أحتاج إلى جاكيت بأربعة أكمام.. أحتاج إلى ثوبٍ قصير للطفل الذي بداخلي.. أحتاج إلى سكِّين لأقوم بإعادة بعض المشاهد التي رأيتها في فيلم إسماعيل.. أحتاج إلى نهرٍ سريع لأضع عليه علبة مليئة بالرماد، وشمعة مجوسية لا تنطفئ.. كهذا الليل أنا.. بليدٌ حين أتوقف أمام علامة استفهام وأحاول أن أتوكأ عليها.. حين أمشي بمحاذاة صديقين يقتسمان رسالة دافئة من امرأة واحدة.. حين أجد فاعل خير يحمل دلوَ ماءٍ ليسقي عمود الإنارة. أتمرَّن على التحديق في الأشياء.. أحدِّق دون أيِّ هدف سوى التثاقل على اللحظة التي ترفض المرور دون تكلفة.. أحدِّق بداخلي كأنني أضع عيني في ثقوب الحوانيت القديمة: ظلام.. نظارة عمياء ..قنديل لا يحب أن يلفت إليه الأنظار.. مرآة تفرك عينيها المرمودتين.. وعاءٌ مدلوقٌ يُخرج لسانه للسراب.. عطر زيتي يسيل بحرجٍ شديدٍ ويتحدث كثيراً كي يغطِّي على رائحته. البيجامة ترتعش من البرد بداخل خزانة الملابس.. الصوف ينكمش على نفسه بانتظار استرخاء الصيف.. أدهن وجهي بكريم «نيفيا»، فتثير رائحته كل الذكريات المدفونة.. أخرج يدي من النافذة، بانتظار أن تطول مثل «يد وحيد»، لتصل إلى الحي المجاور.. سأترك يدي في النافذة وأعود لها في الصباح كي لا أتجمَّد. أفركُ عيني بيد مرتعشة، وكُمٍّ متجمّد ..أتذكر جارتنا التي كانت تربّي الثلج فوق سطح منزلها، نصحو في الصباح الباكر لنجد أواني المطبخ مليئة بالثلج الذي كنا نلعقه ونحن نتخيَّل الآيسكريم. الصالة مليئة بالفوضى.. أقترب من الثلاجة بأقدام مشلولة، أجد بداخلها رأساً طازجاً، ويدين مقطوعتين تغسلان سكيناً، ودمية صغيرة ترتعش من البرد، وخيط عنكبوت يتدلى من أضيق الثقوب. بإمكان هذا العنكبوت أن يتخلَّى عن فكرة بناء بيت، هناك سرير شاغر.. ولن يضطر إلى النوم معلَّقاً بانتظار الذباب.