في النصف الأول من الشهر الماضي توجه معالي نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن إلى قاعة البرلمان حاملا في جعبته أخطر ما توصل إليه من معلومات من شأنها أن تزيد من إدماغ حركة التمرد الحوثية بالعديد من الإدانات الجسيمة المتراكمة المؤهلة لأكثر من حرب، حيث أرجع العليمي الجذور التاريخية للحركة الحوثية إلى عام 1982م مستدلا بتفجير أحد دور السينما بصنعاء في 84م واقتحام السفارة السعودية في 92م، وبصرف النظر عن صحة هذه المعلومات الخطيرة أو عدم صحتها إلا أنها أثارت العديد من التساؤلات الأخطر والأبعد من ذلك، وهو ما كشفت عنه صحيفة "الناس" من خلال لقائها بالشخص المنفذ الرئيس لعمليتي تفجير مبنى سينما حدة واقتحام السفارة السعودية بصنعاء السيد عبدالله علي جميل. من هو عبدالله جميل؟ هو من مواليد 1967م مديرية بني مطر محافظة صنعاء، ورغم حداثة سنه حينها "14 عاما" إلا أنه كان أحد أبرز المؤسسين ل"مجلس رابطة العلماء الإسلامية لتحرير اليمن والجزيرة العربية" كتنظيم سياسي يهدف إلى قلب نظام الحكم – حسب جميل – تم تأسيسه متزامنا مع قيام المؤتمر الشعبي العام 1982م وكان قوامه لا يتجاوز "16 عضوا" منهم ستة أعضاء كانوا يشكلون مجلس القيادة كأعلى هرم تنظيمي وأبرزهم عبدالله علي جميل (رئيس المكتب السياسي والمسؤول العسكري آنذاك)، والعميد عبدالله محسن العليبي ومحمد الحاضري، والدكتور يحيى حميد، وأحمد الضيعة". تفجير سينمائي بعد أن تمكن التنظيم من شراء آلة طباعة "ستنسل" بدأ يزاول نشاطه السياسي عبر توزيع المنشورات التحريضية ضد ما كانوا يسمونه بالنظام الطاغوتي الفاسد الذي يجب تغييره، لكن الغريب أن التنظيم لم يبدأ بهذا التغيير من القصر الجمهوري وإنما بدأ من أحد دور السينماء بالعاصمة صنعاء، حيث قام عبدالله جميل بتنفيذ عملية تفجيرها عام 1984م ليتعرض على إثرها وجميع أعضاء التنظيم للاعتقال على يد الأجهزة الأمنية، وبقرار عاجل تم تشكيل محكمة أمن الدولة لمحاكمتهم، وعقدت جلستها الأولى لذلك عام 1984م وحتى اللحظة لم تعقد الجلسة الثانية!! ويرجع عبدالله جميل سبب ذلك إلى أن الجلسة الأولى تحولت إلى محاكمة للنظام بما أورده من حجج وصفها بالقوية، وبقول جميل أن المحكمة وثقت تلك الجلسة عبر شريط فيديو بغرض الاطلاع عليه من قبل رئيس الجمهورية، ويضيف جميل بأنه سمع صدور أحكام قضائية بالإعدام لكن لم يعلن عنها، وكل ما يعرفه أنهم ظلوا خمس سنوات في سجون الأمن الوطني ثم أفرج عنهم وكفى!! وبهذا تم إخماد ذلك التنظيم الثوري – وفق جميل -. اقتحام السفارة السعودية: كانت خمس سنوات بالنسبة لعبد الله جميل فترة كافية للقراءة والاطلاع بلهف وغزارة لكل ما يقع بين يديه من ثقافات متعددة وأفكار عديدة جعلته يعيد النظر في الأحداث الماضية والجارية ويطيل إمعان التأمل في أوضاع البلاد على مدى ثمان سنوات (84-92) ليستنتج بعدها أن البلاد على وشك الانهيار، وأن هناك عملاء للخارج ما فتئوا ينخرون جسد الوطن من الداخل، وأن أسماءهم وكل بياناتهم موجودة في السفارة السعودية بصنعاء، ورأى في نفسه الأمل الوحيد لإنقاذ البلاد، ولأنه قد تمكن من أداء شعيرة الحج قبل بضع سنوات من الحادثة فقد قرر عبدالله جميل اقتحام مبنى السفارة السعودية للكشف عن الوثائق التي تفضح العملاء والمرتزقة "كما يقول" ومع نفيه بتلقيه تدريبات عسكرية وأمنية إلا أنه خطط لعمليته تخطيطا لا يخلو من تفكير أمني، إذ قام بزيارة استطلاعية أولى للسفارة وأخضع نفسه للتفتيش، وتمكن من الدخول إلى مكتب السفير، والنظر إلى الخزينة التي كان يتوقع احتواءها للوثائق المستهدفة، ثم غادرها دون أن يقترف شيئا، وبعدها بأيام تم اقتحام السفارة وتحديدا في 27/4/1992م. ويصف جميل وقائع تلك الحادثة بقوله: "استخرت الله ولبست كفني وكتبت وصيتي وصليت على نفسي كشهيد، وتوجهت إلى مبنى السفارة، وكنت أحمل قنبلة ومسدس "ربع" وحتى لا أتعرض للتفتيش فقد تواصلت مع السفير السعودي وأبلغته بأن لدي معلومات هامة عن المعارضة السعودية في اليمن، وهذا كان بمثابة "طعم" حتى أنجو من تفتيش الحراسة، فسمح لي السفير بالدخول دون تفتيش، وعند وصولي إلى مكتب السفير أشهرت السلاح واحتجزت السفير، ومن كان معه من العاملين، لكني أخطأت عندما سمحت بخروج أحد الموظفين وهو الذي أبلغ الأجهزة الأمنية بعملية اقتحام السفارة واحتجاز السفير، وسرعان ما تم تطويق المبنى من قبل أفراد الأمن الذين كانوا يريدون التفاوض معي حفاظا على حياة السفير إلا أن السلطات السعودية أصرت على عدم التفاوض وطلبت –هي- من قوات الأمن اليمنية اقتحام المبنى واعتقالي، وفعلا تم اعتقالي فورا وفشلت العملية، وتم إيصالي في نفس اليوم إلى رئيس الجمهورية الذي كان يظن بأنها عملية مفبركة من السعودية كمبرر للحرب لكن بعد التحقيق معي اطمئن الرئيس بأنها لم تكن مفبركة من السعودية، وبعدها سجنوني وأحالوني للقضاء وكان الجانب السعودي "من السفارة" يحضرون الجلسات كطرف وهذا لأول مرة يحدث، ثم طالبت السلطة السعودية بتسليمي لكن الحكومة اليمنية رفضت ذلك واقترح الدكتور عبدالكريم الإرياني في حينها على السعودية بأن يتم محاكمتي أنا والسفير في لندن، لأنهم اعتبروا السفير متواطئ معي حين سمح بدخولي دون تفتيش، وبعدها صدرت توجيهات ملكية عليا إلى السفير السعودي (علي محمد القفيدي) بأن يسحب القضية من المحكمة ويتنازل عنها كونها قضية داخلية تخص الحكومة اليمنية ومواطنيها، ولكن السلطة السعودية لم تكتف بسحب القضية فحسب بل سحبت السفير القفيدي من اليمن واستبدلته بسفير آخر عقابا له على سماحه بدخولي بلا تفتيش". هكذا يسرد عبدالله جميل وقائع تلك الحادثة التي قال بأنه قام بها بدوافع شخصية بحتة إلا أنه يعترف باستخدامه كورقة من جانب الحكومة اليمنية إذ ظل ثلاث سنوات في السجن وكانت لا تعقد جلسة محاكمة في صنعاء إلا إذا عقدت جلسة المباحثات اليمنية السعودية في الرياض، "وهكذا بالتزامن" لينتهي الأمر بالإفراج عنه بعد تنفيذه لعقوبة السجن قيل حينها بأنه مختل عقليا لكنه ينفي هذه الصفة عن نفسه أو أنه قد سمعها من قبل. وبالرغم من أن عبدالله جميل حاليا لم يعد مؤمنا بجدوى العنف، إلا أنه ما زال يفاخر باقتحامه للسفارة، بل يعتبر ذلك مكسبا وطنيا وعملية تاريخية وفريدة من نوعها، ويذهب جميل إلى أبعد من ذلك بقوله: "لو نجحت هذه العملية لما حدثت حرب 1994م، ومع أنه يقر بفشل العملية مكتفيا بشرف المحاولة -كما يقول- مؤكدا نجاحات وصفها بالمكاسب العظيمة لليمن، أبرزها إذابة جليد العلاقة بين البلدين بسبب موقف اليمن من حرب الخليج، وخروج مليون مغترب يمني من السعودية، فوقع حادث اقتحام السفارة كفرج من الله –حسب تعبيره – حيث تغيرت المواقف رأسا على عقب إعلاميا وسياسيا ودبلوماسيا لصالح اليمن وجاءت الوفود وعقدت اللقاءات والمفاوضات بشأن الحدود والتي تكللت بتوقيع اتفاقية جدة. وعن سؤالنا لجميل عن الجهة التي كان سيسلمها تلك الوثائق في حال نجح في مهمته – التي قال إنها فردية – أجاب بأنه كان سيسلمها لوسائل الإعلام المحلية والخارجية وللقيادة السياسية التي لا يتفق معها (لكنه استدرك بأنه سيسلمها عبر البريد طبعا). ويبرر جميل تهاون السلطة معه بظروف تلك المرحلة أثناء الفترة الانتقالية التي حدثت فيها عمليات مماثلة لعملياته ضد عدد من السفارات في صنعاء كالسفارة التركية التي هاجمها أفراد قيل بأنهم تابعون لمنظمة الصقور الثورية، وتمكنت أجهزة الأمن من إلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم وسجنهم ستة أشهر فقط. ناصري أم إيراني؟ اختلفت آراء المهتمين والمتابعين حينها حول هوية تنظيم "مجلس الرابطة" الذي أسسه جميل ورفاقه؛ فالبعض كان يراه امتدادا للحركة الانقلابية الناصرية الفاشلة عام 1978م مستدلا بوجود العميد عبدالله محسن العليبي في قيادة مجلس الرابطة والذي كان أحد أبرز قادة الانقلاب الناصري وقد حكم عليه بالاعدام لكن تمكن من الإفلات من قبضة النظام حينها، وفر هاربا إلى جبال خولان، ثم انضم إلى مجلس الرابطة إلى جانب الدكتور يحيى حميد الذي كان عضوا في مجلس الشعب أثناء عهد الرئيس الحمدي، وكانت السلطة تؤكد تبعية "مجلس الرابطة" للثورة الإسلامية الإيرانية المعادية للنظام السعودي، وقامت السلطة اليمنية بطرد السفير الإيراني من صنعاء بعد ضبطها الأدلة على ذلك، بينما يقول عبدالله جميل: إن السلطة ضبطت مجلة إيرانية فقط وهي "التوحيد" لدى محمد الحاضري عضو قيادة المجلس نافيا وجود أي علاقة إيرانية بتنظيمه الثوري الذي كان يهدف إلى تحرير الجزيرة العربية كلها وليس تحرير اليمن فحسب. وبعد مضي ربع قرن من تأسيس التنظيم فقد وصفه نائب رئيس الوزراء رشاد العليمي بالنواة الأولى لحركة التمرد الحوثية التي يقودها حاليا عبدالملك الحوثي الذي رد على ذلك بأنه كان حينها قيد رضاعة الحليب ولم يتجاوز العامين من العمر. وقد استند العليميي في تقريره على تفجير سينما حدة واقتحام السفارة السعودية مما أثار حفيظة منفذهما الرئيسي عبدالله علي جميل معتبراً تصريحات العليمي تشويها لتاريخه البطولي وأدواره النضالية "بالتفجير والاقتحام" متهما العليمي بأنه يحاول إعطاء الحوثيين شرفا نضاليا وبعدا استراتيجيا ووطنيا لا يستحقونه، منوها بأن العليمي بإثارته لقضايا سياسية قديمة قد أتاح للشعب فرصة نادرة لمعرفة حقيقة عملية اقتحام السفارة السعودية التي وصفها البعض حينها بالعملية الاستخباراتية، وكشف اللثام عن المراحل الأكثر غموضا في تاريخ العلاقات اليمنية السعودية حتى الآن، وأعلن جميل عزمه على مقاضاة نائب رئيس الوزراء. فشل في العداء والإخاء الآن وبعد مرور "16" عاما من اقتحامه للسفارة السعودية فإن عبدالله جميل يدرك يقينا عدم قدرته على دخول الأراضي السعودية ولن يفكر في خوض مغامرة من هذا النوع إلا إذا منحته السلطة اليمنية جوازا دبلوماسيا – حسب تعبيره – ومع شعوره بشرف المحاولة الأولى كما سماها فقد قام بمحاولة أخرى تجاه الشقيقة السعودية بالتعاون مع ثلة من المدرسين السعوديين في اليمن، وكاد جميل أن ينجح في محاولته هذه المرة لولا تنبه ممثل السلطة السعودية في اللحظات الأخيرة أدت إلى انسحاب مندوب وزارة الشؤون الاجتماعية في بلادنا من المؤتمر التأسيسي وإفشال تلك المحاولة. ما زال رئيسا للحسبة كان عبدالله جميل يعمل موظفا في وزارة الإدارة المحلية (دائرة المرشحين للمناصب العليا) لكنه رفض الوظيفة وفضل التفرغ للعمل الجماهيري كما يقول، وقد أنشأ المؤسسة اليمنية لنشر الثقافة والمعرفة وترأس لجنة حماية الشباب من الغزو الفكري، ورئيس اللجنة الوطنية للحسبة ومكافحة الفساد، وحاليا يقول جميل إنه تحالف مع الأخ أحمد الشرعبي في تأسيس "الحركة الديمقراطية للتغيير والبناء" كحزب سياسي يضم الغاضبين من أحزابهم، ومن المقرر أن ينعقد مؤتمره التأسيسي في سبتمبر القادم. ولأنه فشل في قلب نظام الحكم بالقوة فقد قرر جميل ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية القادمة 2013م، وأعلن أنه سينافس أحمد علي عبدالله صالح رفضا للتوريث وتحويل الجمهورية اليمنية إلى جمهورية وراثية، وقال ل"الناس" الرئيس يعتبر حكيم اليمن لكنه فقد هذه الحكمة مؤخرا ويظهر ذلك في ردات فعله تجاه الأحداث الساخنة في المحافظات الجنوبية ومحافظة صعدة رغم أن الرئيس ذكي ويفهم بأن شعب اليمن طيب وعرطة ويحتاج مداراته بأربعة خطابات في العام، ناصحا الرئيس بأن اليمن لا يحتمل العنف والعنف المضاد.