مرت علينا في الأسبوع الماضي من شهر سبتمبر الذكرى ال 11 لثورة 21 من سبتمبر المجيدة وتمر علينا الآن الذكرى ال 63 لثورة 26 من سبتمبر الخالدة. فقد كانت ثورة 26 من سبتمبر 1962م نقطة تحول فارقة في التاريخ اليمني على مستوى اليمن من جهة ومن جهة أخرى على مستوى الجزيرة العربية، حيث تعتبر اليمن الوحيدة ذات النظام الجمهوري بجانب الدول الملكية، والتي أطاحت بالنظام الملكي المستبد وأعلنت على أثرها قيام النظام الجمهوري ورسمت في سبيل ذلك العمل على تحقيق سته أهداف كما يلي: 1- التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات. 2- بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها. 3- رفع مستوى الشعب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا. 4- انشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد انظمته من روح الإسلام الحنيف. 5- العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة. 6- احترام مواثيق الأممالمتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم. ولم يكن التحول الذي حصل في اليمن سهلًا، حيث تحالفت عدة دول على الثورة الوليدة منها دول عربية وأخرى أجنبية لإحباط تلك الثورة والعمل على إخمادها. انتهت الحرب والحصار وانتصرت الثورة وتم تثبيت النظام الجمهوري، لكنها خلفت خسائر بشرية ومادية هائلة، كما واجهت الثورة الكثير من الانتكاسات على مر العقود وبحسب العديد من المحللين فان الثورة لم تحقق جميع أهدافها بشكل كامل حيث واجهت ضغوطات من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدةالامريكية من خلال تدخلهم في القرار السياسي اليمني. وفي العام التالي لقيام ثورة سبتمبر اندلعت ثورة 14 أكتوبر 1963م في جنوباليمن ضد الاحتلال البريطاني لمدينة عدن وعدد من المحميات في المحافظات منذ 1839م، عمل الاحتلال على استنزاف الثروات المعدنية والاستغلال الاقتصادي في جنوباليمن، بحيث جعلت بريطانيا من عدن قاعدة عسكرية وتجارية استراتيجية لها، مستفيدة من موقعها الجغرافي دون إعطاء السكان حقوقهم الاقتصادية الكاملة وعملت على قمع الحريات والتمييز الطبقي كان يتمتع البريطانيون والمتعاونون معهم بامتيازات بينما عانى الكثير اليمنيون, ولذا كان لقيام ثورة 26 سبتمبر 1962م والتخلص من الاستبداد دفعة قوية لقيام ثورة 14 أكتوبر 1963م, ولذا أجبرت ثورة 14 اكتوبر بريطانيا على الانسحاب، واعلان الاستقلال نهائياً في 30 نوفمبر 1967، لتقوم دولة اليمنالجنوبي. شكلت الثورتان ال 26 سبتمبر و14 أكتوبر حُلمًا وطنيًا واحدًا لتحرير كل اليمن وتوحيده، وهو ما تحقق لأبناء اليمن في تاريخ 22 مايو 1990م. ولكن سرعان ما اعترى الوحدة اليمنية اختلالات وانحرافات، وحصول الانفلات الأمني مما زاد في كثرة الاغتيالات والتفجيرات للشخصيات الوطنية من أبناء اليمن وخاصة بعد ثورة الشباب في العام 2011م وما آلت اليه الأوضاع في انهيار الدولة مما تطلب الى تصحيح تلك الاختلالات واعادت المسار الصحيح للثورة والتخلص من الهيمنة الخارجية فكان لابد ثورة لتصحيح ذلك.. لذا جاءت ثورة 21 سبتمبر 2014م نتيجة لتلك التراكمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الطويلة، وكان الهدف منها: بناء نظام سياسي بديل يعبر عن إرادة الشعب وليس عن مصالح الخارج، قائم على أسس متطورة ومؤسسات قوية تحقق العدالة وتكافح الفساد، وإنهاء الهيمنة والوصايا الخارجية وبناء دولة وطنية مستقلة وعادلة، والسعي لاستقلال القرار الوطني، والعمل على استعادة السيادة الوطنية، وتصحيح المسار للثورات اليمنية السابقة ولما اعترى الوحدة اليمنية من اختلالات وتخليص الثورة الأم من "الانحراف" ودعم الزراعة المحلية والصناعة، وتحسين الخدمات للمواطن, بناء القوة العسكرية، ويعتبر من أبرز انجازات الثورة هو تطوير القوات المسلحة، وخاصة القوات البحرية والقدرات الصاروخية والمسيرة. وهو ما فرض اليمن كفاعل في المعادلة الإقليمية، خاصة في البحر الأحمر وعلى مستوى دول الجوار وعلى مستوى العدو الحقيقي ستستمر الضربات الموجهة ضد إسرائيل بقوة أكبر في إطار "نصرة الشعب الفلسطيني". اما العلاقة بين تلك الثورات فإذا كانت ثورة 26 سبتمبر عملت على تحرير شمال اليمن من الاستبداد الداخلي من النظام الامامي وإقامة نظام جمهوري والتخلص من النظام الملكي، فإن ثورة 14 أكتوبر عملت على تحرير جنوباليمن من الاستعمار الخارجي من بريطانيا والتحول من النظام الرأسمالي الى النظام الاشتراكي، وإن ما قامت به ثورة 21 سبتمبر هو تحرير اليمن كله من الهيمنة الخارجية والوصايا والاستقلال بالقرار السياسي والعمل على "استكمال الاستقلال والخروج من الوصايا" وإعادة بناء الدولة على أسس "الحرية والعدالة". من ينظر إلى ثورة 21 سبتمبر كسلسلة متصلة يراها كثورة تصحيحية تستكمل مسيرة التحرر من الهيمنة وتعيد اليمن إلى جوهر أهداف ثورتي 62 و63. كما أن هناك توافقاً بين العدوان على الثورتين ثورة 26 سبتمبر وثورة 21 سبتمبر، فقد شنته نفس التحالفات الدولية العدوانية عليهما والمواجهات التي شهدها اليمن عقب تلك الثورات، مع تطور في طبيعة القوى الفاعلة سواءً كانت إقليمية من دول الجوار أو الدول العربية أو الدول الاجنبية.