إن إعداد الموازنة العامة بشكل علمي هو المحور الأساس الذي يحدد توجهات السياسة المالية للدولة، وعليه تقوم الحكومات بتحديد مدى استجابة تلك الموازنة لمختلف القضايا- بمعنى أخر- تقوم الموازنات العامة بلعب دور أساسي في تحديد سلم أولويات عمل الحكومات، ومدى استجابتها لاحتياجات التنمية في المجتمع. وهنا يصاب الإنسان بالإحباط عندما يجد أن تلك الموازنة تفتقر إلى ابسط المعايير في وضع الموازنات، والتي تتمثل في تحديد الأولويات بعيدا عن المجاملات لتلك الوزارة أو الجهة. ربما يقول قائل أن ذالك المعيار موجود! وهنا نسال إذا كان الأمر كذلك: هل من المنطقي أن نقوم بتركيب إضاءة لشارع في منطقة لا يوجد فيها مشاة أو عمار، مجرد طريق مزدوج في نهاية جبل، في الوقت الذي نشاهد مواطنين تبتلعهم الأرض وهم يحاولون عبور الشارع، أو من غرق بسيارته في بيارة بشارع رئيسي بقلب العاصمة، وهناك كثيرون قضوا في حوادث مشابهه..؟ الم يكن من الأولى أن نستخدم تلك المخصصات وغيرها من المبالغ المالية التي تنفق في أماكن أخرى لو تم تقييمها من حيث الأهمية لكانت في ذيل القائمة أو ربما لن تدرج في الموازنة! وكان الأجدر أن يتم توجيه تلك الأموال لحل مشاكل ملحة مثل مشكلة الصرف الصحي الذي يعاني منه الملايين من سكان العاصمة- واجهة اليمن الحضارية- وكذلك الكثير من المدن الرئيسة الأخرى والتي أصبحت البيارات فيها مصدر خطر على حياة الناس وصحتهم في تلك المدن والأحياء..!؟ نضيء منطقة نائية وهناك شوارع داخل العاصمة تعيش في ظلام دامس، كما أن على أصحاب ورش الحدادة إغلاق ورشهم قبل حلول الظلام.. والمواطن داخل العاصمة عليه أن يحتفظ بالشمعة والولاعة في جيبه استعدادا للحظة انقطاع التيار الكهربائي.. إن العام 2008 على الأبواب نتمنى على القائمين على إعداد الموازنة للعام 2008 إعطاء الأولوية للمشاريع الهامة التي تخدم المجتمع المدني ويستفيد منها قطاع واسع من الشعب فلا يمكن أن تترك مدينة مثل تعز عدد سكانها يتجاوز المليون إنسان بدون الماء معظم أيام السنة، أو أن ننتظر المزيد من حوادث الغرق بالعاصمة!! إن موارد الدولة قليلة ومحدودة فيجب أن تنفق تلك الإيرادات على المشاريع الخدمية الأكثر أهمية، لا أن تقوم الدولة بسفلتة طرق نائية لا يتجاوز عدد السيارات التي تستخدمها يومياً عدد أصابع اليد ونترك 30% من شوارع العاصمة و70% من شوارع المدن الرئيسية الأخرى ترابية محفورة والغبار المتصاعد منها يغطي سماء العاصمة. إننا نتمنى ونطمح أن نرى كل قرية ومدينة في اليمن تتوفر فيها جميع الخدمات التي يحتاج إليها المواطن.. ولكن ونتيجة لقلة الموارد على الدولة إعطاء الأولوية للعاصمة بشكل خاص وكذلك العاصمة الاقتصادية عدن لأنها الأساس في جذب الاستثمارات الخارجية وإعطاء الانطباع الجيد للزائرين والسياح. إن وضع الموازنات العامة للدولة تتطلب مشاركة من أطراف متعددة من المجتمع المدني ومجلس النواب والحكومة، على أن يكونوا من أصحاب الخبرات في ذلك المجال من اجل التحاور، والتباحث، والشراكة، وبالتالي الشفافية وبحسب ما يرمي إليه المشاركون وبعيدا عن التوجهات الحزبية، للوصول إلى تحقيق المعنى الحقيقي للموازنة- أي أن تضمن التوازن بين النفقات والواردات للخزينة العامة، وصولاً إلى الموازنة النموذجية التي تغطي الاحتياجات الأساسية والهامة للمجتمع.. إن غياب الشفافية في عرض البيانات المالية أمام الشعب والبرلمان بما يسد الكثير من ثغرات الفساد والتحايل وأوجه إنفاق الحكومة غير الواضحة أو المناسبة، وغياب البيانات الخاصة بالموازنة المالية للدولة في جميع مراحل الإعداد والتنفيذ والمراجعة أمام متخذي القرار، إلى جانب عدم إشراك نخبة من المجتمع المدني وأعضاء مجلس النواب وتزويدهم ببيانات تفصيلية عن إيرادات الدولة المتوقعة، سوف يدفع بالكثيرين إلى التشكيك في مصداقية تلك الموازنة.. وهنا ينبغي أن نسأل: لماذا السرية حول بيانات الموازنة السنوية، ولماذا تغيب الشفافية، فيجهل الشعب اليمني تفاصيل موارده ونفقاته العامة، ولماذا لا يعلم الشعب وخاصة أبنائه من الأكاديميين، والمحللين الماليين، والاقتصاديين، ورجال الفكر والمعرفة، والصحفيين من أين تأتي الموارد المالية الوطنية، وما حجمها، وكيف تنفق؟ لو كانت المعارضة على مستوى من المسؤولية والخبرة لقامت بعمل ما يسمى بالموازنة البديلة، التي تساعدهم في إيجاد مناطق الخلل بالموازنة العامة التي تقوم الحكومة بتقديمها لمجلس النواب للدراسة والاعتماد، ولكن معارضتنا مختلفة الرؤى والتوجهات، ويختلفوا في كل شيء إلاّ الخروج للتخريب، والكيد للحزب الحاكم..!!