطلوبة لذلك من مكتب صغير في مقر الشركة أو المنظمة الحكومية أو الخاصة المعنية، دون حاجة للانتقال أو السفر الى البلد (البلدان) التي يتواجد فيها الطرف الآخر. وقد أكُتسبت هذه التطورات أهمية فائقة لوقت العمل خاصة في ظل التشابك الكبير للمصالح بين الاقتصادات والدول المختلفة التي وجدت نفسها فجأة تعمل في بيئة كونية تنافسية مفتوحة، وتحرص في سبيل مواكبة ذلك على الاستفادة من كافة الفرص المتاحة لتحسين موقعها فيها. هل يساعد تنظيم أوقات العمل والراحة في بلادنا على الاستغلال الأمثل لوقت العمل المتاح: وإذا نظرنا في ضوء ما سبق الى نظام أوقات العمل والراحة المعمول به في بلادنا نجد أنه -ليس فقط- لا يساعد على الاستفاده المثلى من وقت العمل بل على العكس يؤدي الى فاقد كبير فيه، وبالتالي الى خسائر غير منظورة وارباكات لعمل كثير من الجهات الحكومية والخاصة التي ترتبط الخدمات التي تقدمها بشركاء خارجيين، مثل البنوك ووالشركات وغيرها، ويرجع ذلك الى ان هذه الجهات تكون في عطلة يومي الخميس والجمعة وهما يوما عمل في الغالبية المطلقة من دول العالم، وتعمل يومي السبت والاحد وهما يوما إجازة وراحة اسبوعية في تلك الدول، أي انها لا تستفيد عملياً سوى من ثلاثة أيام عمل في الأسبوع لانجاز الاعمال المرتبطة بالخارج بينما أربعة أيام (أي 60٪ من وقت العمل الأسبوعي تقريباً) تذهب هدراً. الآثار الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة في حالة تغيير يوم الراحة الأسبوعية من الخميس الى السبت وموقف الشرع في ذلك: بينت النقاشات التي ترافقت مع طرح موضوع تغيير يوم الراحة الأسبوعية من الخميس الى السبت في كل من الكويت والسعودية وجود إجماع على فائدة القرار من الناحية الاقتصادية بفضل انعكاساته الايجابية على مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني، أما من الناحية الاجتماعية فلا توجد -من وجهة نظر المختصين- اضرار أو آثار سلبية للقرار، باعتباره نتاج عملية اجماع أو توافق اجتماعي، وبالتالي سيكون رد الفعل تجاه التغيير المترتب عليه طبيعياً جداً وسيتكيف معه المجتمع ويتعود عليه بعد شهر أو بضعة أسابيع على الأكثر، أما من الناحية الشرعية فقد اختلفت الاجتهادات الفقهية في هذا الجانب وتوزعت في أكثر من إتجاه، يمكن تلخيصها في ثلاثة اتجاهات عامة على النحو الآتي: الاتجاه الأول: مؤيد صراحة لمثل هذا التغيير ولا يرى فيه أي محذور إذا كان يحقق فائدة اقتصادية للدولة والمجتمع، وينطلق بعض اصحابه من أن نقل يوم الإجازة الاسبوعية الى السبت أمر تنظيمي يخص الدولة وهو جائز شرعاً إذا رأت فيه منفعة عامة عملاً بقول رسولنا الكريم -عليه الصلاة والسلام-: «أنتم أعلم بشؤون دنياكم» ولا يرون فيه تشبهاً بغير المسلمين، لأن جميع الأيام في المعتقد الاسلامي هي أيام الله.. والتشبه باليهود لا يكون إلا إذا فعلنا ما يفعلونه في هذا اليوم، ومن هؤلاء الدكتور عبدالمعطي بيومي عضو مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر، والشيخ الدكتور محمد عاشور وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث فيه، أومن منطلق قياس المصالح والمفاسد باعتبار أن هذا التغيير يحقق مصحلة عامة بائنة، ومن هؤلاء الدكتور بسام الشطي استاذ الشريعة الاسلامية بجامعة الكويت «من التيار السلفي». الاتجاه الثاني: لا يرى اصحابه حرجاً أو مانعاً في تعديل موعد الإجازة الأسبوعية الى السبت إذا رأي فيها ولاة الأمر منفعة تخدم الوطن واقتصاده، ولكن يربط ذلك بالمحافظة على يوم الجمعة كعيد للمسلمين، كما يرى الدكتور عبدالمحسن العبيكان من السعودية، أو يشترط بأن لا يقصد من التغيير التشبه بغير المسلمين حسب الشيخ صالح السدعان من السعودية، وفي المحصلة يمكن تصنيف هذا الاتجاة في خانة التأييد غير المباشر للتغير، لأنه قطعاً لن يكون بهدف التأثير على روحانية يوم الجمعة أو التشبه بغير المسلمين كما حذر الشيخان الجليلان. الاتجاه الثالث: وهو يعارض بقوة تغيير يوم الراحة الأسبوعية ليصبح السبت بدلاً عن الخميس ويرى فيه مخالفة صريحة للشرع وتشبهاً باليهود والنصارى ومن انصار هذا الاتجاه الدكتور سعد العنزي من الكويت، «اخوان مسلمين» والطريف أن قصة النبي صلى الله عليه وسلم عندما قدم إلى المدينة المنورة وسؤاله اليهود الذين كانوا يعظمون يوم عاشوراء ويصمونه عن سبب قيامهم بذلك فقالوا: انه اليوم الذي نصر الله فيه موسى -عليه السلام- وأغرق فرعون، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بموسى، والله لوعشت لعام قادم لاصومن يوم تاسوعاء وعاشوراء» استند إليها الدكتور عبدالمعطي بيومي للتدليل على صواب تأييده للتغيير، مبيناً ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أراد بمخالفة اليهود أن تكون لأمته هويتها وشخصيتها المستقلة، ولكنه في الوقت نفسه لم يمنع التواصل مع غير المسلمين، كما استند إليها أيضاً الدكتور العنزي في معارضته للتغير واعتباره مخالفة شرعية وتشبهاً باليهود، معتبراً أن في القصة دلالة على عظم ووجوب مخالفة اليهود في أعيادهم وغيرها.. مع ملاحظة بعض الاختلاف في تفاصيل القصة، وخاصة في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :«نحن أولى بموسى منكم فصامه، وقال لو كان في القابل لاصوم التاسع». كيف تعاملت الدول العربية والاسلامية مع هذا الموضوع؟ عملت الكثير من الدول العربية والاسلامية التي تأخذ بالنظام المتبع في بلادنا على إعادة النظر في تحديد موعد الراحة الأسبوعية ونقله الى السبت بدلاً عن الخميس، ويتيح هذا الإجراء توفير يوم عمل إضافي لإنجاز الاعمال المرتبطة بالخارج دون أن يؤثر على وقت العمل الاجمالي المكرس لإنجاز بقية الاعمال، ولعل السبب الوحيد الذي يفسر تأني بقية هذه الدول في اتخاذ قرار مماثل هو إعطاء وقت كاف للتهيئة له، لتجنب أيه ردود فعل قد يثيرها مثل هذا الأمر والتوظيف السياسي السلبي الذي يمكن ان يترتب عليه، مما يعني ان الجمهورية اليمنية لن تكون الأولى التي تسير على هذا الطريق بل سبقتها إليه العديد من الدول العربية والخليجية مثل الامارات، البحرين، قطر، والكويت التي أقرت الانتقال إليه إعتباراً من ايلول2008 م والسودان الذي أقرَّ مجلس وزرائه ذلك مؤخراً في اجتماعه المنعقد في 6/1/2008 وغيرها. وحتى في المملكة العربية السعودية التي تهتم أكثر من غيرها بمراعاة الاعتبارات التي أشرنا إليها، سبق ان طرحت فيها منذ ما يقارب العام فكرة تغيير موعد الراحة الأسبوعية من الخميس الى السبت في مجلس الشورى وأوصت حينها لجنة الموارد البشرية والعرائض بالمجلس بالموافقة عليها كما حظيت بتأييد غالبية أعضاء المجلس، ولكن فور خروج الفكرة الى العلن قوبلت -كما كان متوقعاً- بمقاومة شديدة من القوى التقليدية المحافظة التي رأت فيها خروجاً عن الشرع إلا انها أخذت تستقطب تدريجياً بعد ذلك الكثير من المؤيدين سواء بين مشايخ وعلماء الدين أو في أوساط مختلف شرائح المجتمع الأخرى، حيث أظهر استطلاع أجرته "صحيفة عكاظ" في ابريل 2007م العدد(2122) أن الآراء المؤيدة للتغير بلغت نسبة 40.4٪ مقابل 59.6٪ معارضة علماً بأنه في نفس الاستطلاع وخلافاً لما كان يتحجج به ويروج له المعارضون للفكرة ، اعتبره 57٪ من المشاركين على ان تعديل توقيت الإجازة من الخميس الى السبت لن يؤثر على روحانية يوم الجمعة، كما أكد 55.3٪ منهم ان التعديل من شأنه ان يصبّ في مصلحة الاقتصاد الوطني والقطاعات المصرفية واسواق المال والمستثمرين، وهي المرتكزات الأساسية لطرح فكرة التعديل وتعتبر هذه الارقام مشجعة جداً قياساً بوضع المملكة والجدل الكبير الذي احدثه طرح الموضوع وهيمنة الاصوات الرافضة له في البداية، وعلى الرغم من ان لجنة الموارد البشرية والعرائض بمجلس الشورى السعودي سحبت توصيتها بالموافقة على التعديل بعد ذلك، إلا ان السببب لم يكن رفض فكرة التعديل من حيث المبدأ، ولكن لاخضاعها لمزيد من الدراسة بما يكفل تبديد أية شكوك تقف أمام تقبل البعض لها. # وزير الخدمة المدنية والتأمينات العنوان الاصلي للمقال ( حول تغيير موعد الراحة الاسبوعية لموظفي الدولة من الخميس الى السبت ) 26 سبتمبر