يوم الجمعة يوم روحاني بامتياز، إذ يتطهر المؤمن روحاً وجسداً. التعاليم الدينية في هذا اليوم تحث على الاغتسال والتطيب وهذه مبادئ دينية ومدنية أيضاً، غير أن المشكل في يوم الجمعة يتجسد في الخطبة تحديداً، وكاتب هذه السطور على مدى السنوات الماضية خصص مقالاتٍ عديدة مدافعاً عن روحانية خطبة الجمعة ودورها، والعجيب أن الكثير من المسؤولين في وزارة الشؤون الإسلامية لديهم هذه الرؤية وهذه النظرة، لكنها لم تتبلور لتتحول إلى موضوع تطبيقي وتنفيذي في الجوامع. هذه الأيام ثمة احتقان كبير في الخطب، وأرى أن الطائفية تتفشى بشكلٍ واضح في بعض الخطب، وهذا يستدعي أن نزن الأمور بمعيار العقل لا العاطفة! وأخشى أن يصح فينا قول الشاعر: أرى تحت الرماد وميض نارٍ ويوشك أن يكون له ضرامُ! وزارة الشؤون الإسلامية عالجت الجرح الصغير وتركت الجروح الكبيرة النازفة، إذ قرأتُ قبل أيام تأكيد وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد مشروعية اقتباس خطباء الجمعة مواضيعهم من المراجع الإسلامية من دون الإشارة إلى المصدر، باعتبار أن الخطبة ليست بحثاً علمياً. وعادة ما يعمد عدد من الأئمة وخطباء المساجد لنقل خطب جاهزة، أو الاقتباس من معلومات ومتون فقهية ووعظية، من كتب ومراجع إسلامية، من دون التنويه أو الإشارة للنقل أو المصدر، كما أن عدداً من الكتب والمجلدات توفر خطباً جاهزة كمجلد (من خطب المسجد الحرام: توجيهات وذكرى) للدكتور صالح بن حميد، وموقع المنبر الشهير، وكتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي الذي يعد من أهم المراجع الفقهية والوعظية. ورأت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف عدم أهمية الإشارة إلى المصدر، كون الخطبة ليست «بحثاً علميًا»، مستثنية ما ينقل من الخطب كتابة! هكذا نقلت جريدة "الحياة" وبالنص عن الشؤون الإسلامية! موضوع حشو الخطبة بالنقولات أمر ليس ضرورياً ولا جوهرياً أن نعالجه، المشكلة ليست في المصادر أو تحويل الخطبة إلى بحث، إنها أعمق، وحين ترى بعض الخطب وكأنك أمام نشرات المساء الإخبارية، والناس قد جاؤوا لا لإيغار صدورهم وإشعال حرائق حقدهم بل للاستفادة من الخطب التربوية أو الحكم والقصص أو المواعظ الروحانية والتذاكر المفيدة. بآخر السطر، بدلاً من عدم إلزام الخطباء بالمصادر لابد من إلزامهم بالبعد عن التجييش والاحتقان الذي نشاهده بالأخبار، فالخطبة هي ملك للناس وليست ملكاً للخطيب، لأن القضايا لن تنتهي وعلى حد قول الشاعر: وسوى الروم خلف ظهرك روم فعلى أي جانبيك تميلُ؟! نقلا عن صحيفة "الرياض"