هذا تقرير كتبه وزير السلطنة القعيطية أحمد محمد العطاس للسلطان غالب بن عوض القعيطي ، بتاريخ 4/12/1966 ، أي قبل أقل من عام من سقوط الدولة القعيطية على يد الجبهة القومية ، مكتوب بالآلة الكاتبة في ثمان وعشرين صفحة ، وهو عبارة عن تقرير عن أحوال السلطنة فترة وزارته من 4 أبريل 1964حتى كتابة التقرير. يبدأ التقرير بالحديث عن الموقف السياسي ، ويوضح التقرير التأزم السياسي الواقع في البلاد بين القوى المعارضة للوجود البريطاني وبين الحكومة القعيطية ، ويذكر اتجاه الحكومة للانتقال إلى مرحلة الديموقراطية وكتابة دستور وطني ، ودفع المواطنين إلى مزيد من الحرية السياسية ، ومحاولة النأي بالسلطنة عن النفوذ البريطاني ، تقربا من المعارضة التي كان التخلص من النفوذ الأجنبي على رأس أولوياتها خصوصا في ظل تأثيرات قومية محمومة يقودها جمال عبدالناصر . ويستعرض الوزير الفشل الذريع الذي وقعت فيه لجنة كتابة الدستور والعقبات السياسية والقانونية التي واجهتها ، ثم الضربة القاضية التي وجهت لهذه الجهود بتقديم بريطانيا مقترحات دستورية وإبلاغها السلطنة بأنها ستسحب قواتها في مدة لاتتجاوز1968، ولن تكون ملزمة بالدفاع عن المنطقة بعد هذا التاريخ ، ولن تدفع أية مساعدات مالية إلا لحكومة الجنوب العربي المتحدة . ثم يتحدث الوزير عن اجتماع دعت له الحكومة مع أطياف المعارضة في المكتبة السلطانية بالمكلا في 6 مارس 1966 وأهم قراراته : - رفض المقترحات الدستورية البريطانية - قيام مجلس وطني منتخب ثم يذكر الوزير الأزمة التي نشأت عن تقارير سرية نشرتها مجلة الطليعة الكويتية ، والتي تدعي أن الوزير العطاس اتفق مع السعودية على ضم حضرموت ، وقد نفى الوزير هذه التقارير ، وذكر أنه قدّم استقالته للسلطان الذي رفض قبولها ، ويحتج الوزير في نفي ذلك أن السلطان رفض الانضمام إلى اتحاد الجنوب العربي عندما لمس أن الشعب لا يريد ذلك . ويشير التقرير إلى بعض اتجاهات الرأي السياسي حول الأحداث والموقف من الجبهة القومية التي بدأ نجمها يبزغ بسبب اتباعها لأسلوب العمل العسكري ضد الوجود البريطاني الذي دفع كثيرا من الناس إلى التعاطف معها ومع مطالبها . ويلفت الوزير النظر إلى التخبط السياسي لدى المعارضة الشعبية بسبب حداثة التجربة ، لكنه يرد على من يرى أن الحرية السياسية الممنوحة للشعب هي السبب في هذا التخبط ، ويرى الوزير هذه الحالة مرحلة طبيعية من مراحل التطور السياسي الديموقراطي . ويذكر أن عاملا واحدا هو السبب في أزمة الثقة بين الحكومة والشعب هو حسب تعبيره عامل الخوف والقلق على المستقبل بالنسبة لحضرموت وبالنسبة للجنوب بأسره، وتأثر الناس بالحالة السياسية في العالم العربي . وقد أقر الوزير أنه بسبب الصراع بين القوى الوطنية والقوى الرجعية والاستعمار يصعب على المتابع أن يتكهن بمستقبل الجنوب وحضرموت وأن الدور الذي يطالب به بعض القوى لحضرموت هو دور غير واضح ، وهذا الدور كما يفسره الوزير هو السعي نحو الوحدة مع الجنوب ، ويرى أن قدر حضرموت أن تنجر نحو كتلة من كتل الصراع الاقليمي حول الجنوب العربي . ثم يرى الوزير أن الأممالمتحدة هي الأمل الوحيد للمنطقة عبر فرض وصايتها وتسلم الجنوب من بريطانيا المصممة على الانسحاب من المنطقة ، وأن الأممالمتحدة هي المؤهلة لإنقاذ الجنوب من الحرب الأهلية التي تكون خاتمة المطاف . ويصف الوزير الحركة السياسية الناشئة والتي يراها البعض طائشة – حسب تعبير الوزير- ويوصي السلطان أن يشجع هذه الحركة الشعبية ، لكنه مع ذلك يرى أن إطلاق الحريات العامة أدى إلى التناحر السياسي والفوضى ، والحركات السياسية المسيطرة على الساحة في السلطنة حسب تعداد الوزير هي : 1-الحركة التقدمية الاشتراكية والتي تؤمن بالكفاح المسلح ضد المستعمر ، وبوحدة اليمن الطبيعية وهي حركة لها وزن كبير في حضرموت ،وتلقى عطف الدول الثورية والتقدمية وهذا التيار هو الذي أطلق عليه أخيرا اسم الجبهة القومية . 2-الحركة الرابطية وتؤمن بوحدة الجنوب العربي ، ولا تمانع في انضمام حضرموت للاتحاد ، وتعارض ضم الجنوب لليمن ، لكنها حركة انتهت سياسيا في حضرموت بعد حادث رمي القنبلة على متظاهرين في سيؤون في 12/9/1966 . 3-المستقلون وهم خليط من المثقفين والشيوخ المعتدلين الذين يحبون أن يروا حضرموت بشطريها دولة واحدة مستقلة لكن هذه الجماعة ليس لها كيان رسمي معترف بها ، ولذا يصعب معرفة قوتها الشعبية ، مع أن بنيتها نخبة طيبة واعية من أعيان حضرموت . بعد ذلك يتحدث الوزير عن ولاء جيش البادية ، ويرجح أنه إلى جانب الحكومة ، رغم أن عددا من شباب البادية المتعلم يحاول كسب الجيش نحو التيارات السياسية التي يؤمن بها ، ولاشك أن هذا الظن بولاء جيش البادية للسلطان هو في النهاية ظن قاتل تسبب في سقوط السلطنة وطرد السلطان القعيطي من المكلا . ويلاحظ الوزير أن التيارات السياسية ترى أن الهجوم على السلطات الحاكمة تؤدي إلى تزايد شعبتها ، لكنه لم يذكر السبب والذي يتلخص في أمر واحد هو تبعيتها للسلطة البريطانية الاستعمارية والتي لم يستطع الوزير أن يصرح بضرورة الابتعاد عنها . ثم ينتقل الوزير إلى الحديث عن بعض الشؤون الادارية ثم عن الأمن ويرى أن البادية هي الجهة القادرة على قلقلة الأمن في السلطنة لذا يوصي بضرورة العناية بها ومد يد المساعدة نحوها لكن يتحدث كذلك عن قدرة الحكومة الضعيفة عن مواجهة أي اختلال داخلي وأن الحكومة محتاجة إلى خمسة آلاف جندي لنشر الأمن في ربوع البلاد . ثم يحدد الاحتمالات لأي هجوم خارجي ويحددها بثلاث جهات وهي دولة اتحاد الجنوب العربي الذي سيحرص على ضم حضرموت إلى الجنوب العربي ، والجهة الثانية هي اليمن المدعوم من الجمهورية العربية المتحدة (مصر) ، ثم التهديد الثالث وهو من السعودية التي ستتدخل حسب رأيه اذا توسع اليمن لضم حضرموت والجنوب . ثم يستعرض الموقف المالي للسلطنة من خلال ميزانية أعوام 63-64-1965 -1966م ويذكر أن واردات السلطنة لا تزيد عن مليون دينار سنويا وهو مبلغ ضئيل خصوصا إذا عرفنا أن مستحقات جيش البادية تبلغ 600 ألف دينار تقريبا وهي تكلفة تتحمله الحكومة البريطانية لوحدها ، وهي مسألة كانت مثار خلاف بين السلطنة والحكومة البريطانية . هذه الايرادات المتدنية دفعت بالوزير إلى توقع انهيار مالي وأزمة اقتصادية للدولة القعيطية . ومما زاد الوضع الاقتصادي تأزما هو انسحاب شركة بان امريكان النفطية من عمليات التنقيب من النفط . ثم يعدد الوزير المشكلات الاقتصادية العميقة والتي تنتظر الدولة القعيطية ومن أهمها هبوط التجارة المحلية ، وأن حل الأزمة ينحصر في اكتشاف ثروات نفطية أو في مخاطبة الدول العربية لتقديم الدعم المالي لحضرموت . ثم يشير الوزير إلى مشكلة أخرى وهي مشكلة عودة المغتربين الذين عادوا بالمئات من أفريقيا وإندونيسيا ، وهؤلاء مثلوا عبئا اقتصاديا على الاقتصاد الحضرمي وكل هؤلاء العائدين لا يمكن للاقتصاد الحضرمي استيعابهم ، ثم أن الأمر سيزداد سوءا في حال فرض السعودية والكويت قيودا على العمال الحضارمة ، وتنبأ بمزيد من المشكلات لهؤلاء المغتربين في السعودية والكويت منها مزاحمة العمال من جنسيات أخرى ، ومحاولة الدول احلال العمالة الوطنية مكانهم بعد ذلك ينتقل الوزير إلى بيان منجزات الدولة من عام 64 إلى 66م وهي -مشروع توفير الماء لمدينة المكلا - مشروع توسيع ميناء المكلا - اقامة جسر العيقة بين المكلا والشرج - سفلتة الشارع الرئيسي من تحت الحصن إلى الديس مرورا بالشرج - إصلاح الطريق بين المكلا والريان وهناك دراسات لمشروعات أخرى مثل اقامة سد يحمي حافة العبيد من البحر ، وتوسيع طريق خلف وتخطيط شارع رئيسي ثاني يمتد من الناحية البحرية لمسجد الروضة ويسير في خط مستقيم إلى المشراف وإقامة كورنيش على الشارع المقترح. يعرج الوزير أخيرا على الشأن التعليمي والصحي ، وإقامة مستشفى الجحي في دوعن بتمويل من الحضارم في السعودية واشراف المعلم عبدالله بن لادن . في ختام التقرير يؤكد الوزير على طلب التقاعد لشعوره بأن خدم بلاده بما يستطيع وأن له أن يستريح وقد قدم في نهاية تقريره شكره وتقديره للشعب الحضرمي الكريم منهيا تقريره المكتوب في 21/8/1386 - 4/12/1966م . وقفات مع التقرير أكثر ما لفت انتباهي في هذا التقرير – وهو شهادة تاريخية مهمة – أنه أكد على أن استقلال حضرموت حلم قديم له أنصاره ومؤيدوه ، على هذا فالعصبة الحضرمية المطالبة باستعادة دولة حضرموت المستقلة لم تأت من فراغ تاريخي ، بل وضح بالنص أنها تحمل فكرة أصيلة ، ليست وليدة الدعم الخارجي كما يدعيه معارضو العصبة ، بل هي فكرة حضرمية لم تسنح لها الفرصة أن تخرج للعيان ، وما ذكره الوزير العطاس بأنه ليس للمطالبين بالاستقلال كيان مستقل واضح ، هو نقطة ضعف تجاوزتها الحركة الاستقلالية بولادة عصبة القوى الحضرمية ، وهو وجود مرشح نجمه للبزوغ ، وتثبيت أقدامه على الساحة السياسية في حضرموت لأنه يحمل طموحات شعب كامل سيؤول أمره في النهاية إلى الاصطفاف وراء من يحقق حلمه بالاستقلال . وضح من التقرير أن انتصار الجبهة القومي في حضرموت كان لعدة عوامل من أهمها كما أكدها عبدالقادر باكثير في مذكراته وهي : تبني الجبهة للفكرة التي لاقت آنذاك تعاطف الشعب الحضرمي ، وهي فكرة التخلص من النفوذ البريطاني ، تماشيا مع المد القومي الذي اجتاح العالم العربي إبان العهد الناصري ، والمؤيد بدعم مباشر من المعسكر الشيوعي . إذا فالفكرة الشعبية إلى جانب الدعم الخارجي كان حجر الزاوية في ذلك الانتصار ، وهناك عوامل مساعدة لكنها مهمة جدا ساهمت في هذا الانتصار ومنها قدرة الجبهة التنظيمية العالية في استقطاب كافة شرائح المجتمع ، وقدرتها على توفير تمويل داخلي ، ساعد كل ذلك على تقدمها للقوى السياسية التي سبقتها في الظهور كحزب الرابطة الذي كان يملك التنظيم والتمويل لكنه لم يكن في صف الفكرة الشعبية السائدة آنذاك بل كانت في صف المعسكر الخاسر. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .