تزخر الأمم بشبابها وتنظر إلى ما يحمله من طموح وفكر متجدد يضاف إلى ما انجزه الآباء المؤسسون مستفيدين من التاريخ متجاوزين كل مشاكلها . إلا العرب فإنهم يعيشون أزمة فكر وأزمة ماضي سحيق من الترهل والخنوع المبني على تطلعات تفتقر إلى جوهر الحقيقة التي عاشوها متجاهلين ماضيهم السيء. منذ خروجهم من الأندلس وجزيرة سقليا وهم في تردي غير قادرين على تجاوز حقبة القرن السادس وهو تاريخ لم يكن حافل كما يتصوره الناس بل كان ملئ بالمذابح والصراع الطويل بين الفرق المتناحرة والساعية للهيمنة على مقاليد السلطة فتاريخ الخلافة الراشدة أسست لكل مانعيشه من صراع دامي حتى يومنا هذا فصفين والجمل ومقتل عثمان لم تكن إلا مقدمة لحقبة من الانتكاسات رغم التمدد والسيطرة على ثلاث قارات لتنتهي هذه السيطرة على أيدي العرب أنفسهم بسبب اطماعهم وسعيهم الدائم لتقويض الدولة العربية تحت مسميات عدة. ليبعث هذا الصراع المغلف بالاسلام ظهور الشعوبين والنزعة العرقية عند غير العرب ليجد العرب أنفسهم بلا دولة . حتى الإسلام الذي حكم العرب به الأمم لم يعود لهم بمصدر القوة ولم يعد يجسد مفهموم الدولة بعد انتقال الخلافة التي كانت مجرد ظاهرة معلنة بدون قواعد سلطة في عصر بني العباس إلى العثمانيين الأتراك لتوظف المفهوم اديني لخدمة أجندتها وهي الأجندة التي جعلت العرب جزء من حكم الأتراك لتفرض عليهم عزلة وتجعلهم مجرد بدو يعيشون حياة الترحل في رمال الصحراء وتنحصر مصر في القاهرة والعرق ببغداد بصفتهم مدن عثمانية لاتحمل أي رؤية حضارية يمكنها من مواكبة المدن العريقة في العالم. ومع ذلك نجد المتباكون والكارهون لتلك الحقبة عاجزون على المضي بما هو أفضل للمنطقة العربية مكتفين بشرح تلك الحقبة شرح هزيل يفتقر إلى حقيقة ما خلفته في منطقتنا من فراغ سياسي وفكري . الواقع الذي مرة به العرب أثبت عجزها في الاستفادة من ظهور الدولة القومية التي عرفتها الأمم وجعلت منها مشروع لبناء أنفسهم لمواكبة تطور الشعوب . ليجد العربي نفسه يعيش حالة من التردي الفكري والسياسي فنساق شبابه مابين مقالد للمدى القومي والماركسي دون معرفة حقيقية بمدى مقدرة التقليد على تطويع شعبه متجاهل البعد التاريخي والعوامل التي كانت وراء نجاح هذه الأمم التي يسعى الشاب العربي لتبنيها فولدت القومية والاممية العربية مشوهة تكتسحها الأمراض لتسقط عند أول اختبار حقيقي يلاقيها ويتحول مروجيها مجرد أشباح خاوية الجسد بسبب غياب الإدراك لدى الشارع العربية بقيمتها وانعزال مروجيها على القهوي وتسابقهم على الكراسي لتموت بموتهم . ليتصدر المشهد دعاة الخلافة الإسلامية متجاهلين ماخلفته من صراع طويل كان له الدور الأبرز في تفتيت مكوناتهم إلى فرق وطوائف فوجود أنفسهم يعدون شعوبهم رهائن لتلك القوى التي تقاسمتهم لأعوام طويلة تحت هذا المفهوم الغير مدرك الأبعاد لدى دعاته .
فالخلافة في عقول دعاتها ليس مشروع دولة وليس عرف مواحد لمكوناتهم بل هو ادات لسوقهم رهائن للصراع بين إيران الفارسية وتركيا العثمانية التي لها باع طويل في معرفة جوهر ومدى انعكاسة على سياستهم فمن خلاله يكون لهم الكلمة العليا على العرب فخسرو دعاة الأممية والقومية والخلافة الإسلامية العراق وسوريا وانقسمة لبنان واليمن وهددت دول الخليج في نسيجها الاجتماعي . كل تلك العوامل لم يتعلم منها الإنسان العربي ولم تخلق ثقافة وعي وإدراك طالما وهي أمة بلا فكر ولا مشروع يتماشى مع واقعها التي تعيشه . وللاسف الشديد لم أجد في شباب العرب ممن عرفتهم أي بوادر أدراك بخطورة مانحن إليه ذاهبون لتبين لنا بوضوح مدى خطورة الحالة التي نعيشها أعقاب ثورات عرفة بالربيع العربي لينساق شبابها مابين منحاز للجانب التركي والجانب الإيراني رغم ماتعيش بلدانهم من صراع دموي ينهك الأخضر واليابس . ولا أدري متى يفوق شباب العرب من غيبوبة القرن السادس ليدركون أن علي وعثمان وبني أمية وقريش لم يعد لها وجود وأن مكة قد تغيرت ولم يعد لقريش وجود فيها