يحظى اليمن هذه الايام باجماع دولي غير مسبوق. ولكنه الاجماع الذي يمضي في طريق غير مرغوب ومحفوف بالمخاطر والمخاوف المتعددة. ويبدو حال اليمن اليوم كبقعة جغرافية بات تقرير مصيرها بيد الاستراتيجيات الدولية والاقليمية وسط شكوى من الغياب العربي والفراغ الداخلي الذي تعيشه الساحة اليمنية. وغير ما تثيره العمليات الامنية الاخيرة من تساؤلات معلقة حول الدور الامريكي الجديد في اليمن وحدوده وتداعياته بعد ان كشف النقاب عن بعض تفاصيله خلال الاسبوعين الماضيين. فتحت الدعوة البريطانية لعقد مؤتمر دولي حول اليمن ومكافحة ما يسمى بالارهاب، بابا آخر للتساؤلات والتوقعات المختلفة. ويأتي في سياق هذه التوقعات والمخاوف المطروحة: دخول اليمن مرحلة خطرة من "التدويل" و"الوصاية الدولية" والتفكك والتشرذم والافغنة، والى آخر القائمة التي تتصف بها مجموع الدول الفاشلة ويتم تداولها بشكل كبير خلال الآونة الاخيرة. وهناك نتائج ايجابية بالطبع من بين ركام النتائج المشؤومة، ولكن بشروطها واسسها ومؤشراتها. فالترحيب اليمني بمؤتمر لندن مثلا، يمكن تحويله الى فرصة حقيقية لخدمة قضايا التنمية في البلاد، وذلك من خلال الاتفاق على شروط وآليات واضحة تؤدي الى ذات النتيجة. الا ان القلق والمخاوف من حدوث النتائج العكسية، تبدو كبيرة جدا نظرا للاجندات الخاصة، المعلنة منها والمخفية، فضلا عن التوقعات بظهور نتائج لم تكن في الحسبان. وفي كل الحالات، تتصدر اليمن دائرة الاهتمامات العربية والغربية. ففي الجانب الاعلامي العربي، انتقدت الكتابات الصحفية، ترحيب صنعاء المتسرع بدعوة براون، وعبرت عن خشيتها من التدويل وتعقيد الاوضاع اليمنية المعقدة اصلا، وحذرت من مصير مشابه لافغانستان او أسوأ منه، وذهبت الى ابعد من ذلك بالقول ان نظام اليمن اصبح يتوق ويتعجل عودة الانتداب إليه وإن بمسميات وصيغ جديدة. واعتبرت جريدة "القدس العربي" ان مؤتمر لندن الذي دعا إلى عقده وزير الخارجية البريطاني جوردن براون، جاء بالتنسيق مع الادارة الامريكية. ورأت في افتتاحية عددها الصادر في الاسبوع الماضي، بأن المؤتمر يصب في مصلحة القاعدة واضعاف النظام اليمني، كما يعيد التذكير بمؤتمر أفغانستان الذي انعقد في ألمانيا لإيجاد بديل لحركة طالبان وتهيئة المؤسسات التشريعية والتنفيذية التي ستتولى الحكم في البلاد بمساعدة أمريكا والغرب عموما. وأكدت الصحيفة أن التدخل الأمريكي في أفغانستان نجح في الإطاحة بنظام طالبان فعلا، لكنه لم يحقق الاستقرار في البلاد. واضافت تقول "من الصعب القول بان مثيله في اليمن سيكون أفضل حظا نظرا للاختلاف الكبير بين البلدين وكراهية أهل اليمن العالية للإدارة الأمريكية." كما اعتبر الباحث في الشؤون الدولية حسن جوني ان المؤتمر سيبحث مشروعا تقسيميا في ابرز أربع مناطق تعاني اقتتالا داخليا وحروبا الآن وهي اليمن والسودان وأفغانستانوالعراق. وحذر جوني من مسعى بريطانيا لإعادة ما أسماه التدخل بالمستعمرة القديمة. وقال ان القاعدة هي مفتاح هذا التدخل. كما اشار الى أن هناك مسعى خطر جدا لتدويل قضية اليمن. والى جانب تناقض التصريحات اليمنية حول مؤتمر لندن، يكاد المثل القائل " كلٌ يغني على ليلاه "، ينطبق على تصريحات كلٍ من صنعاءولندن. فالاولى تركز على جانب الدعم المادي دون النظر الى باقي التفاصيل كأجندته وشروطه وآلياته والتي قد تكون نتائجها كارثية وعلى حساب السيادة الوطنية، بينما ينصب تركيز الثانية على الجانب الامني ومحاربة ما تعده تطرفا في اليمن. ويبدو هذا واضحا في الترحيب اليمني المتعجل بدعوة براون، حيث وصف مصدر يمني مسؤول الدعوة البريطانية بأنها "خطوة بالاتجاه الصحيح لحشد الجهود الدولية لدعم اليمن في المجال التنموي وتعزيز قدراته في مكافحة البطالة والتخفيف من الفقر." لكن المتأمل في دعوة رئيس الوزراء البريطاني، وكذلك في التصريحات الغربية القلقة مما يجري في اليمن، حضور الهاجس الامني بشكل كبير ومدى تهديداته للمصالح الغربية، كما ان هناك رؤى وتوجهات متباينة ومتقاطعة مع رغبة صنعاء. والدعوة التي أطلقها براون، كانت قد تضمنت وصفه لليمن بأنه أصبح ملاذا آمنا لمن سماهم ب"الإرهابيين"، وإنه بذلك "يشكل خطرا على الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي." معتبرا أن تنظيم القاعدة بعد أن أضعفه تدخل القوات الدولية في أفغانستان والدعم الأمني الغربي لباكستان وجد ملجأ آمنا في أماكن أخرى مثل اليمن والصومال. وقال أن حكومته " تدعم إلى أبعد حد ممكن جهود الحكومة اليمنية لمعالجة الأسباب الحقيقية للتهديد الإرهابي عبر الدعم الاستخباراتي وعبر تدريب قوات مكافحة الإرهاب وعبر برامج تنموية." واللافت في هذا التصريح، وكذلك في غيره من التصريحات البريطانية اللاحقة، ان مسألة دعم اليمن تنمويا يأتي في سياق حالة القلق الامني التي ولدتها تطورات الاوضاع اليمنية الاخيرة وتهديدات تنظيم القاعدة. وهو دعم مشروط باتفاقيات وآليات متعددة، كما تحيطه قراءات وتصورات غربية معاكسة للرغبة اليمنية الرسمية. ومع تأكيد الغرب على اهمية الدعم لليمن. لكن البعض يشترط التفريق بين دعم اليمن ونظام الرئيس صالح. فالكاتب البريطاني براين وايتيكر، دعا الاسبوع الماضي في صحيفة الجارديان المجتمع الدولي إلى دعم اليمن من أجل تجاوز مشاكله الكبيرة والمتكالبة عليه من مختلف الجوانب. لكنه نصح بتقديم المساعدات لليمن وليس لنظام الرئيس علي عبد الله صالح. وقال إنه يمكن فعل أي شيء لدعم البلاد، لكن من المهم التفريق بين الإجراءات أو التدابير التي تفيد اليمن وتلك التي تفيد نظام صالح. مؤكدا بأن الأسوأ من ذلك كله أن ينظر إلى النتيجة أن مساندة صالح تأتي في الوقت الذي تراجعت فيه سلطته وقوته بشكل واضح وجلي. وتحدثت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون عن شروط وتوقعات لاستمرار دعم اليمن، قائلة خلال مؤتمر صحفي في الاسبوع الماضي، ان " الوقت قد حان كي يوضح المجتمع الدولي لليمن أن هناك طموحات وشروطا بشأن دعمنا المتواصل للحكومة بحيث يمكنهم اتخاذ تحركات لها فرص أفضل لتحقيق هذا السلام والاستقرار." واشار مسؤول أميركي آخر الى الرئيس صالح، قائلا " يتعين علينا فعل كل ما بوسعنا، وأن نجعله يلتزم بتعهداته والتأكد من أننا نتمتع برقابة ونضمن أن كل شيء يسير في الاتجاه الصحيح، وأنه لا توجد أي مشكلات صغيرة." وكدلالة على الترحيب اليمني المتسرع بالدعوة البريطانية، يتردد حاليا عن صنعاء تصريحات متناقضة حول مؤتمر لندن المقرر عقده في 28 يناير الجاري بالتزامن مع مؤتمر مماثل حول افغانستان. ففي الاسبوع الماضي، قال وزير الخارجية الدكتور ابو بكر القربي ان اليمن تنتظر توضيحات وكثير من التفاصيل حول المؤتمر. فيما نسب الى مسؤول آخر قوله ان مؤتمر لندن أمني ولا علاقة له بالسياسة أو التنمية. وتحدث القربي في حوار مع جريدة "26 سبتمبر" عن النقاط التي طرحت من قبل رئيس الوزراء البريطاني. وقال إنها أكدت بأن أي جهد سوف تسهم فيه الدول المشاركة بالمؤتمر سيكون من خلال الحكومة اليمنية، وانه سيعزز من قدرات اليمن الأمنية. مضيفا "هذا الجزء الذي رحبنا به.. لكن الآن نحن في انتظار الكثير من التفاصيل.. كيف سيتم ذلك وما هي الجهات التي تتولاه وما هو دورنا نحن في اليمن في بلورة الآليات وتحديد الأولويات التي نحتاجها." وقال ايضا " لا نريد أن يتكرر ما حدث في أفغانستان أو العراق بأن ترصد أموال وننتظر وقتا طويلا حتى تصرف وتحقق نتائج على الأرض، هناك أمور كثيرة تحتاج إلى نقاش وننتظر التوضيحات وعندها سنطرح وجهة نظرنا النهائية في هذا الموضوع." ونسبت مصادر صحفية الى مسؤول دبلوماسي يمني في القاهرة قوله بأن التحرك البريطانى لعقد مؤتمر دولي حول امن اليمن جاء بناء على طلب من الجانب الأمريكي والذى رأى أن هناك مخاوف من انتقال تنظيم القاعدة إلى بلاد اليمن، مما يتطلب تحركا دوليا لوقف هذا الخطر. وقال الدبلوماسي اليمني إن الحديث عن مؤتمر يبحث كل الأوضاع فى اليمن سيكون غير دقيق، فالسياسة الأمريكية فى غاية الذكاء وهى تريد بعد تشجيع بريطانيا على طلب عقد المؤتمر أن يتم بحث التعاون الأمنى لوقف خطر انتشار تنظيم القاعدة، بعد أن استشعرت أن الأزمة الأخيرة يمكن أن تزيد نفوذ القاعدة فى هذه المنطقة الحيوية لها. وأثارت أحزاب المشترك نفس المخاوف العربية التي ترددت على مدى الاسبوع الماضي ، حيث أبدت خشيتها من تدويل القضايا اليمنية، وحذرت من التبعات والتداعيات. ووسط تأكيدات يمنية رسمية برفض التدخل الامريكي او الغربي المباشر تحت أي ظروف، والاكتفاء بالتعبير عن حاجة اليمن للدعم المادي والاستخباراتي وتدريب القوات العسكرية. حذرت مصادر صحفية غربية وعربية من التدخلات المباشرة في اليمن، مشيرة الى نتائج التجارب الامريكية السابقة، وخاصة في العراقوافغانستان. وتحت عنوان "حرب الإرهاب ليست مسؤولية واشنطن وحدها"، رحبت جريدة "الوطن السعودية" بالخطوات التي تأخذها الولاياتالمتحدةالأمريكية لمكافحة الإرهاب والقاعدة بالخصوص، لكنها قالت ان " الامر من التعقيد بحيث لا يتوقف على الرؤية الأحادية لواشنطن التي عرفت في السابق بحروبها الاستباقية التي لم تستطع حتى الآن إنهاءها والخروج منتصرة فيها." مؤكدة انه من اللائق بحكومة أوباما أن تلتزم بما أعلنته أثناء الحملة الانتخابية من اتباع سياسة الشراكة والتفاهم مع الأسرة الدولية فيما يتعلق بالمواجهات الكبرى مع قوى التطرف والعنف. وفي هذا الإطار، جاء تأكيد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أن بلاده من أشد الداعين إلي أن يكون لمجلس التعاون الخليجي موقفا صلبا وحاسما في تطوير اليمن، ورفع مستوى المعيشة فيه إلي أن يصل الى مستوى بلدان الجزيرة العربية. كما انتقد مراقبون غياب الدور العربي الفاعل في التطورات اليمنية الاخيرة، مطالبين بمؤتمر عربي مواز لمؤتمر لندن، كما طالبوا الحكومة اليمنية بالتوقف عن التنسيق مع أمريكاوبريطانيا واللجوء للأشقاء باعتبار ذلك أقل كلفة وأكثر أمانا لمستقبل اليمن.