من المرجح أن تقوم بكين بتفعيل عناصر قوتها الناعمة عبر ترسيخ وتكثيف التبادلات الاقتصادية والاستثمارات بعد قمة جنيف بين الرئيسين الروسي والأمريكي توقع كثيرون أن تتراجع كثيرا التوترات في العلاقات مع الغرب الأطلسي لكن ذلك لم يحدث ولم تقلص الولاياتالمتحدة وحلف شمال الأطلسي نشاطهما العسكري بالقرب من الحدود الروسية، ولعل حادثة خرق المدمرة البريطانية قبالة سواحل القرم التي وصفها بوتين بأنها استفزاز واضح دبره ليس البريطانيون فحسب بل والأمريكيون أيضا فهل يمكن أن تؤدي المناورات لحلف الأطلسي على البحر الأسود إلى حرب فعلية بين روسيا وحلف الناتو؟ يقول نائب رئيس مجلس الشؤون الدولية ورئيس مركز الدراسات السياسية في روسيا يفجيني بوجينسكي في صحيفة "مسكوفوسكيا كمسامولتس": "هناك مقولة مفادها أن كل الأعمال العدوانية والهجمات التاريخية غالبا ما بدأت تحت ستار المناورات في البداية مناورات وبعدها تبدأ الأعمال الحربية الحقيقية لكن يمكنني القول بثقة بناء على محادثاتي مع شركائنا الأجانب لا أحد يريد الحرب مع روسيا فلا الولاياتالمتحدة ولا حتى بريطانيا على الرغم من كل تصرفاتها الغريبة ناهيكم ببقية الأوروبيين. وأوضح بوجينسكي أن أي نزاع مسلح بين القوات المسلحة الروسية والولاياتالمتحدة سرعان ما سيخرج عن التصعيد وهو أمر لا مفر منه ولا يمكن لأي بلد أن يتحمل رفاهية الهزيمة فمثل ذلك سينتهي بكارثة عالمية على الأرجح مع دمار الولاياتالمتحدةوروسيا والاتحاد الأوروبي فالجميع يدرك ذلك جيدا لذلك فإن كل هذه التصرفات والحوادث والتحليقات والاحتكاكات خطيرة ويمكن أن تؤدي إلى التفاقم لكن لن تكون هناك حرب حقيقية تحت ستار المناورات لدي قناعة عميقة بذلك في الوقت الحالي". مواجهة الأخطار التصعيد الخطير في البحر الأسود يأتي بعد اجتماعات مؤتمرات القمم الغربية التي خرجت في آخر قمة لحلف الناتو باتفاق موحد لمواجهة الأخطار المحتملة التي تشكلها كل من روسيا والصين وحلفائهما وكان ذلك هو الترتيب الذي سبق قمة جنيف. وفي غضون أيام من قمة جنيف تحول الوضع في البحر الأسود بسرعة إلى مصدر قلق جديد في العلاقات بين روسيا والغرب حيث تجري هناك مناورات وتدريبات عسكرية غربية تشارك فيها عدد من الدول إلى جانب أوكرانيا وتتزامن هذه المناورات مع مناورات أخرى لروسيا على البحر الأبيض المتوسط كل هذه التوترات تأتي بعد قمة جنيف التي كانت أهم موضوعاتها الحفاظ على الأمن والسلم العالمي والتعاون الاستراتيجي. يرى محللون ومراقبون أن الناتو يكثف من أنشطته لتهديد الأمن والسلم العالمي ويبدو أن تفاقم الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأسود تراها الولاياتالمتحدة بالفرصة التاريخية المواتية لإقلاق الخصوم بهذه التهديدات لا سيما منها توتير العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا التي تدور حول فلكها الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في إعاقة روسيا عن إقامة مشاريعها الاقتصادية مع أوروبا والشرق الأوسط ولعل توقيف مد أنابيب الغاز الروسي إلى ألمانيا وفرض عقوبات على الشركات الأوروبية العاملة على إمداد أنابيب الغاز عبر دول البلطيق (نورد ستريم- 2) إلى ألمانيا يأتي في سياق هذه الأهداف وحجم التكالب الأورو- أطلسي وتنامي أخطاره على روسيا وحلفائها هو ما حذا بالرئيسين الروسي والصيني إلى الالتقاء عبر دائرة تلفزيونية لحوار ثنائي واتفق الجانبان على تجديد الاتفاقية الدفاعية بين البلدين لخمس سنوات قادمة. الخطر الأكبر لقد اعتبر حلف شمال الأطلسي روسيا العدو الرئيس والصين هي الخطر الأكبر كقوة اقتصادية هائلة ذلك لأن الصين غدت الشريك التجاري الأول لأوروبا وتكشف الأرقام الاقتصادية بأنها تحقق أعلى نسبة استثمارات في الأسواق العالمية وفي الوقت ذاته أصبحت ممولا جيدا للعديد من مشروعات البنية الأساسية في مبادرة "الحزام والطريق" وقد نجحت في إشراك 170 دولة ومنظمة دولية في هذا المشروع بإبرام عقود واتفاقيات تشمل مشاريع البنية التحتية وإقامة شبكات الجيل الخامس في ألمانيا وقلب أوروبا وتعتبر ممولا لصناعات حيوية كادت تختفي في فنلندا والسويد واتخاذها ميناء جوادر الباكستاني ميناء وبوابة رئيسة لآسيا الوسطى وأوروبا على بحر العرب وبهذا سوف تتلاشى أهمية موانئ دول الخليج بما فيها ميناء البصرة وكذلك ميناء دبي كنقطة بحرية لإعادة التصدير لدول المنطقة وشرق أفريقيا وهي المخاوف التي كانت تتحسبها أبو ظبي منذ سنوات بعيدة فكل التجارة الحرة ستنتقل إلى ميناء جوادر الباكستاني وهناك فرصة كبيرة للموانئ العمانية والموانئ والجزر اليمنية للانتعاش لكن الإمارات سبقت ذلك باحتلالها هذه المناطق لمنع اليمن من الحصول على أي فرصة للتطور والازدهار والنهوض الحضاري. المشروع الصيني وعلى الرغم من الممانعة الأمريكية لهذا المشروع والضغوط الاقتصادية التي تمارسها فإن المشروع الصيني يمضي بقوة فهو يعطي حوافز كبيرة بربط دول العالم باقتصاد صيني يتنامى ويحقق قفزات هائلة مع غياب أي جهد أمريكي أو أوروبي لتقديم حلول لمشاكل الفقر في أفريقيا ودول آسيا الوسطى أو على أقل تقدير معالجات اقتصادياتها الضعيفة إضافة إلى أن قيادة الولاياتالمتحدة للاقتصاد العالمي وربط العالم بها وبعملتها أحدثت هزات متتالية بأسواق المال العالمية وممارسة الاحتكارات وفرض شروطها على رفع رسوم الضرائب وإلى ما هنالك من قيود لذلك فإن البحث عن بديل لهذا الاستئثار هو مطلب واقعي للمنافسة الحرة. فالصين أصبحت تمثل للأوربيين السوق الكبير والمصنع الضخم والمستثمر الذي يملك سيولة لا تتوافر لدى غيرها والشريك الذي يعتمد عليه وإن كان هناك قلق من هذه الريادة في النمو على مكانة الاقتصاديات الغربية وقد كشفت تصريحات السكرتير العام لحلف شمال الأطلسي ستولتينبرغ عن هذه المخاوف عندما أشار إلى سياسات الصين ونفوذها المتزايد عالميا فقال بأنها: تشكل تحديا لدول الناتو خاصة في ما يتعلق باستخدامها المعلومات المضللة وتطوير ترسانتها النووية واتباعها أساليب قمع الحريات وتحالفها مع روسيا وإجراء مناورات عسكرية بينهما في مناطق نفوذ الناتو في وقت لا يريد فيه الناتو أن يدخل حربا باردة جديدة تكون الصين طرفا فيها وحسم الأمين العام الموقف الأوروبي بوضوح قائلا: الصين ليست عدوا لنا بل رحب سكرتير عام الناتو بفتح صفحة جديدة بين الصين ودول الحلف في الوقت الذي أكد فيه أن الناتو باعتباره التحالف الأقوى عسكريا في العالم وعبر التاريخ يجب أن تتوحد توجهاته نحو الصين لمواجهة التهديدات المحتملة منها. الأخطار المحتملة ولا يخفي الاتحاد الأوروبي مخاوفه في قراءاته المستقبلية لتعاظم دور الصين فهو يرى فيها قوة بشرية واقتصادية هائلة بعد أن أصبحت الشريك التجاري الأول لأوروبا فتعدد الرؤى بين الحلفاء حول الأخطار المحتملة لم تعمل على وضع آلية للمواجهة فحسب بل بينت الخلفية التاريخية التي كانت تتعامل بها أوروبا والولاياتالمتحدة مع الصين منذ قرن تقريبا وهنا يمكن الإشارة بشكل سريع إلى سياسة الإمبريالية العالمية في الشرق الأوسط وفي بلدان العالم الثالث ومنها الصين. فبعد تفكك الاتحاد السوفيتي (السابق) اختل التوازن الاستراتيجي وأدى إلى ازدياد خطورة سباق التسلح والحروب الإقليمية والتوترات والنزاعات الدولية كل ذلك كان سببه السياسات الإمبريالية الاستعمارية الجديدة هذا من جانب ومن جانب آخر وجدت الولاياتالمتحدة نفسها بمواجهة مباشرة مع النمو الاقتصادي والتكنولوجي المتسارع لخصومها التقليديين وظهور دول على أسواق المنافسة التجارية بما أطلق عليها بدول النمور الآسيوية. وإذا ما عدنا قليلا للجانب التاريخي فإن أوروبا كانت تتصارع على مناطق كثيرة من العالم ومن بينها احتلال أراضي الصين حتى نهاية الحرب العالمية الثانية كما حدث في شنغهاي وتيانجين وهونغ كونغ واتصفت العلاقات الأمريكية مع الصين بأنها علاقة معقدة تنتقل من التقارب إلى الصراع خلال القرن الماضي ثم تحولت إلى علاقة صراع مع توجه بكين إلى النظام الاشتراكي وقيام جمهورية الصين 1949م إلى أن جاء وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كيسنجر وأقر سياسة "الاحتواء" لتبدأ مرحلة جديدة من التفاهمات بين البلدين. صعود تيار قومي وخلال العقود الماضية شهدت الصين صعود تيار قومي جديد يقوده الرئيس شي جين بينغ الذي تولي زمام السلطة في البلاد رافعا شعارات تستهدف إحياء الامبراطورية الصينية القديمة التي دمرها الغرب منذ 200 عام أثناء حرب الأفيون كان تلك أخبث عملية استعمارية واجهتها الصين في بداية القرن التاسع عشر عندما أقدم البريطانيون على توريد كميات هائلة من المخدرات كانوا قد جلبوها من الهند إلى الصين ليقايضوا بها مشترياتهم من الخزف والشاي وعندما أقدم بعض الوطنيين بقيادة (لين زيكو) 1839م على حجز وحرق كمية من تلك المخدرات وجدت بريطانيا حجة للتدخل المباشر وأعلنت ما يطلق عليه المؤرخون" حرب الأفيون " واحتل أسطولها مدينتي شنغهاي ونانكين وفرضت على الصين معاهدة نانكين في العام 1842م التي مكنت بريطانيا من التمتع بخمس موانئ والاستيلاء على هونغ كونغ. لقد رفض الرئيس الصيني شي جين بينغ لأي ضغوط أمريكية وغربية تؤدي إلى التحول الديمقراطي كما خططت لها سياسة "الاحتواء" التي انتهجها وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر الذي كان يرى بأن التحولات الاقتصادية وتحقيق حرية السوق وحركة رأس المال ودخول الشراكة الأجنبية ستعمل على دعم دور المجتمع المدني وتوسيع دائرة الحريات مع تعدد وسائل المعرفة والإعلام ستدفع نحو المزيد من الحريات العامة للمواطنين لدعم التحول الديمقراطي وأن تصبح الصين مجتمعا ليبراليا أشبه بما حدث من تحولات في الغرب وهو التصور الذي لم تقبله الصين خلال العقود الماضية مع تنامي قوة نظام الدولة واستفادتها القصوى من الخبرات الأمريكية والجانب التكنولوجي والاستثمارات الأجنبية في رسم خطط توجهات التحولات الاقتصادية وتوسيع سيطرتها وقبضتها على إدارة الدولة. الاقتصاد الهجين وعلى الرغم من دخول استثمارات أجنبية هائلة وشركات عالمية في البلاد وظهور نخبة من الشخصيات والعائلات شديدي الثراء وتنوع وسائل الاتصال والصلات بالخارج فإن الدولة مازالت هي التي تدير حركة الاقتصاد ما يعرف بالاقتصاد الاشتراكي أو كما يطلق عليه البعض بالاقتصاد الهجين (الاشتراكي- الرأسمالي) فالدولة هي التي تمنح سلطة إدارة الموارد والتحكم في السوق مع إعطاء فرص الاستثمار الواسع للشركات الوطنية والأجنبية. ويرى الرئيس شي جين بينغ بأن الديمقراطية يجب أن لا تمارس وفقا للرؤية الأمريكية فالعالم في رأيه متنوع في القيم ومناهج الحكم ومن غير المقبول أن يتم تنميطه على هيئة واحدة كما يريد الغرب كما ان ما حدث في الصين من تحولات اقتصادية كبيرة كان بمعزل عن الديمقراطية وحتى عن الرأسمالية كل ذلك يفسر أن التطور والازدهار الصناعي والتقني لم يرتبط بالمفهوم الرأسمالي إنما باتباع أساليب علمية حديثة في علم الإدارة وفي إعادة إصلاح النظام الإداري للدولة الذي اعتبره المسؤولون الجدد مفرطا في المركزية حيث خولت المنشآت الصناعية صلاحيات أوسع على نطاق اتخاذ القرارات في العمل الإنتاجي لسد حاجة السوق وأصبح المختصون الاقتصاديون والتقنيون يتحملون مسؤولية أكبر في رسم السياسة الاقتصادية كما تم انشاء مفهوم الربح وتشجيع الانتاج وزيادة الحوافز والمكافآت المادية ورفع سياسة الأجور وغيرها من الاجراءات في تحديث منظومة الهياكل الإدارية والقائمة تطول في الشرح جعلت الصين تصل إلى مستويات المنافسة بل والتفوق وجعلت منها الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة وأوروبا واليابان وافريقيا حيث تصنع الصين 30% من المنتجات الصناعية التي تطلبها واشنطن والأسواق الكبرى في العالم لحملة السندات الحكومية الأمريكية بمبالغ تراوحت ما بين 3,5 و4 تريليونات دولارات أمريكية وبهذا استطاعت الصين خلال العقود الثلاثة الماضية أن تحقق طفرات اقتصادية غير مسبوقة. وفي العام 2008م كان العالم يتجه نحو كارثة مالية بسبب أزمة تراكم الديون العقارية في الولاياتالمتحدة بينما خرجت الصين منها أكثر قوة وتولد لديها ثقة وعدد من الدول التي تدور في فلكها وقوى اقتصادية أخرى بأن الغرب وعلى رأسه الولاياتالمتحدة بدأ منحنى الهبوط الحضاري فهل هذا المؤشر يمنح الصين أن تستكمل مكامن قوتها الصناعية والتجارية والتقنية حتى تصبح الدولة الأولى في العالم خلال السنوات القادمة؟ محاولات احتواء ذلك ماهو محل اهتمام العالم والمؤسسات الاقتصادية الدولية إذ لم يكن تطور الصين قد حدث فجأة وخارج دائرة المراقبة الأمريكية طوال هذه المدة إنما كانت هناك محاولات جادة لاحتواء الصين والدفع بها لمعاداة روسيا وهذا ما حدث في العام 1966م، وكانت واشنطن على يقين باستحالة أن تكون بكين حليفة للغرب ولعل رؤية الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما حول الصين تتفق مع رؤية الرئيسين الجمهوريين السابقين للولايات المتحدة ريغان وجورج بوش بأن العلاقة مع الصين لن تنتقل إلى التحالف أبداً ومن هنا شرع أوباما منذ العام 2012م في انسحاب جزء من القوات الأمريكية من أفغانستان والشرق الأوسط وتدشين سياسة التوجه الآسيوي للسياسة الخارجية الأمريكية خاصة بعد أن رأت واشنطن أن حجم النمو الاقتصادي مكن بكين من أن تمتلك القوة العسكرية الثالثة في العالم بقدرات عسكرية وبحرية هائلة في فترة وجيزة لمنافسة الولاياتالمتحدة في مجالات الفضاء لتصبح ثاني دولة في الوصول إلى المريخ وفي عدد مركبات الفضاء وتمتلك قدرات نووية وتكنولوجية كبيرة لا تمكنها فقط من إمكانية توجيه ضربات عسكرية وسيبرانية قاتلة للمنشآت العسكرية والمدنية الأمريكية بل أن تكون بديلا دوليا لها كما حدث في ملكيتها لتكنولوجيا الجيل الخامس الذي يتميز بقدرات واسعة النطاق في نقل وتبادل المعلومات والتحكم في الأشياء عبر الأنترنت وهذا النمو السريع سيخلق تبدلات كونية على الارجح كما تذهب إليه تحليلات خبراء الاقتصاد بصعود دول إلى المراتب الأولى والثانية في المنافسة العالمية ومنها الصين وأمريكا وتليها روسيا وألمانيا واليابان والهند ويشير الخبراء إلى أن الصين ستكون قطباً دولياً على قمة الهرم الاقتصادي العالمي ما بين الفترة 2050- 2030م. بعد عقدين من الفشل يبدو أن انسحاب قوات حلف الأطلسي من أفغانستان قد حان بعد عقدين من الفشل للأسباب التالية: اولاً: أن الاتحاد السوفيتي الذي كانت جمهورياته تحادد أفغانستان قد تفكك إلى دول مستقلة وهنا يسقط التهديد الأمريكي ليصبح على مواجهة مع دول مستقلة ليست من الخصوم الرئيسة للولايات المتحدة. وثانياً: أن الولاياتالمتحدةالأمريكية اقتربت على التخوم والجوار لروسيا الاتحادية في دول البلطيق وأوكرانيا وتشكل بولندا عمقا استراتيجيا في هذا التطويق هذا بالإضافة إلى أن بولندا ودول البلطيق أعضاء في حلف الناتو. ثالثاً: أن الولاياتالمتحدة قد جعلت حركة طالبان متضخمة ولا تقبل بأي تسوية بعد فرض سيطرتها ونفوذها بينما ترى واشنطن تحقيق شروط التسوية السياسية قبل الانسحاب لتبقى بؤر التهديد قائمة في اللا استقرار في أفغانستان وتهديد دول الجوار . أما مسألة الانسحاب للقوات الأمريكية من الخليج أو العراق غير وارد حتى الوقت الراهن إلا متى حسمت ذلك وسائل القوة في مناهضة الوجود العسكري في العراق وسوريا وهو ما بات اليوم يهدد وجودها ويأتي قصف موقعين من قبل سلاح الجو الأمريكي واحد داخل سوريا وآخر في العراق على الحدود بين الدولتين في إطار محاولات واشنطن تنشيط استخدام أذرعها (القاعدة وداعش) ضد فصائل الحشد الشعبي في كل من العراق وسوريا وما يعيق ذلك هو تمركز قوات الحشد في المناطق الحدودية بينما تريد الولاياتالمتحدة التواصل مع العناصر الإرهابية لتمرير المساعدات لها عبر مناطق الحدود وإيجاد مناطق آمنة لتحركاتها وامدادها بوسائل الدعم اللازم لتنطلق منها لشن العمليات الإرهابية وعودتها إلى المناطق الحدودية الآمنة. انتهاك سافر وقد ندد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بالضربات الأمريكية على فصائل عراقية معتبرا ذلك انتهاكا سافرا لسيادة العراق وأن هذه القوات قوات تابعة للدولة العراقية كما اتهم وزير الخارجية السوري فيصل المقداد البلدان الغربية بمحاولة تمرير المساعدات إلى "العناصر الإرهابية" مشددا على ضرورة إدخال هذه المساعدات عبر دمشق فقط وفي حديثه مع قناة" آر تي" أكد المقداد أن الهدف الأساسي للغرب هو تمرير المساعدات للعناصر الإرهابية مثل جبهة النصرة وداعش والخوذ البيضاء في الاراضي السورية وأضاف: إذا كانت الولاياتالمتحدة صادقة فيما يخص المساعدات فإن سوريا مستعدة لإدخالها عبر دمشق وليس عبر الحدود السورية التركية أو أي حدود أخرى. وأشار المقداد إلى أن الولاياتالمتحدة لا تهتم بحياة الشعب السوري والدليل على ذلك عدم رفعها الإجراءات القسرية والعقوبات التي تريد منها واشنطن منع دخول لقمة خبز لو تمكنت من ذلك. وأكد الوزير السوري على أن الوجود الأمريكي في سوريا غير شرعي وهو مدان وغير مسموح بحسب قرارات مجلس الأمن الدولي ويجب أن ينتهي فوراً. وبخصوص القمة التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الأمريكي جو بايدن لفت المقداد إلى أن جدول الأعمال الذي أتى به بايدن لم يكن موفقا لأن الجانب الأمريكي ليس مخلصا فيما يتعلق بقضايا الأمن والتعاون الاستراتيجي ولا بقضية سوريا. كما أعرب المقداد عن ثقة دمشق العالية بروسيا مضيفا أنه يعتقد أن الرئيس بوتين أخبر نظيره الأمريكي بما يجب على الولاياتالمتحدة القيام به لإنهاء وجودها في سوريا ووقف التدخل بشؤوننا الداخلية ووقف دعم التنظيمات الإرهابية. القوة الناعمة تراقب الصين باهتمام بالغ انسحاب واشنطن العسكري التدريجي ليس فقط من أفغانستان بل كذلك إخلاء القوات الأمريكية من العراق وسوريا ومن المرجح أن تقوم بكين بتفعيل عناصر قوتها الناعمة عبر ترسيخ وتكثيف التبادلات الاقتصادية والاستثمارات ما يتيح لها على وجه الخصوص الاستمرار بخطواتها في استكمال مشروع الحزام والطريق وهكذا سيكون الشرق الأوسط الكبير في قلب صراعات الثلاثي الغربي الصيني- الروسي وسيكون على القوى الإقليمية التموضع تبعا لذلك ومن هنا ليس من الضروري إذا توجهت إدارة بايدن لتمديد الوضع القائم أو تحبيذ مشاريع في بعض الحالات أن تقبل القوى المتنافسة الأخرى بذلك مما يترك الباب مفتوحا على عدة احتمالات وعلى سبيل المثال سيكون مستقبل إيران الاقتصادي إذا ماتم رفع العقوبات محور صراع بين عدة لاعبين الاتحاد الأوروبي الصين روسيا. وانطلاقا من ذلك فإن الشرق الأوسط سيكون محل صراع القوى الدولية الكبرى إذ تبدو الاحتمالات ضعيفة أن تكون منطقة هادئة بالقياس لما سبقها خاصة إذا ارتبطت باستمرار مناخات توتير الأجواء وغياب التفاهمات أو ما يمكن أن يمهد الطريق لوقف التدهور لبلورة حوارات مكثفة تصل بالمنطقة إلى حالة الاستقرار الدائم.