"مسام" ينتزع أكثر من 1800 لغم حوثي خلال أسبوع    وسائل اعلام اسرائيلية: هجوم اسرائيلي أمريكي شاركت فيه عشرات المقاتلات ضد اهداف في اليمن    وقفة نسائية في حجة بذكرى الصرخة    ثلاثة مكاسب حققها الانتقالي للجنوب    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    عشرات الغارات استهدفت ثلاث محافظات    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الافراج عن موظفة في المعهد الديمقراطي الأمريكي    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    تواصل اللقاءات القبلية لإعلان النفير العام لمواجهة العدوان الامريكي    سوريا .. انفجار الوضع في السويداء بعد دخول اتفاق تهدئة حيز التنفيذ    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    بمتابعة من الزبيدي.. إضافة 120 ميجا لمحطة الطاقة الشمسية بعدن    الرهوي يناقش مع الوزير المحاقري إنشاء منصة للأسر المنتجة    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    الكثيري يبحث مع فريدريش إيبرت فتح آفاق دعم دولي للجنوب    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    إلى رئيس الوزراء الجديد    عطوان ..لماذا سيدخل الصّاروخ اليمني التّاريخ من أوسعِ أبوابه    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    الأرصاد تتوقع أمطاراً رعدية بالمناطق الساحلية والجبلية وطقساً حاراً بالمناطق الصحراوية    تفاصيل جديدة لمقتل شاب دافع عن أرضه بالحسوة برصاص من داخل مسجد    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    من أين تأتي قوة الحوثيين؟    رسميًا.. بايرن ميونخ بطلًا للبوندسليجا    تشيلسي يضرب ليفربول ويتمسك بأمل الأبطال    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي يعزي في استشهاد عمر عبده فرحان    وسائل إعلام غربية: صدمة في إسرائيل..الصاروخ اليمني يحرق مطار بن غوريون    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    وزير الصحة ومنظمات دولية يتفقدون مستشفى إسناد للطب النفسي    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    فيما مصير علي عشال ما يزال مجهولا .. مجهولون يختطفون عمه من وسط عدن    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    تطور القدرات العسكرية والتصنيع الحربي    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    مرض الفشل الكلوي (3)    التحذير من شراء الأراضي الواقعة ضمن حمى المواقع الأثرية    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحيفة تكشف لأول مرة عن وثائق أمريكية خطيرة لماذا إعدام سالمين؟
نشر في شبوة الحدث يوم 14 - 07 - 2017

نشرت صحيفة (اليوم الثامن) الورقية وثائق سرية تكشف لأول مرة، يوردها عضو في الكونغرس الأمريكي زار اليمن الجنوبي والدولة الوليدة عقب استقلالها من الاستعمار البريطاني، إبان حكم الرئيس سالم ربيع علي (سالمين).
وتكشف الوثائق معلومات خطيرة للغاية عن كيفية وأد دولة اليمن الجنوبي، والأسباب التي دفعت لإعدام الرئيس سالمين، وتشرح حقيقة (مهمة عضو الكونغرس الأمريكي في عدن)، ومن هو (إد فرنكلين).. ولماذا حكم عليه بالسجن في عدن وما علاقته بعضو الكونجرس؟. وكيف عمل السوفيات على السيطرة على حكومة عدن ليتحكموا عمليا بقناة السويس من الجنوب. واتهامات وزبر الخارجية الجنوبي لأمريكا والسعودية بإثارة الشغب على طول الحدود.
والكثير من الحقائق التي تنشر لأول مرة عن تلك الحقبة التاريخية وطبيعة الصراع السياسي الدولي وانعكاساته على المنطقة، وكيف أدى كل ذلك إلى إجهاض الدولة الوليدة في الجنوب.
يكتب فندلي عضو الكونغرس الأمريكي في الوثائق التي نشرها صحيفة اليوم الثامن : “انخراطي الشخصي في شؤون الشرق الأوسط السياسية، بدأ بمشكلة انتخابية في دائرة لا علاقة مباشرة لها بالنزاع العربي الإسرائيلي، كان ذلك في ربيع 1973م عندما تلقيت رسالة من السيدة إيفانز فرنكلين المقيمة في دائرتي الانتخابية، وكانت مراسلة محلية لصحيفة ريفية كنت في يوم من الأيام رئيس تحريرها، وفي تلك الرسالة تناشدني السيدة فرنكلين مساعدتها في الإفراج عن ابنها (إد) المحتجز في سجن بعيد. فقد أدين بالتجسس وحكم عليه بالسجن الانفرادي خمس سنوات في عدن عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الماركسية). وبعد أن اطلعت على الرسالة أخذت أراجع الخارطة، فكل ما أعلمه هو أن عدن كانت في يوم من الأيام قاعدة بريطانية رئيسية.
علمت من الأم المتظلمة أنه لولا إلغاء عدد من الرحلات الجوية لما اضطر ولدها إلى دخول عدن إطلاقا.. فقد كان عائدا من إثيوبيا إلى مركز عمله كمدرس في الكويت عندما أمرت الطائرة بتغيير طريقها والهبوط في عدن حيث تأخر (إد) مرة أخرى بسبب إلغاء رحلة الخروج، وشاء سوء طالعه أن يتلهى بهوايته فيلتقط صورا في منطقة محظورة من غير علم بالتحذيرات المحلية، وكان العدنيون مازالوا ينفعلون عند رؤيتهم زوارا شقر الشعر، إذ ما برحوا يذكرون الغارة التي شنها الكوماندوس البريطانيون بُعيد جلائها عن عدن قبل ست سنوات. وبعد أن احتجز (إد) مدة شهر لاستجوابه جرت له محاكمة أدين فيها وحكم عليه بالسجن، وقد بذلت معظم المساعي لتأمين الإفراج عنه دون أية مساعدة من وزارة خارجيتنا. فلم يكن لحكومتنا أية علاقات دبلوماسية أو غير دبلوماسية مع عدن منذ انقلاب 1969م الذي جنح بنظام الحكم فجأة نحو اليسار، وهذا يعني انه لم يكن باستطاعة وزارة الخارجية أن تقوم بأي تحرك مباشر، فطلبت المساعدة من صديق في السفارة المصرية بواشنطن، وبعث والدا (إد) وهما من متوسطي الحال برسالة إلى الرئيس العدني سالم ربيع علي ملتمسين منه الرأفة، وبعثت أنا بالتماس مماثل، وطلبت حكومتنا المساعدة من بريطانيا عن طريق سفارتها في عدن إلا أن جميع هذه المبادرات ذهبت أدراج الرياح. وفي كانون الأول (ديسمبر) 1973م قمت بزيارة عبدالله الأشطل، سفير عدن لدى الأمم المتحدة بنيويورك، وسألته عما إذا كان بوسعي أن أتوجه شخصيا إلى عدن لتقديم التماس بالإفراج عنه، والأشطل دبلوماسي شاب قصير القامة وسيم الطلعة، كان يحضر دروسا مسائية عالية في جامعة نيويورك، وقد وعدني برد سريع، وجاء الرد بعد أسبوعين بالترحيب بزيارتي.
إذا قررت الذهاب كان علي أن أسافر وحدي لأكون أول عضو من مجلس النواب أو مجلس الشيوخ في الكونغرس الأمريكي يزور عدن منذ أن أصبحت جمهورية عام 1967م، وأول رسمي يزورها منذ أن قطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد الانقلاب بسنتين، ومع أن مشروع الزيارة كان مثيرا فإنني قد توجست منه شراً، خصوصا وأنني لست مبعوثا مفوضا، ووزارة خارجيتنا تعتبر اليمن الجنوبية التي يقال عنها أحيانا كوبا العالم العربي، أكثر الدول راديكالية.
وعند ذاك تواردت على ذهني الخواطر المقلقة، وأخذت أفكر كيف سيكون استقبالهم لي، وتداولت في أمر هذه الرحلة مع لفردل.اثرتون، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا. فسألته (لو حدث واحتجزوني فما عساكم تفعلون أولا؟) فابتسم وأجاب (أبحث عن عضو آخر في الكونغرس ليتقدم ويخرجك). ومع ذلك فربما كنت الشخص الوحيد الذي باستطاعته مساعدة أسرة فرنكلين.. وقالت لي الوالدة (أشك في أن إد سيبقى حيا خمس سنوات في سجون اليمن)، وأفصحت لي زوجتي لوسيل عن مخاوفها من الرحلة، ولكنها وافقت على أنه لم يكن أمامي خيار غير السفر، وخطر ببالي أن هذه الرحلة قد تكون فرصة لفتح الباب أمام علاقات أفضل مع هذا الجزء الحيوي من العالم، على الرغم من قلة المعلومات عنه.. ونظرا لاحتمال إعادة فتح قناة السويس في وقت قريب حينها، فإن إقامة علاقات أفضل مع عدن قد تكون مهمة للمصالح الأمريكية في المحيط الهندي. ثم إن عدن إضافة إلى جيبوتي الخاضعة للسيطرة الفرنسية تهيمن على مضيق عالمي الشهرة ومهم جدا ويعتبر بوابة قناة السويس، وإذا نجح السوفيات الحاضرون فعلا بواسطة بعثات المساعدة والمستشارين العسكريين في السيطرة على حكومة عدن تحكموا عمليا بالقناة من الجنوب، فكان من الواضح عدا الإفراج عن
إد فرنكلين أن الولايات المتحدة بحاجة إلى علاقات طيبة مع عدن.
وفي طريق عودتي إلى شقتي أبلغت مرافقي برغبة فرنكلين في الحصول على مواد الكتابة فاكتفى بالرد (سأرفع تقريرا بذلك). أمضيت يوم الجمعة (وهو يوم العطلة الأسبوعية عند المسلمين) في المناطق الريفية المجاورة المقفرة، والشيء الوحيد الذي قد يلفت نظر السائح هو بئر حجرية ضخمة أثرية لاختزان مياه المطر النادر، وفي المساء شاركني العشاء القنصل البريطاني، وهو رجل رقيق القلب وكان من وقت لآخر يقدم لفرنكلين بعض الكتب للمطالعة. ومما يذكر هنا أن البريطانيين أدركوا منذ زمن طويل أهمية الاحتفاظ بعلاقات دبلوماسية حتى مع أنظمة الحكم المعادية، وقد أنشأوا لهم سفارة في عدن بعد مغادرتهم بقليل. وصباح السبت حضر إلى شقتي وزير الخارجية السيد محمد صالح مطيع، حيث تباحثنا مطولا في العلاقات الأمريكية - العدنية.
وكان موضوعه الرئيسي هو (الفلسطينيون تحت الاحتلال الإسرائيلي) وموضوعي الرئيسي هو فرنكلين، ولكنه اتهم الولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة المملكة العربية السعودية على إثارة الشغب على طول حدود عدن. فأعربت عن انزعاجي من هذه التهمة، وقلت له لا علم لي بمثل هذه الأعمال، وتمنيت أن أساعد على تحسين العلاقات، فقال السيد مطيع (الماضي لم يكن حسنا غير أن الحاضر يبدو أفضل).
وبعد المداولة أمضيت وقتا طويلا دون طائل في محاولة الحصول على لائحة المشتريات التي حملتني إياها أسرتي، فلم يكن في السوق سوى عدد قليل من أجهزة الراديو اليابانية الرخيصة وبعض الحلي الصغيرة وكان السوق خاليا تقريبا من المشترين، وعندما عدت إلى قصر الضيافة تملكتني الدهشة حين رأيت مجموعة من الهدايا لفت كل واحدة منها بإتقان بينها جنبية- أي الخنجر اليمني المعقوف التقليدي- وغليون كبير احتفالي، ومع تلك الهدايا رقعة كتب عليها (مع تحيات رئيس الجمهورية). ترى هل هذه الهدايا مجرد مغريات لتحل محل فرنكلين في رحلة العودة إلى وطني؟ أم أنها بشرى النجاح؟ في الواقع أنني لم أجرؤ على تصديق الفكرة الأخيرة. فلم يصدر أي تلميح بأن الحكومة تنوي تخفيض مدة سجن فرنكلين، ولكنها وافقت على الأقل على تزويده بقلم وورق.
وفي زيارتي الثانية لفرنكلين بدا لي أكثر ارتياحا وقد قبل الأقلام والورق التي أحضرتها له معي، وعلق قائلا: (آمل ألا احتاجها بعد هذه الليلة)، فقلت أنه ليس ثمة ما يدعوني إلى الأمل بأنه سيرافقني في طريق العودة، وكان حدسي أن السلطات العدنية ستفرج عنه قريبا.
ومساء اليوم الذي سبق رحيلي استقبلني الرئيس سالم ربيع علي داخل مقره المحاط بحراسة شديدة وهو يضم منزله ومكاتبه. وقد أدخلوني إلى قاعة استقبال مستطيلة تزينها طنافس زرقاء مشجرة وستائر ذهبية تغطي جدرانها الثلاثة أما الجدار الرابع فينفتح على فناء فسيح وراء المقر.. علقت بالسقف المراوح على صفين متقابلين وفي وسط القاعة مجموعة وحيدة من الأرائك والمقاعد المذهبة التنجيد.
وما إن بلغت دائرة المفروشات حتى دخل الرئيس علي بصحبة وزير خارجيته ومترجم من الباب الذي دخلت منه، ولم أكن بحاجة إلى من يعرفني بالرئيس العدني إذ رايته في الصور المعلقة في أماكن عديدة من عدن، إلا أن تلك الصور، والحق يقال، لم تكن منصفة له، فهو رجل مديد القامة قوي البنية وهو في الأربعين من عمره وقد اختلط شعره الأسود ببعض البياض وبعد تبادل التحيات شكرته على حسن ضيافته وهداياه ثم بدأت بتقديم هداياي أولا كتاب لنكولن وتمثاله ثم المنح الدراسية. وكان بالطبع ينتظر كتاب كسينجر الذي يدل على الوزن الذي تعلقه الولايات المتحدة على مهمتي، وعندما سلمته إياه حاولت أن أتوسع في شرح أهميته، قلت (لعل فخامتكم تسمحون لي بالإدلاء ببعض الشروح إن هذا الكتاب يعرض بصفة رسمية رغبة الولايات المتحدة في إعادة العلاقات الدبلوماسية. وهذا شيء مهم وحكومتنا بحاجة إلى هذه العلاقات لتفتح سياسات عدن ومشكلاتها. غير أن رئيس الولايات المتحدة ووزير الخارجية يستطيعان تجاوز حدودهما في السياسة الخارجية ولا يفعلان إلا ما يوده الكونغرس، ولذلك فمن المهم أيضا أن يتفهم أعضاء الكونغرس على نحو أفضل أوضاع عدن والعالم العربي عموما).
فرد علي الرئيس (إن عدن مثل متألق للجمهورية أما المناطق الأخرى من بلادنا فوضعها مختلف جدا وسكانها أكثر فقرا). وهنا كدت أغص بريقي، إذ لم أشاهد غير عدن، وقد هالني الفقر المدقع الذي يعيشه هذا (المثل المتألق) الذي ضربه الرئيس علي، فكيف تكون الحال إذاً في الأماكن الأخرى؟ وفيما كنت أدون بعض الملاحظات أخبرني الرئيس أن مساعي حكومته لمكافحة الفقر تعرقلها أعمال (تخريبية) من الدول المجاورة.
وقال صراحة (إن شعب بلادنا يعتقد إن كل المآسي وكل الأضرار الناجمة عن أعمال المخربين هي في الحقيقة من فعل الحكومة الأمريكية، فجميع العتاد الذي صادرناه هو من صنع أمريكي)، وقال إن في وسعي تفحص بعضه خارج المقر.
قلت: (إن هذه المعلومات غير معروفة في الولايات المتحدة، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى العلاقات الدبلوماسية لوضع حد لمثل هذا الأذى).
فأجاب واقفا (إنني أحبذ إقامة علاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن يجب أن تكون ذات صلة بالأمور التي يشكو منها شعبي الآن).
وأضاف (إن عدن لا ترغب في الانعزال عن الولايات المتحدة). وشكرني الرئيس علي على الهدايا معلنا انتهاء المقابلة، فأحسست أن الفرصة التي طال انتظاري لها قد حانت لأقتنصها وأتقدم بالتماس بشأن فرنكلين.
غير أن الرئيس سالم ربيع علي وفر علي مؤونة ذلك بالقول: أما بخصوص السجين فحالما علمت باهتمامك عملت على التأكد من عمل معاملة تفضيلية ودرست تلبية طلبك وبوسعك أن تأخذه متى تشاء. لم أكد أصدق ما سمعت.. (وبوسعك أن تأخذه وقت تشاء!).. غمرتني الفرحة حتى أنني عثرت أثناء خروجي من القاعة.. فرنكلين حر طليق، وبالفعل وجدته بانتظاري في شقتي. وفي الساعة السادسة من صباح اليوم التالي كنا معا على متن الطائرة المتجهة إلى بيروت فنيويورك حتى لويس.. حيث رحبت أسرة فرنكلين بعودة إد إلى بيته.
يبدو حضوري الشخصي إلى عدن كان العامل الوحيد لتأمين الإفراج، ولماذا؟ لأن معنى ذلك أن عضوا في الكونغرس من أواسط الغرب لا بشهرة محلية ولا دولية يرغب في تخصيص وقته لمساعدة أحد أبناء دائرته الانتخابية وللاستماع إلى القضية العربية.
وأنا على يقين من أن السبب الرئيسي في الإفراج عن فرنكلين كان اتجاهنا نحو عدن والبحث بكل حذر عن علاقات أفضل مع الولايات المتحدة، وهو أمر ضروري لأن في البلدين أناسا لا يرغبون في تحسن العلاقات، والرئيس سالم ربيع علي كان أقل زمرة الحاكمين الثلاثة جنوحا نحو الماركسية، وحتى في وزارة الخارجية الأمريكية كان بعض (الخبراء في الشؤون العربية) لا يزالون غاضبين لإبعاد اليمنيين الوجود الأمريكي قبل سنوات، واعتبروا عدن مجرد مكان لتدريب الإرهابيين من منظمة التحرير الفلسطينية، بينما يرى آخرون (كسينجر) خلاف ذلك، فجاءت قضية إد فرنكلين لتتيح الفرصة للبدء في البحث، غير أن الحكومة الأمريكية تلكأت وتهربت من الجواب، وتأخرت ثلاث سنوات، وحل جيمي كارتر محل جيرالد فورد في البيت الأبيض وأصبح سايروس فانس وزيرا للخارجية. وقد رفضت حكومتنا طلب عدن شراء القمح بالدين، ثم رفضت عرضها لشراء ثلاث طائرات أمريكية مستعملة، ومضت ترفض حتى المحادثات التمهيدية.
وعند اجتماعي الثاني بالرئيس سالم ربيع علي في أيلول (سبتمبر) في نيويورك حيث ألقى خطابا في الأمم المتحدة وأعرب من جديد عن أمله في تجديد العلاقات، واقترح أن أرفع تقريرا عن مباحثاتنا إلى وزير الخارجية سايروس فانس، ففعلت وكانت النتيجة أن وافق وزير خارجية اليمن السيد مطيع على عقد محادثات استطلاعية، فبدت لي خطوة رائعة. وكان المفروض أن تبدأ المحادثات في عدن بعد أسابيع قليلة، ولكن للأسف حصل تسويف في الموضوع.
ولم يكن قد تحدد موعد هذه المحادثات عندما عدت إلى الشرق الأوسط مع أعضاء الكونغرس الآخرين في كانون الثاني/يناير 1978م، وأجريت تعديلا في برنامجي ليتسنى لي القيام بزيارة جانبية لعدن قبل أن أترك الفريق، اجتمعنا إلى وزير الخارجية فانس الذي حدث أن تقاطعت رحلاته مع رحلاتنا، واجتمعنا إلى ولي العهد السعودي الأمير فهد وهو شخص ضخم البنية مثير للإعجاب يتكلم الإنجليزية بفصاحة وأصبح فيما بعد عاهلا للمملكة العربية السعودية.
وأبدى الأمير فهد (يومذاك) تحبيذا لجهودي في عدن، وطلب إلي أن أبلغ المسئولين فيها أن الرياض مستعدة لاستئناف مدهم بالمساعدات الاقتصادية.
بشرى خير:
عندما وصلت إلى عدن كان الوضع فيها قد تحسن، إذ تبادلت اليمن الجنوبية السفراء مع عدوتها اللدودة العربية السعودية على الرغم من استمرار المنازعات الإقليمية بينهما، وكانت عدن قد وافقت حينئذ على إقامة علاقة دبلوماسية مع الأردن، وتوقفت الإذاعة المحلية عن بث التعليقات المعادية للاستعمارين الأمريكي والسعودي، وقد رافقتني هذه المرة زوجتي لويس، فخصص لنا قصر الضيافة الذي حللت به في المرة السابقة، إلا أن التغيير المهم الوحيد الذي طرأ هو وجود براّد ماء مليء بشتى أصناف المأكولات والمشروبات.
واستقبلنا الرئيس علي في القاعة الرحبة إياها مع ثلة من حرس الشرف. مع أنه تجنب التعليق على عرض المساعدة السعودية، فقد تحدث بحماسة عن ولي العهد فهد.
ومضى يقول: (إننا بانتظار وصول الوفد الأمريكي من الولايات المتحدة قبل نهاية الشهر الحالي).
عندها ذبت خجلاً، إذ كنت أعلم أن الوفد لن يأتي في ذلك الشهر، بل إن سفره قد أرجئ إلى أجل غير محدد. وقبل أيام قلائل أبلغني فانس هذا الخبر السيء ولكنه لم يوضح السبب، فقلت عسى أن يكون الرئيس العدني قد اُشعر بهذا التأخير. فأجاب فانس: (سأتأكد من ذلك). ولكن للأسف لم يتحقق شيء من هذا القبيل.
وهكذا ظل ربيع علي ينتظر الوفد يوماً بعد يوم، إلا أن الوفد لم يحضر. ولم أجرؤ على مصارحته بالتغيير، فرحت أستمع وأحاول التظاهر بالتفاؤل. وكنت أدرك أنني لو أبلغته النبأ السيء لتعزز جانب منتقديه الذين كانوا يعارضون المصالحة مع أمريكا.
وهنا غيرت الموضوع وقلت: يقول بعض خبرائنا الاستراتيجيين أنكم سمحتم للسوفيات بإقامة قاعدة بحرية هنا، فما هو تعليقكم على هذا الكلام؟). فاعترض بشدة قائلاً: (هذا غير صحيح، فنحن لا نسمح للسوفيات أو أية دولة أجنبية أخرى بإقامة قاعدة عسكرية في أراضينا. إلا أننا نتعاون مع السوفيات لأنهم يساعدوننا).
وختم الرئيس علي بأن حملني رسالة إلى واشنطن يقول فيها: (أرجوك أن تبلغ تحياتي الحارة للرئيس كارتر، وتعلمه أننا تواقون للاحتفاظ بعلاقات ودية بين اليمن الديمقراطية والولايات المتحدة. ونحن نعلم أن الرئيس كارتر مهتم بالاحتفاظ بعلاقات ودية مع جميع البلدان وندرك أن هذه سياسة إيجابية. ونعتقد أنه ينبغي تدعيم علاقاتنا).
وعند الوداع قدمت إلى الرئيس العدني زهرية من فخار صنعتها ابنتي ديانا خصيصاً له. فتقبلها قائلاً (إنها جميلة جدا. أرجوك أن تشكر ابنتك. أنا معجب بهذه الزهرية)، ثم مشى معنا نحو الباب ليبدي إعجابه بشيء آخر هو هطول الأمطار، وذلك شيء نادر في عدن. (بشرى خير) قال الرئيس علي.
غادرت عدن وأنا أكثر اقتناعاً من أي وقت مضى بأن من شأن العلاقات الدبلوماسية مساعدة الولايات المتحدة وأصدقائنا في المنطقة. ومن مصلحة أمريكا والسعودية المشتركة الحد من الوجود السوفياتي في اليمن الجنوبي. فنحن بحاجة إلى بعثة دبلوماسية هناك. ولما عدت إلى واشنطن لم أدع فرصة تفوتني دون الإلحاح على الوزير فانس وموظفي البيت الأبيض بهذه التوصية. وبعد شهر تمكنت من عرض هذا الطلب على الرئيس جيمي كارتر شخصياً في البيت الأبيض، وقال لي إنه (دهش ومسرور) برسالة الرئيس العدني.
وشكرني كارتر وقال مثلما سبق أن قاله فانس (سأهتم بهذا الموضوع).
وقد صدق كارتر في وعده، فبعد خمسة أشهر من آخر لقاء لي مع الرئيس علي، رتب فريق من موظفي وزارة الخارجية زيارة إلى عدن في 26/6/1978 لإجراء (محادثات استطلاعية) والبحث (بطريقة غير ملزمة) في استئناف المفاوضات الدبلوماسية. وكان المفروض أن يستقبل الرئيس علي الفريق يوم وصوله. ولكن فات الأوان. فقد قرر (الصقور الماركسيون) في عدن التحرك، إذ أقلقهم سعي الرئيس علي لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية. فاستولى الراديكاليون على طائرات مقاتلة، وأطلقوا منها النار على مقر الرئاسة ثم استولوا على الحكم، وكل ذلك في اليوم المقرر لوصول الوفد الأمريكي. واعتقل الرئيس علي ثم أعدم رمياً بالرصاص. واتصل بي السفير الأشطل بالهاتف من نيويورك ليخبرني أن الوفد سيكون موضع ترحيب على الرغم من كل ما حدث، إلا أن الرحلة كانت قد ألغيت.
وبعد أن وصل الوفد إلى صنعاء، عاصمة اليمن الشمالية، في طريقه إلى عدن، عاد أدراجه إلى واشنطن. وقد غمني جدا إعدام سالم ربيع علي فطلبت من الأشطل تفسيراً لذلك فأجابني بأنها (مسألة داخلية لا دخل للعالم الخارجي بها).
ومع ذلك فإن مصير سالم ربيع علي كان يهمني، ولا يزال. وكثيراً ما تساءلت عما إذا كانت نيتي الحسنة من جهة، ورأفته بإد فرنكلين من جهة أخرى، بين الأسباب التي أدت إلى سقوطه”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.