من بين كل مناطق العالم، تغرق منطقتنا في بحر من الدماء، فلا يكاد يمر يوم إلا وتزهق فيه أرواح، وتسال فيه أنهار من الدماء على امتداد المنطقة من محيطها الى خليجها.. وتتناقل الفضائيات يوميا صورا ومشاهد لأشلاء الضحايا هنا وهناك، في العراق وفي سوريا ومصر ولبنان واليمن، وأنباء الصراعات في تونس وليبيا وغيرها، وكلها تحت شعار "الإسلام هو الحل". قبل يومين قرأت بمانشيت عريض في إحدى القنوات العربية أن تنظيما إسلاميا يسعى لإعادة تنظيم فلوله في لبنان بهدف تجديد الدعوة الجهادية، ومن جاؤوا من تونس والمغرب وحتى من كردستان العراق الى سوريا، إنما دخلوها تحت هذا الشعار، الجهاد في سبيل الله، وكذا كانوا يفعلون في السنوات السابقة بقدومهم الى العراق لمحاربة الاحتلال الأميركي، ولكن اليوم الاحتلال غادر البلاد وأصبح العراق متمتعا بسيادته الوطنية، ولكن التفجيرات والقتل والعمليات الانتحارية زادت بوتيرتها عما كانت عليه في سنوات الاحتلال، والضحية دوما هم العراقيون البسطاء من الأهالي،لا فرق بين من هو سني أو شيعي ، كردي أو عربي، مسيحي أو مسلم، فالكل مستهدفون. إذا كانت بعض الحكومات العربية الحاكمة بالمنطقة هي حكومات كافرة بنظر التنظيمات الإسلامية ويستوجب الدين الإسلامي الجهاد ضدها، فان هناك حكومات أشد كفرا منها قرب حدودنا أو خلف حدودنا، فلماذا لا تنقل تلك التنظيمات ساحة جهادها الى هناك؟. وحتى لو سلمنا بأن بعض الحكومات كافرة رغم أن جميعها تستند بدساتيرها وقوانينها الوضعية على الشرع ومبادئ الدين الإسلامي، فما بال الأهالي يقتلون بجريرة كفر حكوماتهم؟. من تجرأ من التنظيمات الإسلامية بتفجير مقر للحكومة في سائر البلدان التي تنتشر فيها تلك المنظمات، ما عدا تفجير المساجد والكنائس والأسواق ومداهمة المولات والمطاعم والمقاهي؟. هل استطاعت هذه التنظيمات أن توجه ضرباتها لتلك الحكومات مباشرة؟. لا أحد تجرأ ولا أحد يجرؤ!. في الحروب القديمة عندما تبدأ المعارك، يتقدم فارس أو إثنان من كل فريق الى ساحة المنازلة، فيصيح أحدهم بالآخر إن كان هناك من يبارز، فيخرج الفارس من الفريق الآخر، فإذا وجده الفارس الأول أن مقابله غير كفء له، رفض مبارزته، إذ هو يريد منازلة من هو بقوته وشجاعته، فلا ينازل من هو أقل شأنا منه. هكذا كانت أخلاق الفرسان وشجاعتهم، فأين فرسان ومجاهدو اليوم من ذلك وهم يدمرون الملاعب على رؤوس الأطفال، ويحطمون أشلاء الشيوخ الطاعنين في السن بالمقاهي الشعبية، أو يقطعون رؤوس الأسرى بالسيف والساطور؟. لماذا حولوا هذا الدين الحنيف الذي انتشر في أرجاء العالم بأخلاقيات المسلم وصدقه وطهره، من دين المحبة والسلام والدعوة الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، الى دين العنف والقتل والذبح؟.لماذا أصبح الإسلام دينا إرهابيا ينشر الرعب والعنف حتى أصبحت الحكومات الإسلامية تشرع دساتيرها وقوانينها لمنع أحزابه من العمل داخل المجتمعات؟. بالأمس كانت الشعوب تتطلع الى نموذج حزب إسلامي معتدل، وتعلقت الآمال بجماعة الإخوان المسلمين لتؤدي هذا الدور، ولكن ما يمارسه تنظيم الإخوان المسلمين اليوم من عنف وقتل وتخريب في مصر، يؤكد بما لايقبل الشك بأنه وتنظيم القاعدة وجهان لعملة واحدة، وأنه لا اعتدال في الإسلام السياسي طالما ان هدفه السلطة وبأي ثمن كان. لقد قلت في مقالات سابقة بأن الدين والسياسة أمران لا يتداخلان، فلا الدين باستطاعته أن يدير الدولة ويتواءم مع قوانين العصر ومتطلبات المجتمع، وهو بالأساس جملة من الطقوس والعبادات تنظم العلاقة بين الإنسان وخالقه، ولا السياسة تربح باستغلال الدين، لأنها ستنتج مجتمعا منقسما بقدر انقسام الدين الى مذاهب وطوائف وفرق متعددة لا تزال تعادي بعضها البعض منذ أربعة عشر قرنا.السياسة مكر وخداع، والدين طهر ونقاء فكيف يجتمعان؟.