أكد الباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة بأن الاعتقال والاحتجاز لم يكن ماضياً أو حاضراً مقتصراً على الأحياء ، بل طال الأ موات أيضاً ، في محاولة احتلالي للانتقام من الأموات على ما قاموا به من أعمال فدائية قبل وفاتهم ، أو لإخفاء آثار جرائمهم البشعة المتمثلة في طريقة قتلهم والتمثيل بجثثهم ، وفي أحياناً كثيرة لاستخدامهم أوراق مساومة في عمليات تبادل الأسرى . وأضاف فراونة بأن دولة الاحتلال لازالت تحتجز مئات الجثامين لشهداء وشهيدات ومن جنسيات مختلفة، في ما بات يُعرف " بمقابر الأرقام " أو في ثلاجات الموتى في أماكن سرية ، ومنذ عقود طويلة ، في ظل رفضها المتواصل لتسليمها لذويهم لدفنها في أماكن مخصصة لذلك ، أو حتى دون السماح للمؤسسات الحقوقية أو الإنسانية بالوصول إليها وزيارتها والتأكد منها أو من طبيعة احتجازها . واعتبر فروانة بأن دولة الإحتلال هي الوحيدة في العالم التي تنتهج هذا السلوك كسياسة ممنهجة في تعاملها مع الفلسطينيين والعرب عموماً ، فيما القانون الدولي يعتبر ذلك جريمة أخلاقية وإنسانية وقانونية ، أما المادة ( 17 ) من اتفاقية جنيف، فلقد كفلت للموتى إكرامهم ودفنهم حسب تقاليدهم الدينية وأن تُحترم قبورهم . جاءت تصريحات فروانة هذه في الذكرى ال31 لعملية فدائية نفذتها مجموعة من مقاتلي " حركة فتح " مكونة من احد عشر فدائيا وقادتها الشهيدة دلال المغربي وشارك فيها المناضل اللبناني يحيي سكاف ، وبإشراف الشهيد القائد أبو جهاد ، وذلك في 11 آذار/ مارس 1978 ، تمثلت بعملية إنزال بحرية على الساحل قرب تل أبيب احتجزت خلالها حافلة احتلالية مع ركابها، وانتهت العملية بمقتل قرابة ثلاثين إسرائيليا ، واستشهد خلالها ثمانية مناضلين فيما أصيب وأسر ثلاثة آخرين هم خالد أبو أصبع وحسين فياض ويحيى سكاف ، واحتجزت سلطات الإحتلال الأحياء والأموات منهم ، و تحرر جميعهم الأحياء والشهداء ضمن صفقات التبادل السابقة، باستثناء جثة الشهيدة دلال التي مازالت محتجزة لدى دولة الإحتلال ، أما الأسير يحيي سكاف فلا زال مصيره مجهولاً ، ما بين أسير في السجن الإحتلالي السري 1391 أو كما يطلق عليه الفلسطينيين " غوانتانامو الإسرائيلي " أو شهيداً معتقلاً في مقابر الأرقام وأشاد فروانة بجهود " حزب الله " الذي كان الأكثر اهتماماً بهذا الموضوع ، حيث تمكن من استعادة مئات الجثامين في عمليات تبادل سابقة كان آخرها منتصف يوليو / تموز من العام الماضي ، وكان من المفترض ان يكون من بين الجثامين المحررة جثتي الشهيدة " دلال المغربي " والشهيد " يحيى سكاف " الذي أكدت فيه دولة الاحتلال انه توفى نتيجة إصابته ولم يعد حياً ، حسب ما أعلن آنذاك ، ولكن أنجزت الصفقة بالكامل ، ليتضح بأن دولة الاحتلال تراجعت عن التزاماتها وتلاعبت بمعلوماتها ، وبالتالي بقيت الشهيدة " دلال " معتقلة ، فيما لازال مصير الأسير يحي سكاف مجهولاً حتى هذه اللحظة. وكان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أعلن الخميس 29 يناير الماضي ، بان فحوصات الحمض النووي التي أجريت على أربعة جثامين تسلمها الحزب في تموز (يوليو) 2008 من اسرائيل لم تحسم وجود جثتي المناضلة الفلسطينية دلال مغربي والمناضل اللبناني يحيي سكاف بينها . وأوضح فروانة بأن عائلة الشهيدة دلال المغربي ، لازالت على أمل بتحرر رفات ابنتهم وإكرامها ودفنها بكرامة في مقابر مهيأة لذلك ووفقاً للشريعة الإسلامية ، وتأمل أن يكون ذلك قريباً . فيما عائلة " يحيى سكاف " تأمل بتحرر ابنها من سجون الإحتلال وعودته حياً ، حيث لازالت تؤكد وفي أكثر من مناسبة وآخرها على لسان شقيقه " جمال " على أن ابنها لازال على قيد الحياة أسيراً يقبع في سجون الإحتلال حسب المعلومات والوثائق التي يمتلكونها ويستندون إليها ( حسب تعبيرهم ) . وتعقيباً على ذلك قال فروانة بأن هناك ترابط وثيق ما بين المفقودين والشهداء ، وما بين السجون السرية ومقابر الأرقام ، حيث لا تزال سلطات الإحتلال تنكر وجود المئات من المفقودين الفلسطينيين والعرب في سجونها ، ولا يُعرف مصيرهم أحياء كانوا أم أموات ، فهي تنفي صلتها بهم ولا تقر أصلاً بوجودهم لديها ، ولازالت تدعي بأنها أعادت رفات ( دلال المغربي ورفيقها يحيى سكاف) ضمن الجثامين التي تسلمها حزب الله في إطار صفقة التبادل في تموز من العام الماضي ، فيما نفى الحزب ذلك . وتابع قد يكون هناك ممن يعتقد أنهم في عداد المعتقلين والمفقودين قد أعدموا فعلياً بعد الإعتقال وتحولوا الى شهداء يحملون أرقاماً فقط ، أو أن بعضاً ممن كانوا محتجزين في أماكن وسجون سرية ، قد نقلوا جثث الى مقابر وثلاجات سرية ، ولكن بكل الأحوال فان " دولة الإحتلال " هي من تتحمل المسؤولة الأولى عن مصير هؤلاء ، وعليها أن تَكشف عن مصيرهم المجهول ، وأن تُعيد الجثامين لأصحابها ، فيما يجب ملاحقتها ومحاسبة قادتها على ما اقترفوه من جرائم بحق هؤلاء .