هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" الخامس من يناير 2016 بقلم: كريستيان ألريكسن Kristian Ulrichsen ترجمة: أحمد سامى
تصاعدت الأحداث بوتيرة متسارعة عقب قيام السلطات السعودية بتنفيذ حكم الإعدام فى السعودى الشيعى "نمر باقر النمر" حيث قام محتجون إيرانيون بإشعال النار فى السفارة السعودية بطهران ومن ثم قامت السعودية بطرد الدبلوماسيين الإيرانيين من الرياض كرد على الهجوم الذى تعرضت له سفارتها على الأراضي الإيرانية. وتعتبر التطورات الأخيرة انعكاساً للأزمة التى تمر بها العلاقات السعودية الإيرانية والتى ألقت بظلالها على عدة بؤر ملتهبة بمنطقة الشرق الأوسط, ويعتبر التدهور فى العلاقات بين الرياضوطهران فى ذلك التوقيت بمثابة انتكاسة للجهود الدبلوماسية الرامية لإيجاد حل سياسي فى كل من سورياواليمن. والحقيقة أن المواجهة الحالية بين الرياضوطهران هى امتداد لسنوات من الاضطرابات فى العلاقات بين الدولتين والتى بدأت فى أعقاب الثورة الإيرانية التى اندلعت فى العام 1979 مروراً بسنوات الحرب العراقية الإيرانية التى اندلعت عام 1980 ذلك التوتر الذى تصاعد بشِدة مع نهاية الحرب العراقية الإيرانية فى العام 1988 بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين حتى العام 1991. والواقع أن المملكة العربية السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجى دفعت ثمن مساندتها لنظام صدام حسين خلال الحرب العراقية الإيرانية حيث دأبت إيران على مهاجمة سفن دول مجلس التعاون فى مياة الخليج العربى لسنوات, وقد بلغ التوتر بين الرياضوطهران ذروته فى العام 1984 حين قام سلاح الجو السعودى بإسقاط مُقاتِلة إيرانية إخترقت الأجواء السعودية. ودائماً ما كانت الدول الخليجية تنظر إلى النظام الإيرانى على أنه مصدر للقلاقل بمنطقة الخليج خاصة بعد الثورة الإيرانية التى اندلعت فى العام 1979, فقد ربطت دول الخليج تلك الثورة بتنامي ظاهرة الميليشيات الشيعية خارج الحدود الإيرانية, فضلاً عن أن إيران كانت وراء محاولة الانقلاب الفاشلة التى جرت فى البحرين عام 1981 وكذا محاولة اغتيال أمير الكويت فى العام 1985, كما قامت طهران فى مايو من العام 1987 بتأسيس ما يُسمى بحزب الله "الحجاز" كتنظيم شيعي مُسلح على غِرار حزب الله اللبنانى بهدف تنفيذ عمليات مُسلحة فى الداخل السعودى, وبالفعل قام التنظيم ومنذ نشأته بعدة هجمات داخل الأراضى السعودية فى أواخر الثمانينات من القرن الماضى مما أدى إلى تصاعد التوتر بشدة بين الرياضوطهران. وبينما يرى البعض أن الأزمة الحالية لن تُفضىي إلى مواجهة مباشِرة بين الرياضوطهران فإن البعض الآخر يرى أن الوضع المتوتر السائد حالياً بين البلدين وصل إلى مرحلة تتساوى فى خطورتها مع الأوضاع خلال الثمانينات من القرن الماضى وذلك يرجع إلى سببين, السبب الأول هو ميراث الكراهية بين إيران وجيرانها من الدول الخليجية الذى يمتد لثلاثة عقود والذى ألقى بظلاله على منطقة الشرق الأوسط وأفضى إلى حالة نزاع طائفي بين السُنة والشيعة, والسبب الثانى يعود إلى إصرار إيران على تأجيج الصراع بعدة بؤر مُشتعِلة بالأساس داخل منطقة الشرق الأوسط. والحقيقة أن دول الخليج ليست قلِقة من البرنامج النووي الإيرانى بقدر قلقها من قيام طهران بدعم الميليشيات الشيعية المُسلحة خاصة حزب الله اللبنانى وجماعة الحوثى باليمن, وقد بات واضحاً أن التحالف الدولى لمكافحة الإرهاب والذى أُعلِن عنه مؤخراً على لسان ولى العهد السعودى "محمد بن سلمان" يرمي إلى إرسال رسالة لطهران مفادها أن الرياض لن تقبل أية مساومة سياسية تمِس بأمن المنطقة. والأهم هو أن التوتر الحالى فى العلاقات بين الرياضوطهران سيُلقي بظلاله دون شك على الأوضاع فى كل من سورياواليمن, والذى حدث بالفعل هو أن التوتر الناجم عن عملية إعدام "نمر باقر النمر" أدى إلى التغطية على معضلة كبرى فى اليمن تتمثل فى انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الذى تم توقيعه فى الخامس عشر من ديسمبر الماضى, كما أن المحادثات التى كان مقرراً لها أن تُستأنف برعاية الأممالمتحدة فى الرابع عشر من يناير حول الأوضاع فى اليمن باتت أقرب إلى الانهيار قبل أن تبدأ بسبب المواجهة المستمرة بين التحالف العربى بقيادة الرياض وبين طهران. والواقع أن الوضع فى سوريا لن يختلف كثيراً فقد أصبحت محادثات "جنيف" والتى كان مقرراً استئنافها بنهاية شهر يناير فى مهب الريح, ويقول مراقبون أن تلك المحادثات والتى ترمي إلى الوصول لحل سياسى بشأن الأزمة السورية لن يُكتب لها النجاح دون تضافر جهود القوى الخارجية المتورطة فى الصراع السورى ومنها بالطبع المملكة العربية السعودية وإيران.