منظمو أسطول الصمود: إسرائيل اعترضت آخر قواربنا    البيض: السلاح والدعم الخارجي لن يصنعا دولة في اليمن ولن يحققا استقراراً وتنمية    مليشيا الحوثي تعاود اختطاف طفلين في إب وتطارد آخرين على خلفية الاحتفال بثورة 26 سبتمبر    صنعاء .. الإفراج عن سجينة    الحديدة: 268 مسيرة بالحديدة رفضاً للمؤامرة الصهيوأمريكية وتجديد الثبات مع غزة    باكستان تفجر مفاجأة .. «خطة ترامب» ليست ما تم التوافق عليه!    عاصفة مدارية شمال بحر العرب    السامعي يدين الاستهداف الإسرائيلي لاسطول الصمود    انطلاق فعاليات المعرض الثاني للطاقة الشمسية والري الحديث بعد غد الأحد    صعدة: استشهاد واصابة مواطنين اثنين في قطابر وكتاف    الاتحاد الأوروبي يدعو كل الأطراف في المغرب إلى الحفاظ على الهدوء    دبي تحتضن الليلة انطلاق بطولة "طريق الأبطال" للفنون القتالية    فضيحة وقود دوعن مليارات في جيوب بن حبريش والمواطن غارق في الظلام    قرار الأمم المتحدة رقم (18-1949) بتاريخ 11 ديسمبر 1963 الخاص بالجنوب    معارك وهمية وانحياز صامت    تهريب الأسلحة إلى الحوثيين.. بين فبركة الخبر وإخفاء الحقيقة    سقوط مشروع الوحدة وشرعية تمثيل الجنوب واليمن    خطة "صفقة القرن" المدمرة: إنتداب جديد نحو "إسرائيل الكبرى"..خسارة فادحة أيها العرب!    7 جمعيات تعاونية تشارك في "مهرجان خيرات اليمن"    منتخبنا الوطني الأول يغادر الى ماليزيا استعدادًا لمواجهة بروناي    تعز تناقش مواجهة مخاطر الكوليرا وتحديات العمل الإنساني    سجناء حماية الأراضي يعيشون أوضاع غير إنسانية    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يطمئن على صحة المناضل أحمد بامعلم بالمكلا    ضبط 21 من الصقور العربية كانت معدة للتهريب في صعدة    محافظ شبوة يوجه بتقييم تنفيذ تكليفات المكتب التنفيذي    تدشين عمليات جراحة القلب المفتوح في مستشفى الثورة بالحديدة    اختتام المسابقات المنهجية العلمية والثقافية لأبناء الشهداء في العاصمة    التحالف الإسلامي يختتم برنامجاً لتعزيز قدرات الكوادر اليمنية في مجال محاربة تمويل الإرهاب    شعب حضرموت يودع بطولة الأندية العربية لكرة السلة بعد خسارته من أهلي طرابلس    مدرسة 22 يونيو بالمحفد تكرم طلابها المتفوقين في العام الدراسي المنصرم    #عاجل وفد الانتقالي الجنوبي يقدم إحاطة مهمة للكونغرس الأمريكي (صور)    محافظ حضرموت يتابع أوضاع جوازات منفذ ميناء الوديعة    كشف ملابسات جريمة قتل الشاب عماد حمدي بالمعلا    نقطة سناح خطر على ميناء عدن    اتحاد كرة القدم يُمدد فترة تسجيل أندية الدرجة الثانية لملحق الدوري    بعد عام.. النصر يعود بالزوراء إلى الانتصارات السبعة    بهدف "+90".. سان جيرمان يقلب الطاولة على برشلونة في كتالونيا    الشرطة تضبط متهماً بقتل زوجته في بعدان    سان جيرمان يقهر البارشا بثنائية    جريمة مروعة في عدن.. شاب ينهي حياة خاله بسكين    «المرور السري» يضبط 110 سيارات مخالفة في شوارع العاصمة    في رثاء يحيي السنوار    سياسيون يحتفون بيوم اللغة المهرية ويطلقون وسم #اللغه_المهريه_هويه_جنوبيه    وقفة لهيئة المحافظة على المدن التاريخية تنديدا باستهداف العدو الصهيوني لمدينة صنعاء القديمة    طائر السمو.. وجراح الصمت    مفتاح يطلع على حجم الاضرار بالمتحف الوطني    أنا والحساسية: قصة حب لا تنتهي    من تدمير الأشجار إلى نهب التونة: سقطرى تواجه عبث الاحتلال الإماراتي البري والبحري    لا تستغربوا… إنهم يعودون إلى وطنهم!    ضحك الزمان وبكى الوطن    تنفيذ حملة لمكافحة الكلاب الضالة في مدينتي البيضاء ورداع    تنفيذ حملة لمكافحة الكلاب الضالة في مدينتي البيضاء ورداع    وفاة امرأة بخطأ طبي في إب وسط غياب الرقابة    مراجعة جذرية لمفهومي الأمة والوطن    في 2007 كان الجنوب يعاني من صراع القيادات.. اليوم أنتقل العلة إلى اليمن    صنعاء... الحصن المنيع    المساوى يدّشن مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء    في محراب النفس المترعة..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجل فكر وحرية بامتياز..
نشر في يمنات يوم 11 - 01 - 2022


ضياف البراق
واليومَ، والآنَ، ولو متأخِّرًا، ها أنا أكتب عنه لأول مرة، وقد مات مغلوبًا ومخذولًا، أكتب بالتحديد عن أستاذنا النبيل وأديبنا الغزير: محمد أحمد ناجي النبهاني، فمن لا يعرفه فسوف يعرفه هنا أو هناك، في هذه المكتبة أو تلك؛ إذ نحن أمام وجه مميّز، حتى إذا غاب أو غُيِّبَ، يظل متوهِّجًا على مسرح الزمن، وفي نخاع الحياة واللغة وعلى صفحات الفكر الخالدة.
أكتبُ عنه والمسافات تنتحب بداخلي، والكلمات تتألم بين أصابعي وفي ذهني، محاوِلًا معانقته بطريقة دافئة، هاربًا من حزني الكبير إلى أحزانه الكثيرة.
كلا، لن أنساك، فأنت عصيٌّ على النسيان، وأنت الذي احتضنتَ كتابي الأول قبل دخوله إلى المطبعة، وقرأتَه بكل حب، وكتبتَ عنه مقالة نقدية جميلة، ونشرتها على صفحتك في الفيسبوك، ثم حادثتني واتسآبيًا، وغمرتني بكلام يبهج القلب، وينير العقل، مفصحًا عن إعجابك الصادق بقلمي، وربما لم أكن أستحق ما أعطيتني من كلماتك العذبة، لكنك لا تجامِل، ولا تمتدح أحدًا، فأنت نزيه على صعيد النقد، فكرًا وممارسة.
ثم إنك نزيه أيضًا على بقية المستويات. ضميرًا شريفًا كنتَ. مارست ثورة النقد على الجميع، أبحرتَ في كل الفضاءات، ولم تغرق في الوحل. وبقدر شجاعتك في التعبير النقدي، كنتَ تبقى نقيًّا من الداخل، حين اختلافك مع الأشياء، أو مع الأشخاص، وكنت بارعًا في تحليل الأحداث وطرح التساؤلات العميقة.
عشتَ متألِّقَ القلبِ والفكرِ والقلمِ، طيّبَ السلوك على الدوام.
بالطبع، وقبل ذلك كله، كنتُ أريدك ألَّا ترحل عنّا، ألَّا تترك وجوهنا تغرق في جحيم من الدموع!
آه، لم يحتمل قلبي خبر رحيلك الفاجع!
لماذا رحلت قبل أن ألتقيك، وأعانقك بكل بهجة؟
ربما كنا، أنا وأنت، قد اتفقنا ذات مرة على لقاء يجمعنا هنا، في أي مكان في صنعاء، ولكن حتى هذا الحلم البسيط لم يتحقق لنا، والسبب عدم المبالاة عندي، أو بالأحرى، كسلي اللعين!
وا أسفاه! ضاعت من يديْ الفرصة لملاقاة الينبوع المدهِش..
ما كنتُ يومًا أتصور أن تأتي لحظة قاسية عليك ترغمك على مغادرة الحياة، فتغادر فيها من بيننا، دون أن نودعك وداعًا يليق بك أيها الكاتب الكبير!
لكنه الموت، على عادته، حين يكسر كل التوقعات، ويخترق أبعد المستحيلات، فيهبُّ علينا مُبَاغِتًا، ويفعل بنا ما يشاء!
يا أستاذنا الغالي، هل استرحتَ أخيرًا من حروب الوطن، وعبء الحياة؟
هل أقول إنك الآن بخير؟
والحقيقة هي أنّك كنت تحب الحياة، وكنت تستحقها بحذافيرها، لكن الموت لا يراعي شيئًا ولا اعتبارًا.
ومع ذلك، كنتَ تعرف الموت، وتقاتله وجهًا لوجه، بلا خوف ولا مواربة ولا مساومة، وكنت تهزمه، وستظل تهزمه حتى بعد موتك!
قالوا: مات الرجل النبيل..
قلتُ: إذن خسرنا الكثير من الجمالات والأنوار برحيله الغامض!
أجل، خسرنا نبضك الجميل، وقلمك الحر، وروحك النبيلة التي عاشت تحوم في الأعالي لأجلنا، لكي نعيش أحرارًا.
كان مثقفًا عضويًا، بامتياز..
إنه الجبل الذي ما انحنى يومًا للعواصف والظروف القاسية..
فقد عاش يكتب ويعمل من أجل ولادة يمن جديد، تتقدس فيه قيمة الإنسان، بحيث تعلو على ما دونها أو غيرها من القيم.
أجل، عاش يناضل من أجل ولادةِ حياة جديدة، وقيامِ مجتمع جديد، وبناء عالَم إبداعي من نوع مختلف..
لم يكتب ولم يتكلم إلّا بشجاعة ونزاهة وحرية صادقة.
كان صوتًا لشعب لم يعد له سوى الصراخ البائس.
كانت يده طاهرة دائمًا،
وقلبه كان كبيرًا بحجم الوطن،
كان ضوؤه يتدفق في مستوى الجمال، فكان يُضيء حيثما اتجه، وكان يخلق المعنى الأفضل في كل منعطَف، ومن كل صعوبة.
ما كان يخاف. ما عاش جبانًا. ولا كان يؤجِّر قلمه أو يرهنه أو يتعيّش به على حساب معاناة الضعفاء والمسحوقين والمنكوبين. بل إنه كان يواجه حتى نفسه، ويصحح أخطاءه بين وقت وآخر، وهذه سمة الإنسان الحر الناضج.
أستاذي التنويري الراحل، أيها المجروح من كل شيء..
ها أنا ذا أبكي عليك، وأبكي معك، دموعي تسيل من أعماق القلب، وجرحي العميق يتسع من الداخل ويكبر.
لم أصدق بعد أنك رحلتَ فعلًا!
أيها النبع الدفّاق، لماذا رحلتَ سريعًا، حتى قبل أن نحتفل بك أمام الشعب الذي انتميتَ له حتى الموت، موتك (المُقلِق)؟
أعطيتنا ما لا يُقدَّر بثمن، نورَ العقل، فماذا أعطيناك نحن؟
رحلتَ فجأة، ولم تقل لنا: سأعود قريبًا!
إنها عادتك في العمل من وراء الأضواء، في العطاء بلا صراخ، في السير إلى الأمام دون اكتراث بالمخاطر.
إنه جمالك المنفرِد، غير القابل للنضوب..
لكنك تركتَ لنا كتابات عظيمة لا يعرف قيمتها الجاهلون، ولا يحبها السابحون الراكعون في مستنقعات السلطات اللعينة.
تركت في سمائنا شموسًا لا تنطفئ، وكلها من نبض روحك، ونور وجهك، ونار عقلك.
هو المعارِض الجريء، الذي ثار على الظلاميين والظالمين، وفضح وجوه المثقفين الزائفين، بصوته النقدي المحترِف كان يرعبهم، وفي الحقيقة، كان يعلّمهم فلسفة الحرية والكفاح، لكنهم لم يتعلموا شيئًا من دروسه المفيدة، ولن يتعلموا، وتلك طبيعة السفلة في هذا البلد.
هو الملَهم والملِهم، الجدلي والمثير، الشاهق والمتواضع معًا، هذا الرجل الخلّاق، المثقف الصلب، الممتلئ بالمعاني، هذا الناقد الذي صارعَ الماضيَ والحاضرَ والمستقبلَ، وقرأ المألوفَ، وعانقَ الجديدَ، بخبرة عالية، وذكاءٍ إنساني رفيع، فأنتج فكرًا حقيقيًا، ناقشًا اسمَه بحروف بارزة، وألوان فريدة، في قلب ذاكرتنا الحيّة، ليبقى حاضرًا في صميمها، متجددًا فيها تجدُّدَ الحياة، إلى ما لا نهاية.
وها أنا الآن أتقدم نحوه، بجنوني الروحي، بمشاعري المتضارِبة، أكاد ألمس وجهه العذب، البسيط، برؤوس أصابعي المرتعشة، أكاد أسمعه إذ هو يتساءل حائرًا: لماذا أنا هنا؟
تُرى من جاء بي إلى هذا المجهول السحيق؟
وإلى متى؟
وأكاد أسمعه إذ هو يُردِّد، الآن، وإنْ في صمتٍ عميقٍ، غامضٍ، قولَ الشاعر المتنبي:
وهكَذا كُنتُ في أهْلي وفي وَطَني؛
إنّ النّفِيسَ غَريبٌ حَيثُمَا كَانَا.!
فيتجاوب معك قلبي، يا أستاذ محمد، حاضنًا صداك الطالع من الغياب، مُرتِّلًا قولَ الشاعر العراقي مظفر النواب:
جميع الشرفاء في هذي الأمة أغرابُ!
وأخيرًا: نم بسلام، مدثَّرًا برحمة الله العظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.