يواصل "حشد نت" نشر اجزاء كتاب " الحياد الوظيفي لرجال الشرطة - دراسة مقارنة " كتاب رسالة الدكتوراه للباحث اليمني العقيد دكتور عبده فازع الصيادي ، والذي يقوم بنشره تباعا على شكل اجزاء على صفحته في فيس بوك .. ونظرا لاهمية هذا البحث في الوقت الحاضر ندعو وسائل الاعلام الى نشره للتوعية الوطنية.. المطلب الثاني مبدأ الفصل بين السلطات في الدستورين المصري واليمني وحياد الموظف العام يتناول الباحث مبدأ الفصل بين السلطات في الدستور المصري، ثم في الدستور اليمني، وعلاقة ذلك بحياد الموظف العام في البلدين، وتبعاً لذلك قسم الباحث هذا المطلب إلى فرعين: الفرع الأول مبدأ الفصل بين السلطات في الدستور المصري السابق وحياد الموظف العام لم يتضمن الإعلان الدستوري المصري النص على مبدأ الفصل بين السلطات باعتباره دستورًا مؤقتًا لفترة انتقالية؛ حيث أشار الدستور الجديد إلى هذا المبدأ بقوله : (... ، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، ...) ( ) وكان قد تضمن الدستور المصري السابق الصادر عام 1971م في الفصل الثاني عن السلطة التشريعية «مجلس الشعب» في المواد من (86) إلى (136)، حيث تضمنت بعض هذه المواد حق عضو مجلس الشعب في سؤال أي من أعضاء الحكومة أو توجيه استجوابات إليهم في أي موضوع يدخل في اختصاصاتهم، وكان قد نص على أن: «الوزراء مسئولون أمام مجلس الشعب عن السياسة العامة للدولة، وكل وزير مسئول عن أعمال وزارته، ولمجلس الشعب أن يقرر سحب الثقة من أحد نواب رئيس مجلس الوزراء، ...........»( ). وهذا النص إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات، كما نص على أن: «لمجلس الشعب أن يقرر- بناء على طلب عُشر أعضائه- مسئولية رئيس مجلس الوزراء، ويصدر القرار بأغلبية أعضاء المجلس... فإذا جاءت نتيجة الاستفتاء مؤيدة للحكومة اعتبر المجلس منحلاً، وإلا قبل رئيس الجمهورية استقالة الوزارة»( ). وبهذا النص الواضح والصريح يتضح حق البرلمان في سحب الثقة من الحكومة إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات، الذي يكفل عدم الجمع بين سلطتي التشريع والتنفيذ في هيئة واحدة( )، ليؤكد بذلك الفصل حق الرقابة المشتركة لكل سلطة على الأخرى وفقًا للدستور، كما أن الفصل النسبي بين السلطات يؤدي إلى الإبقاء على الانسجام في الأعمال ومنع تعارضها( ). ولكن هذا الحق مقيد وفقًا للدستور السابق؛ بموافقة رئيس الجمهورية، ويرى الباحث أن هذه القيود لا داعي لها، وتحد من حق البرلمان في سحب الثقة من الحكومة عند وجود المبررات لذلك، كما نص على أنه: «لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس الشعب إلا عند الضرورة وبعد استفتاء الشعب ويصدر... ويجتمع المجلس الجديد خلال العشرة أيام التالية لإتمام الانتخابات»( ). وتبعًا لنص المادة السابقة؛ يحق لرئيس الجمهورية حل البرلمان، وهذا هو سلاح السلطة التنفيذية أمام سحب الثقة الذي أعطي للسلطة التشريعية، إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات، ووجود الرقابة المتبادلة بين السلطتين، و يرى الباحث أن الاستفتاء غير ضروري وليس له أي داعٍ؛ لأن حل المجلس سيتضمن الدعوة لانتخاب مجلس جديد؛ فإذا أعيد انتخاب المجلس القديم فهذا رفض لقرار الحل، أما إذا لم يعاد انتخاب المجلس القديم فهذا يعتبر موافقة على قرار الحل. ثم تكلم في الفصل الثالث عن: السلطة التنفيذية - الفرع الأول: رئيس الجمهورية، كما نص على أن: «يتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية ويمارسها على الوجه المبين في الدستور»( )، وبذلك فإن رئيس الجمهورية في النظام المصري يسود ويحكم، فهو صاحب الاختصاص الأصلي في السلطة التنفيذية، ولكن مسئوليته ليست أمام السلطة التشريعية؛ فليس لها هذا الحق ، حيث أصبح رئيس الجمهورية ينتخب مباشرة عن طريق الشعب فيصبح مسئولاً سياسيًا أمام الشعب فقط. ويؤيد الباحث هذا المسلك. الفرع الثاني: الحكومة؛ حيث نص على أن: «الحكومة هي الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة، وتتكون الحكومة من رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم، ويشرف رئيس مجلس الوزراء على أعمال الحكومة»( )، وتعتبر الحكومة مسئولة سياسياً أمام مجلس الشعب -كما أوضحنا سابقاً- وأمام رئيس الجمهورية ، وهذا مانص عليه الدستور الجديد فى المواد (105 ، 106 ، 122 ، 123 ، 124 ، 125 ، 126 ، 127 ). الفرع الثاني مبدأ الفصل بين السلطات في الدستور اليمني وحياد الموظف العام نص الدستور اليمني في الباب الثالث تحت عنوان: تنظيم سلطات الدولة - الفصل الأول: السلطة التشريعية » مجلس النواب « في المواد من المادة (62) إلى المادة (104) وقد تضمنت المواد (93)، (94)، (95)، (96)، (97)، من الدستور حق مجلس النواب في توجيه التوصيات للحكومة التى لا يترتب عليها سحب الثقة في المسائل العامة، فإذا لم يقتنع بالرد فيحق له مباشرة توجيه استجواب للحكومة؛ مما يعنى توجيه الاتهام لها بوجود خلل في مباشرة السلطة التنفيذية لأعمالها ، وقد يترتب على ذلك إجراءات سحب الثقة من أحد نواب رئيس مجلس الوزراء أو أي من الوزراء المعنيين أو سحب الثقة من الحكومة بالكامل، وذلك تطبيقًا لمبدأ الفصل بين السلطات( ). كما تضمن حق عدد من أعضاء المجلس طرح موضوع عام لمناقشته واستيضاح سياسة الحكومة فيه وتبادل الرأي حوله( )، وهذا يدل على مرونة مبدأ الفصل بين السلطات حسب ما توصلنا إليه سابقاً؛ لأن تقسيم العمل بين السلطات يؤدي حتمًا إلى إدارة العمل بأكبر قدر من الكفاءة والدقة( )، كما يؤدي هذا المبدأ المهم إلى تحقيق ضمانات جادة للحرية، عن طريق توزيع الوظائف وتحقيق التعاون بين الهيئات المختلفة في الدولة( ). كما أن مبدأ الفصل بين السلطات يقتضي التفرغ للوظيفة البرلمانية، وعدم الجمع بينها وبين الوظيفة العامة( )، تجسيدًا لحياد الموظف العام، وهذا ما نص عليه الدستور اليمني بقوله: «لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس النواب وعضوية المجلس المحلي أو أي وظيفة عامة»( )، بحيث يتضمن هذا المبدأ تعاون السلطات - أيضاً - كما يجوز لمجلس النواب أن يكون لجانًا خاصة أو يكلف لجنة من لجانه لتقصي الحقائق في موضوع يتعارض مع المصلحة العامة، وهذا حقه الدستوري، فهو الممثل الشرعي للشعب والحريص على مصالحه العامة. كما أن هذه الرقابة من قبل المجلس تعد مظهرًا من مظاهر الديمقراطية، ويرى البعض بأنه لا ديمقراطية بدون مبدأ الفصل بين السلطات( ). كما تضمنت بقية المواد حق توجيه السؤال لأي عضو من أعضاء مجلس النواب لرئيس الوزراء ونوابه والوزراء، وحق توجيه استجواب لأي منهم من قبل أعضاء المجلس؛ وذلك تطبيقاً لمبدأ الفصل بين السلطات( )، الذي يوجب إقامة توازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحيث تتولى كل من هذه السلطات صلاحياتها التي خلع عليها الدستور، وفي الحدود التي رسمها دون افتئات من إحداها على الأخرى( ). ومن خلال المواد السابقة يتبين أن الرقابة التزمت مبدأ التدرج، حيث بدأت بالتوصيات إلى الاستجواب، وهذا من حسن السياسة التشريعية، بحيث لا يؤخذ الإنسان على حين غرة؛ ولأهمية مبدأ الفصل بين السلطات فقد نص عليه إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي بقوله: «إن كل جماعة سياسية لا تضمن حقوق الأفراد ولا تفصل بين السلطات، لا دستور لها»( ). كما نص على «حق مجلس النواب في سحب الثقة من الحكومة»( )، وهذا أخطر إجراء يتخذه مجلس النواب تجاه الحكومة وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات، الذي يشترط عدم تركز السلطة في يد إحدى السلطات العامة في الدولة على حساب السلطات الأخرى( ). واشترط الدستور ضرورة استجواب رئيس الوزراء أو من ينوب عنه قبل تقديم الطلب، أو أن يكون طلب سحب الثقة موقعاً من ثلث أعضاء المجلس، ولا يجوز للمجلس أن يصدر قرارًا بالطلب قبل سبعة أيام من تقديمه، ويكون سحب الثقة بأغلبية أعضاء المجلس وليس الحاضرين. وبالتالي؛ فقد أحاط قرار سحب الثقة بقيود كثيرة من الصعوبة بمكان تحققها، ومهما يكن فإن هذه النصوص الدستورية في مصر واليمن إذا تم استخدامها وفقًا لمبدأ الفصل بين السلطات من قبل البرلمان حرصًا على المصلحة العامة ومنعًا لأي تجاوزات للقوانين واللوائح - يصبح هذا المبدأ من أهم الضمانات لنجاح واستمرار الحياد الوظيفي للموظف العام في مصر واليمن، فالجهاز الحكومي يحسب لهذه الرقابة من قبل البرلمان ألف حساب. أما إذا لم تستخدم هذه النصوص وظلت حبرًا على ورق، أو استخدمت بشكل جزئي وغير فعَّال، فإن هذا المبدأ يصبح من المبادئ المؤثرة على الحياد الوظيفي للموظف العام، بطريقة سلبية وغير فعالة. من خلال ما سبق شرحه؛ تبين أن وجود برلمان منتخب ووجود أحزاب سياسية، بالإضافة إلى مبدأ الفصل بين السلطات، كل ذلك يعتبر من أعمدة النظام الديمقراطي الذي يؤثر بشكل كبير جداً على عمل الجهاز الحكومي بالدولة والإدارة العامة بشكل عام؛ من حيث خضوعهم للمساءلة، فتوجد البيئة المناسبة للحياد الوظيفي للموظف العام، حيث تشيع الحريات من خلال وجود بيئة ليبرالية، وبيئة محررة فكريًا وعقائديًا( ). بينما في النظم الاستبدادية تتركز السلطات وتنعدم الرقابة فيتأثر الجهاز الحكومي بشكل سلبي، فيصبح أداة بيد الحاكم ضد الشعب، لا يهمه سوى إرضاء الحاكم وإيجاد المبررات لتصرفاته وظلمه، فيصبح أداة مسخرة لقمع الشعب بدلاً من خدمة الشعب، سواء الجهاز الحكومي المدني أو الشرطي، فالكل يعكس استبداد الحكم له بالاستبداد بالشعب، فينعدم الحياد الوظيفي في الجهاز الإداري للدولة في كافة مستوياته( ). ومن أهم نتائج مبدأ الفصل بين السلطات، تحريم الجمع بين الوظيفة العامة وعضوية البرلمان( )، تجسيدًا للحياد الوظيفي للموظف العام، ويؤكد الباحث بأن التزام سلطات الدولة بالقانون والخضوع له واحترامه من خلال التمثيل النيابي السليم، والتعددية الحزبية الواعية والهادفة، واحترام السلطات لبعضها البعض، والتزامها بنصوص الدستور والمحافظة على المصلحة العامة، وخدمة الشعب والمساءلة العادلة لكل من خرج عن القانون، وتشجيع المحسن ومحاسبة المسيء، تمثل دعامة وضمانة مهمة من ضمانات الحياد الوظيفي للموظف العام؛ مما يؤدي إلى استقراره واستمراره في تقديم خدماته بكفاءة واقتدار للشعب، وتنفيذ سياسة الحكومة. وخلاصة القول: لا يمكن أن تزدهر الديمقراطية بدون فصل السلطات( )، ولا يمكن تحقق الحياد الوظيفي للموظف العام بدون هذا المبدأ؛ لأن أقوى سلاح لمواجهة مؤامرات ومشاكل الخارج هو قوة الداخل، والتي تتمثل في قوة رابطة القلب والحب والألفة( )، والتي لا يمكن تحققها إلا بالإيمان بالله والعدل في الحكم، والحياد في التعامل بين الموظف والدولة، والموظف والمواطن، والمواطن والمواطن. بينما انعدام هذه الهيئات يؤدي إلى انعدام الرقابة وتركيز السلطة؛ فيؤثر ذلك على عمل الجهاز الحكومي، حيث يصبح أداة مسخرة بيد السلطة لخدمتها على حساب المصلحة العامة، مما يؤدي إلى انعدام الحياد الوظيفي وتخلف الجهاز الحكومي للدولة، وعدم تحقيق أهدافه. وليس العيب في هذه الحالة في الديمقراطية، وإنما العيب في التطبيق الخاطئ لها. إن النظام السياسي الديمقراطي والحر، هو نظام يستبعد كل استخدام للعنف أو الاستبداد، ويحقق أوامر السلطة طبقًا لمقتضيات دولة القانون، إنه مؤسس على الحرية والمساواة والسيادة للشعب( )، فالديمقراطية - من أجل أن تنجح وتسود ويتحقق حياد الموظف العام في ظلها- ترتكز على مجموعة من الأعمدة بدونها تهوى وتتساقط، من هذه الأعمدة: مبدأ الفصل بين السلطات، مبدأ المشروعية، تعدد الأحزاب، الانتخابات، الاعتراف بحقوق وحريات الأفراد( ). ولا شك أن مبدأ الفصل بين السلطات يحقق هدف الديمقراطية، وأنه خير ضامن لحقوق الأفراد وحرياتهم، وعقيدة جمهور الفقهاء وغيرهم -وهي عقيدة سليمة- أنه لا ديمقراطية بدون مبدأ الفصل بين السلطات( )، حيث يضمن هذا المبدأ ضرورة أن تقوم بالوظيفة القضائية هيئة قضائية متخصصة لتكون بعيدة عن الصراع السياسي، وضمان حياد القضاة عند تفسير أو تطبيق القانون( ).