قد يكون الخطاب الصحفي السياسي فاعلية تحرير حقا، وقد يكون جزءا من المناوشات السياسية المتصارعة في الساحة، أو تساوقا مع المستجدات التي تطرأ عليها، وقد يكون فعل عيش لبعض الصحفيين وتنقل من موقع لآخر في ارتهاناتهم المتنوعة لأطياف الوسط السياسي المحيط بهم، والذي لا يمكن لكتاباتهم في ظله أن تكون مصنّفة إلا في إطار ما يمكن تسميته بالوعي المضطرب الذي يمكن قياسه بقياس المغادرات والانحيازات المصلحية (مغادرة جماعة والانحياز لجماعة أخرى) وفي ذلك تضليل للجماهير تقع مسؤوليته على أولئك الذين يؤسسون لهذا الوعي المضطرب أو (المزيف) الذي يجعل الناس على غير وعي حقيقي بما يجري حولهم وإن بدا لهم أنه الحقيقة عبر كثير من أساليب التزييف والمغالطات في كتابتهم. من هذا المنطلق يبدو مشروع الكتابة الصحفية السياسية في جزء منه تأسيسا للفوضى وربما دفاعا مستميتا عنها لاسيما في ظل تكريس بعض الصحفيين كتاباتهم لتلك الغايات وتكرارها، رغم معرفتهم معرفة عملية بالخطأ في كثير من الممارسات السياسية، مستفيدين من حميمية العلاقة اليومية بين الجمهور والمادة الصحفية المكتوبة حيث يتم التضليل والتغفيل باسم الدور التوجيهي للصحافة، فمن العبث مثلا الحديث عن دور الشعب التاريخي في ظل تاريخ لا يرسم له أساسا، وعن وطنيته في ظل وطنية يستغلها الآخرون باسمه، وعن وحدته في ظل وحدة لا وجود لها، رغم أنها تبدو كما يقدمها السياق الإعلامي مقتضيات ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها لتعزيز الوطنية!. تقف المؤسسة السياسية الفاسدة وبعض الأحزاب خلف تلك الكتابات الصحفية التي تستثمر فيها خبرة بعض كبار الكتاب مقابل إغراءات مادية في ما يبدو ويتبعهم مجموعة من الشباب الذين يمارسون الكتابة كتمرين وربما كتسلية بعيدا عن الإحساس بالمسؤولية ليجدوا أنفسهم بمرور الأيام يُحكمون الطوق على أنفسهم وعلى جماهيرهم في وقت لا يسعهم أمامه إلا أن يمضوا في ما هم فيه، وقد يرفضون ذلك الطريق أحيانا، فيتم تناسيهم وإهمالهم من قبل المؤسسة الداعمة إلا أن ينتقلوا إلى موقع آخر بشكل آخر. واللافت أن بعضا من أولئك الكتبة يرون المسألة مجرد كتابة فقط، قد لا تترك أصداء، وينسون أن شريحة واسعة من الجمهور تتأثر بما تقرأ، وأن شريحة أخرى تتأمل بدورها في ما يكتب. إن أخطر ما في تلك الكتابات ما يعمل على تعزيز أنماط معينة، فوضوية أو تدميرية، وتسويغها كمشروع وجود القبيلة في الدولة، وتبرير خطايا بعض من يدعون بالقيادات مما يمكن ملاحظته حتى هذه اللحظة في الساحة الصحفية السياسية من غير أن يتعرض ذلك المكتوب لفحص نقدي تحليلي يكشف أبنيته الداخلية وتزويقاته المغالطة سوى بعض الردود الصحفية المباشرة التي تقف في الصف المناقض له، وتتناول مضمون الخطاب، بينما الحاجة ماسة أيضا إلى تحليل بنيته اللغوية الكاشفة له من الداخل حيث تخبئ عبارات الكتاب وطلاوتها خللا كبيرا.