لطالما أحسنا الظن بالمبعوث الأممي (جمال بن عمر ) في تعاطيه مع أطراف العملية السياسية في اليمن ، التي أنتجتها المبادرة الخليجية في شهر نوفمبر 2011م وتم التوقيع عليها من قبل هذه الأطراف في الرياض ، تلافياً لسيناريو مدمر قد تذهب إليه البلاد اثر انقسام الجيش بين طرفي الصراع البارزين ، الرئيسيين السابق (علي عبد الله صالح) ومعه نجله قائد الحرس الجمهوري – قائد القوات الخاصة (احمد علي) وأبناء أخيه وعلى رأسهم (يحيى احمد عبد الله صالح ) أركان الحرب المركزي من جهة ، والجنرال ( علي محسن الأحمر ) قائد الفرقة المدرعة الأولى ، وقوة ونفوذ أبناء الشيخ (عبد الله حسين الأحمر) وفي مقدمتهم (حميد الاحمر) ، خصوصاً بعد انشقاق (علي محسن ) عن رئيسه (علي صالح) وركوب عدد من العسكريين والمشائخ وحزب الإصلاح ، موجة الثورة الشبابية في الشمال التي انطلقت في شهر فبراير 2011م ، متأثراً بما جرى في عدد من الأقطار العربية ، وبعد وصول الأوضاع في البلاد إلى منحدر يقضي التغيير على مختلف الصعد ! فكما أسلفت فقد أحسنا الظن بهذا المبعوث وبهذه المبادرة رغم تجاهلهما (المبعوث والمبادرة) لأهم قضية في قضايا اليمن الشائكة ، وهي قضية شعب الجنوب ، الذي أمعن (بن عمر) في تجاهلها ، رغم المظالم الكثيرة ، والحضور الجماهيري والشعبي الطاغي على الأرض والرافض للنهب والهيمنة وطمس الهوية والإذلال ، الذي حكم ممارسات السلطة في صنعاء وأجهزتها الأمنية في الجنوب ، تجاه الجنوب وأبنائه. وأزعم أن ثورة الشمال التي انطلقت في فبراير 2011م ، لاقت – إلى حد كبير – تعاطفاً من الجنوبيين الذين صدق الكثير منهم ، أن هذه الثورة ستعوضهم عن معاناتهم ، وستعبر بهم فوق أوجاع الماضي ، إلى آفاق المستقبل الذي يحمل الحرية والكرامة العدالة والمساواة ، ولعلكم تتذكرون أن صوت (فك الارتباط) خفت الى حد ما ، انتظاراً لما ستحمله ثورة الشباب الطاهر (المستقل ) خصوصاً ،للجنوب وأهله ،بل وانضمّ الى هذه الثورة عدد من ابناء الجنوب ونشطائه ، رغم ان تفاعل أبناء الجنوب مع ثورة الشمال كان محدوداً في انتظار عكس الأقوال الى أفعال فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين !! غير أن تسارع الأحداث خلال السنوات الأخيرة ، وانتقال النفوذ والقوة بين مراكز القوة السابقة والجديدة ، أضاف الكثير من الزخم والعنفوان إلى مشروع فك الارتباط (شعبياً) . والمضحك المبكي أنه على الرغم من أن (جمال بن عمر ) لم ينصف أبناء الجنوب في تقاريره ، على ارض الواقع ، من دون دغدغة عواطف ، وعلى الرغم من تسارع الأحداث ، حتى يومنا هذا ، فان لجنة العقوبات الأممية من خلال تقارير (بن عمر ) ورغم كل ما حدث في العام الماضي 2014م والشهر الأول من هذا العام كانت لجنة العقوبات تتجاهل المعرقلين الحقيقيين للتسوية السياسية في اليمن (سياسياً وعسكرياً) وتتهم الرئيس ( علي سالم البيض ) المنفي قسراً والمفروضة عليه الكثير من القيود ،وتذهب إليه في أوروبا ، رغم انه أفهمها بأنه مع خيار الشعب في الجنوب فحسب ، فلماذا المغالطة والتضليل ؟!. ليس ذلك فحسب ، بل أن الرجل لم ينبس ببنت شفة ، فيما جرى من اذلال بل إمعان في الإذلال للقيادات الجنوبية وعلى رأسهم فخامة الرئيس (عبد ربه منصور هادي) ودولة الرئيس (خالد محفوظ بحاح ) ووزير الدفاع (محمود سالم الصبيحي) ووزير النقل (بدر باسلمة ) وقائمة طويلة من القيادات المدنية والعسكرية الجنوبية ، ومنعهم من السفر ، وفرض الاقامة الجبرية عليهم !! حتى أنه تهرب أكثر من مرة من سؤال مذيع قناة الجزيرة : "هل تؤكد فرض الإقامة الجبرية على الرئيس هادي " ؟ فلم ينف قط وذهب بعيداً عن السؤال لأكثر من مرة ، بل ولم يضمن تقريره عبر الشاشة مجلس الأمن الدولي في اطار جلسة مغلقة، شيئاً مما حدث لمؤسسة الرئاسة ودارها بوصفها رمزاً لسيادة الدولة ، في يومي 19-20 يناير 2015م ، في تقريره هذا . ان مسؤوليته السياسية والأخلاقية تفرض عليه تحديد موقف جريء وشجاع تجاه منع قيادات الدولة والحكومة من الجنوبيين من السفر وفرض الاقامة الجبرية عليهم ، واستمرار هذا المنع والفرض منذ 22 يناير 2015م . فهذا الموقف واجب عليه كشاهد إثبات ، لا البقاء كشاهد زور، وبصرف النظر عن تعاطي ما يسمى بمجلس الاممالمتحدة مع شهادته الحقة ، فالمهم فيه هو موقف منه لا النتيجة مع غيره والقصد بذلك المؤسستين الدوليتين ، احسب أن الرئيس (هادي) مصدوم من موقف (بن عمر) ومصدوم أكثر من أمريكا دولة الإرهاب الأولى في العالم ، وعدوة العرب والمسلمين وقضيتهم المركزية فلسطين ، وأشعر كذلك بالصدمة من موقف مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي وسفراء الدول العشر ، الذي شعر أنهم تخلوا عنه في الظروف العصيبة التي تحملها ، بل إن أمريكا طوت صفحته بقولها " أنها تنتظر انتقالا سلمياً للسلطة في اليمن " متجاهلة كل ما تعرض له !! الخطأ ليس عند أمريكا بل عند الرئيس هادي الذي عول كثيراً على أمريكا والغرب ومجلس الأمن والأمم المتحدة ، مع انه يعلم أن أمريكا تخلت عن زعماء خدموها كثيراً وكانوا شرطيها بالمنطقة مثل (محمد رضا بهلوي شاه إيران ، والرئيس المصري الأسبق _محمد حسني مبارك ) والرئيس الباكستاني الأسبق (ضياء الحق ) ودكتاتور نيكاراجوا (سوموزا) والقائمة طويلة !!