بقدر ما تعاني اليمن تزايداً كبيراً في نسبة أحمد غالب المغلس الفقراء واتساع خارطة الفقر في المجتمع; بقدر ما تمتلك الإمكانيات والموارد التي تستطيع بواسطتها معالجة هذه المعضلة ومواجهة الظواهر التي تترتب عليها أو تنجم عنها بجدارة واقتدار.. إن الفقر في مجتمعنا اليمني تحول إلى مشكلة وطنية بامتياز, ليس بسبب غياب الموارد والإمكانيات, ولكن السبب الحقيقي يكمن في بطء الجهات المعنية عن تقديم المشاريع والخطط التنموية التي توظف هذه الموارد والإمكانيات لتصبح روافد حقيقية للدخل القومي والتنمية الاجتماعية. ثمة بطء واضح وظاهر أيضاً لدى الإنسان اليمني, لابد أن نعترف به ونعالجه, هذا البطء يتمثل في عدم قدرته على التأهيل الذاتي وإدارة نفسه, والابتكار المستمر للمشاريع الصغيرة التي تدر عليه دخلاً مناسباً يتحسن مع الزمن، ربما بسبب طغيان العادات والتقاليد والأعراف والتصنيف الطبقي لشرائح المجتمع، الأمر الذي دفع بالكثيرين من الشباب إلى عدم التعاطي مع مهن حرة نظر إليها المجتمع بعين واحدة سخرية واستهزاءً واحتقارا!!. إن تقاعس الجهات المختصة والمجتمع عن التنمية الريفية أخلَّ بالتوازن المكاني والسكاني, وأفرغ الريف من الإمكانيات البشرية المؤهلة والقادرة على خلق الشبكة المطلوبة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تستهدف استقطاب العمالة وتنمية دخل الأسرة, وتشجيع الإنسان اليمني على تحويل الريف إلى منجم اقتصادي لا يستهين به أو يقلل من شأنه إلاَّ جاهل. اليمن تعاني من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وغياب التنمية الحقيقية اقتصادياً واجتماعياً; لأن استفحال وتعاظم التنمية السياسية, وانسحاب الجهد الرسمي والشعبي إليها; أثّر على جوانب الحياة كلها, وأفقدها التوازن وعنصر القوة. في الوقت نفسه سعت التنمية السياسية إلى إفراغ الوعي الاجتماعي (الفرد والجماعة) من الولاء الوطني وحقيقة الانتماء والشعور بالمسئولية الوطنية، نرى ذلك واضحاً في شوارعنا وأحيائنا ومنشآتنا ومدارسنا ومكاتبنا ومؤسساتنا الوطنية.
غياب القاعدة الاقتصادية القادرة على خلق فرص فعلية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لتستند عليها وتقوم على التكافل معها جعل تلك المشاريع والقروض المقدمة لها غير ذات جدوى, ونجاحها متدنياًٍ، لذلك لابد أن تكون المعالجة لمشكلة الفقر هي في تأسيس القاعدة الاقتصادية التي تمثل البوابة الأهم للتنمية الاجتماعية في اليمن.
إن الغنى والفقر لمجتمع ما لم يعد مسألة مادية صرفة, بل هو في وجود الموارد التي لابد من حسن استثمارها بشكل قادر على تعويض الجوانب الأخرى، فالموارد البشرية في اليمن يمكن تحويلها إلى أضخم وأعظم مشروع استثماري يدر على اليمن الدخل القومي ما يوازي دخل النفط, ويعوض عنه.
لابد من التركيز على شراكة دول مجلس التعاون الخليجي في تأهيل العمالة اليمنية واستقطابها, وإحلالها بدلاً عن العمالة الآسيوية التي تهدد أمن الخليج العربي واستقراره وبنية وهوية المجتمع الخليجي.
العمالة اليمنية في دول مجلس التعاون الخليجي لم يعد وجودها مقتصراً على تحسين موارد اليمن الاقتصادية وتخفيف معدلات الفقر والبطالة في اليمن والعون الأخوي الذي تقدمه دول الجوار لليمنيين، وجود العمالة اليمنية في دول الخليج أصبح ضرورة أمنية واجتماعية لإنقاذ دول مجلس التعاون من الطوفان الآسيوي المتوحش الذي يبحث عن متنفس طبيعي واستراتيجي واقتصادي واجتماعي وجغرافي وسياسي لمستقبل أجياله!!.
إنهم يسعون إلى خلق المعادل الموضوعي للوجود الآسيوي المؤثر والقادر على التغيير المطلوب الذي يخدم التوسع الآسيوي في المشاركة في الحكم والثروة والحياة واستخدامه من قبل أطراف إقليمية ودولية لضرب مجلس التعاون وإضعافه.
إذاً العمالة اليمنية أصبحت المُنقذ الأفضل من الطوفان الآسيوي في المجتمع الخليجي, ولابد من تأسيس مشروع شراكة ثابتة ودائمة لتأهيل العمالة اليمنية بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي, وتسهيل تواجدها وتوظيفها واستبدالها, وإلغاء نظام الكفيل, وإعادة الاعتبار للإنسان اليمني الذي يعتبر حتى الآن أفضل وآمن العمالة في المجتمع الخليجي.
ومازالت العمالة اليمنية هي الحل الأفضل والأسهل والآمن لتخليص المجتمع الخليجي من الاستلاب الحضاري والاجتماعي وخروجه من دوامة الاخطبوط الآسيوي المتوحش.