بشأن تشكيل اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات: نحاول فيما يلي عرض مقاربة تحليلية موجزة تتعلَّق بإيجابيات وسلبيات وتحديات وصعوبات ذات الصلة بقرار رئيس الوزراء رقم 9 لعام 2025م الصادر بتاريخ 22 يونيو 2025م، بتشكيل اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات في المناطق المحررة، خاصة في ظل الظروف الحالية والتحسن المفاجئ والمتسارع لسعر صرف الريال اليمني، وكانت اللجنة قد عقدت أول اجتماع لها في 17 يوليو 2025م في ظل عددٍ من التحديات الاقتصادية المعقدة التي تواجهها البلاد، حيث تسعى الحكومة إلى استعادة دور المؤسسات الرقابية والتنفيذية، وتعزيز الشفافية وتكافؤ الفرص بين التجار والمستوردين، وفق ضوابط واضحة تضمن عدم تكرار الانتهاكات السابقة. وتشير التوقعات إلى أنَّ اللجنة ستلعب دوراً محورياً في مراقبة تدفق التمويلات الخاصة بالاستيراد، وربطها بالموافقات الجمركية وبضمانات مصرفية موثوقة، بهدف الحد من التلاعب وحماية الاقتصاد الوطني من الممارسات غير المشروعة التي طالت مختلف القطاعات وفي المقدمة منها القطاع التجاري والأعمال العشوائية طيلة السنوات الماضية. إيجابيات القرار 1. تنظيم وترشيد الواردات: - يساعد القرار في تنظيم الاستيراد ومنع استنزاف العملات الأجنبية في استيراد سلع غير أساسية أو غير ضرورية، وهو ما يساهم في ضبط الطلب على العملة الأجنبية. 2. السيطرة على المضاربات والحدّ من السوق السوداء: - عبر فرض رقابة صارمة على مصادر تمويل الواردات، ستقل فرصة استخدام السوق السوداء، وبالتالي تقليل التقلبات في سعر الصرف. 3. تحقيق الاستقرار النسبي في أسعار الصرف: - توجيه النقد الأجنبي وفق الأولويات يساهم في تخفيف الضغط على العملة المحلية، مما يؤدي إلى تعزيز الاستقرار النقدي نسبياً.
4. تشجيع الإنتاج المحلي: - قد يؤدي تقييد بعض الواردات إلى تحفيز الإنتاج المحلي كبديل تدريجي عن بعض السلع المستوردة، مما يشجع الصناعة المحلية ويوفر فرص عمل جديدة. 5. تحسين التنسيق بين المؤسسات الحكومية والبنوك: - القرار يعزز التعاون بين الجهات الحكومية والبنوك التجارية، مما يؤدي إلى تنسيق أفضل في السياسات المالية والنقدية، وضمان شفافية العمليات المالية المتعلقة بالواردات. سلبيات القرار 1. احتمالية خلق سوق سوداء موازية: - أي قيود شديدة على التمويل قد تدفع بعض المستوردين إلى اللجوء لأسواق موازية للحصول على العملة الأجنبية، مما قد يؤدي إلى تضخم السوق السوداء بدلاً من السيطرة عليها. 2. مخاطر الفساد الإداري والمالي: - منح لجنة واحدة صلاحيات واسعة في تمويل وتنظيم الواردات قد يخلق فرصاً للفساد والمحسوبية إذا غابت الشفافية والمساءلة. 3. زيادة البيروقراطية: - القرار يضيف مستوىً جديداً من الإجراءات الإدارية التي قد تبطئ عمليات الاستيراد وتزيد من تكلفة المعاملات، ما قد ينعكس على أسعار السلع وتوفرها في السوق. 4. انعكاس سلبي على الاستثمارات والتجارة: - فرض قيود إدارية على الاستيراد والتمويل قد يرسل إشارات سلبية للمستثمرين والتجار، ما قد يؤدي إلى تراجع الثقة في مناخ الاستثمار في المناطق المحررة. التحديات والصعوبات الماثلة أمام القرار في ظل الظروف الراهنة 1. عدم وضوح مصادر التمويل: - في ظل غياب واضح للودائع الخارجية والمساعدات الدولية الكبيرة، سيصعب على اللجنة توفير النقد الأجنبي الكافي لتمويل الاحتياجات الأساسية. وهنا أجدّد الدعوة إلى الإيقاف النهائي لصرف المرتبات والمكافآت والبدلات بالعملة الصعبة سواء لمن هم في الداخل أم من هم في الخارج من أعضاء مجلسي النواب والشورى، ومحافظين وخبراء ومستشارين، وإلى تخفيض عدد العاملين في السلك الدبلوماسي والإداري في السفارات والقنصليات بنسبة 50%، وتجميد التعيينات الجديدة في السفارات والقنصليات، والابتعاث للدراسة في الخارج. 2. ضعف البنية التحتية المالية والمصرفية: - ضعف القدرات المؤسسية للبنوك والمصارف والبنك المركزي قد يعرقل تطبيق هذا القرار بشكل فعال، ويحد من قدرات اللجنة على تنفيذ مهامها. 3. الظروف الأمنية والسياسية: - استمرار الوضع الأمني والسياسي بما فيه من تجاذبات قد يؤثر سلباً على تنفيذ القرار ويزيد من تعقيدات التنسيق بين الأطراف الحكومية والتجار والبنوك. 4. مقاومة التجار والمستوردين: - قد يواجه القرار معارضة شديدة من التجار والمستوردين، الذين قد يتضررون من تقييد عمليات التمويل، ما يؤدي إلى صعوبات كبيرة في التنفيذ. أثر القرار على التحسن المتسارع لسعر صرف الريال اليمني - رغم أن القرار يهدف إلى ضبط سوق الصرف ومنع المضاربات، إلا أن التحسن الحالي في سعر الريال، إذا كان ناتجاً عن مضاربات أو عوامل نفسية وليس عن تحسن حقيقي في الموارد، فإنه سيكون قصير المدى. - قرار تنظيم الواردات قد يساعد مرحلياً في استقرار العملة، لكن دون توفير مصادر مستدامة للنقد الأجنبي (مثل صادرات حقيقية، أو تحويلات خارجية كبيرة، أو مساعدات دولية مؤكدة)، قد يعود سعر الصرف للتقلب مجدداً. - في حال فشل اللجنة في السيطرة على السوق السوداء، قد يؤدي القرار إلى تقلبات حادة في سعر الصرف مرة أخرى. خامساً: توصيات لتعزيز فعالية القرار 1. الشفافية والمساءلة: - تعزيز آليات الرقابة على أداء اللجنة والتقارير الدورية حول أعمالها لتعزيز الشفافية ومنع الفساد. 2. تسهيل الإجراءات الإدارية: - تسهيل إجراءات الموافقة على التمويلات وتقليل البيروقراطية لتفادي تأخر الاستيراد أو ارتفاع تكلفة العمليات التجارية. 3. تحسين التنسيق والتواصل: - تعزيز التواصل المستمر مع القطاع الخاص وتوضيح السياسات الجديدة والتشاور مع المستوردين لضمان تعاونهم. 4. البحث عن مصادر تمويل إضافية: - بذل الجهود الدبلوماسية للحصول على ودائع أو تمويلات خارجية من مؤسسات مالية دولية وإقليمية لضمان توفر النقد الأجنبي.
ولقرار رئيس الوزراء بتشكيل اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات أهداف مهمة أبرزها تحقيق الاستقرار في سعر صرف العملة، وضمان توفر السلع الأساسية. لكن نجاح هذا القرار مرتبطٌ بشكلٍ رئيس بتوافر مصادر حقيقية للنقد الأجنبي، وتحسين القدرات المؤسسية للمؤسسات المالية، وخلق مناخٍ استثماريٍّ إيجابي، وتجنب البيروقراطية، مع ضرورة تفعيل مبادئ الشفافية والمساءلة لتفادي السلبيات والمخاطر المحتملة. أ. د. جلال حاتم 1 أغسطس 2025م