لا أحد يمكنه وقف نزيف الدم الصومالي سوى الصوماليين أنفسهم وعليهم أن يدركوا أن انسكابه بغزارة في شوارع وأحياء مقديشو يعيدهم الى الربع الأول قبل أكثر من عقد ونصف العقد.. في وقت لم يعد ما تبقى في الصومال من أبنائه بنفس القدرة على تحمل نوازل الحرب وأهوالها، فالقتل بالمئات خلال أيام من المواجهة بين الحكومة الصومالية المؤقتة المسنودة بالقوات الاثيوبية وقبيلة الهوية الموالية للمحاكم الاسلامية. فمع كل بصيص أمل يومض بعد كل مصالحة في سماء هذا البلد المنكوب بهوس لعبة الموت والدمار والحرب يتبدد الوميض بحرب ضروس جديدة. لعل تجدد المواجهة الاخرى في مقديشو كانت هي الأعنف والأكثر دموية واصحبت هذه المرة لها امتداداتها الاقليمية وهي نوع من معادلة نتيجة واحدة لا تقبل الاحتمال وهي أن الجميع مهزوم.. وخبرة أطراف الاقتتال الداخلي في هذا البلد لا تكفي ليعوا أن الاحقاد شر مطلق يولد المزيد من العنف العبثي الذي سيجعلهم يصحون في النهاية على أطلال وطن تختزنه الذاكرة أكثر مما هو موجود على الواقع.. أما آن الأوان لوقف نزيف الدم والبدء بمصالحة صومالية حقيقية تداوي الجراح لتندمل بدلاًَ من فتح جروح جديدة في جسد ممزق لم يعد فيه مكان للمزيد.. ألم يكفِ الصوماليون صراعات.. ألم يكفهم ما سفك من الدم وما ألحقوه بوطنهم من الخراب؟! الى متى سيستمر الصومال في هذه التراجيدية المأساوية المحزنة؟! والى متى سيبقى الاشقاء العرب في موقع المتفرج على مشهد الموت الصومالي الذي طال أمده.. وأين دور المجتمع الدولي الذي ينظر الى الوضع الكارثي في هذا البلد الأفريقي كأنَّ أبناءه عدد زائد لا يستحقون الاهتمام الغربي ولا تنطبق عليهم مبادؤه وقيمه الانسانية التي أصبحت شعارات ترفع لتحقيق مآرب ومصالح هي أبعد ما تكون عن أهدافها الحقيقية حتى وإن طبقت فهي بمعايير مزدوجة؟!. إن العرب لو حاولوا منذ البداية لتمكنوا من احتواء هذا الصراع وأعادوه الى مسار الأمن والاستقرار.. وهم اليوم إن أرادوا قادرين على ذلك، فالصومال ليس مجرد بلد في القرن الأفريقي بل منطقة مصالح حيوية وعمق أمني واقتصادي على المحيط الهندي وجسر عبور الى القارة السمراء.. إما أن العرب تخلوا عن الصومال لأنهم تخلوا عن أن يكونوا أمة تاريخية لها حضارتها ومصالحها في الماضي والحاضر والمستقبل؟! أولأن الوضع كذلك.. فحان الوقت ليستوعب الصوماليون أنهم يقتلون ويقتلون في لعبة إقليمية ودولية ليس لهم فيها لاناقة ولا جمل.. وإن لم تنته نهائياً بمصالحة وطنية صومالية تسمو فوق الأحقاد والضغائن فإن لا أحد سيأتي لينقذهم ويخرجهم من أتون النار التي أشعلوها بأيديهم.. فهم وحدهم القادرون على إطفائها وإستعادة الأمن و الاستقرار والسلام والتفرغ لبناء مادمرته حروبهم.. عندها سيجبرون العالم على إحترامهم ودعمهم والوقوف الى جانبهم, فلا طريق إلى النصر وإستعادة الصومال موحداً أرضاً و إنساناً سوى المصالحة؟!