قال هادي إنه تأخر كثيراً في إصدار قرارات الهيكلة، ووعد بأن تكون قوية ومفاجئة، وبتعبيره: "سيتقبلها الجميع دون قيد أو شرط".. ورأيت في قرارات الأربعاء الماضي، ما يؤكد صدق الرجل، وقوة إرادته، ولعلي كتبت منذ أكثر من سنة إن سنوات هادي القليلة في بريطانيا - في ريعان الشباب- أكسبته كثيراً من "سياسة النفس الطويل" التي لطالما ظلت ميزة ترافق السياسة الخارجية لبريطانيا، ولعلي أكون بحاجة إلى استخدام توصيف المفكر السياسي الكويتي عبدالله النفيسي حين قال: "لو كانت العراق هدفاً رئيسياً لبريطانيا لتمكنت من اسقاط نظام صدام دون أن تدخل دبابة واحدة، ستعمل على تفكيكه من الداخل، وبنفس طويل". وفي قرارات الأربعاء وجدت نفساً عميقاً وطويلاً، امتلأ به صدر هادي، وزفره بهدوء تام، حاملاً في ريحه مراكز القوى التقليدية في الجيش إلى خارج مربعات النفوذ، وأجمل من ذلك تمكنه من إخضاع تلك القوى إلى الترحيب بقرارات ترحيلهم إلى مخازن التاريخ. قد تؤسس قرارات هيكلة الجيش لمرحلة جديدة، يبدأ فيها النظام الحاكم ببناء جيش قوي، على أسس وطنية، تعتمد مبدأ الكفاءة والقدرة، بعد أن ظل الجيش اليمني ما يقارب قرناً كاملاً مبنياً على أسس الولاء للحاكم، فمنذ خروج الأتراك من اليمن في العام 1918 والجيش وظيفته حماية الأسرة الحاكمة، من آل حميد الدين، وجاءت ثورة سبتمبر في الشمال عام 1962 ولحقتها ثورة أكتوبر في الجنوب عام 1963 وحتى لحظة خروج علي صالح من رئاسة الدولة الموحدة، والجيش على حاله، لم يحدث أي تطوير في قواعد بنائه الأخلاقي، وأعني بذلك ميثاق الشرف العسكري، لذا ظل الجيش أداة لحماية عروش الحاكمين، وتصفية الحسابات، وتحقيق الانقلابات، ومكاناً خصباً لشراء الولاءات القبلية، والجهوية، والمناطقية، ولا أدل على ذلك من أن معظم شيوخ القبيلة أو أبناءهم يعملون قادة لألوية عسكرية، وهمية، أو يتقاضون رواتب لكتائب تضم مئات الأفراد، متفرغة لحراستهم، وهي في الغالب رواتب لأسماء وهمية، حتى على مستوى مشايخ من خارج مناطق شمال الشمال "صادق باشا ومحمد منصور في إب" يتاقضون من وزارة الدفاع رواتب كتيبة واحدة لكل منهما، من 450 - 500 فرد، متفرغة لحمايتهما. ولم تكن تسريبات لجنة الهيكلة عن وجود رواتب ل52 ألف جندي وهمي في الحرس الجمهوري، إلا إشارة بسيطة عن حجم الفساد في المؤسسة العسكرية، تاركةً باب الخيال مفتوحاً عن عدد الأسماء الوهمية في معسكرات الفرقة الأولى مدرع، وحرس الحدود، وألوية الاحتياط، وغيرها، فضلاً عن صفقات السلاح التي ظلت الدولة عاجزة عن ضبط تجارها، بل تحولت مؤسسات الدولة إلى سمسار لدى تجار السلاح، ولست بحاجة إلى شرح تفاصيل، عزز يقينها لدي حوار اللواء رياض القرشي، مع "الشرق الأوسط" اللندنية، الأسبوع الماضي، إذ أكد - وهو الضابط الأمني والأكاديمي، ورئيس لجنة هيكلة الأجهزة الأمنية- إن طائرات "الانيتينوف" العسكرية ظلت تعمل طوال السنوات الماضية، وسيلة نقل لدى تجار السلاح، داخل وخارج اليمن، وتستخدم مطارات الدولة العسكرية، والمدنية، لشحن الأسلحة التي اشتريت من بلد المنشأ باسم وزارة الدفاع اليمنية، مقابل نسبة يتقاضاها المختفون وراء البزات الأنيقة، والمكاتب الرسمية الفخمة. وكنت قد عرفت من مصدر مؤكد أن "أوكرانيا" اعتذرت عن بيع أسلحة للجمهورية اليمنية، حين زارها الرئيس السابق علي صالح، برفقة ابن شقيقه العميد عمار صالح وكيل جهاز الأمن القومي للعلاقات الخارجية، والعميد عبدالله الكبودي رئيس دائرة المشتريات بوزارة الدفاع عام 2009 واشترطت شركات السلاح الاوكرانية أن يتم البيع باسم وزارة الدفاع اليمنية، وفقاً للقانون الدولي الذي يشترط وجود مستخدم نهائي للأسلحة المستورة، حتى يترتب عليه المسئولية القانونية لنتيجة استخدامها، لكن الالتواء الاوكراني لم يتوقف عند اشتراط "المستخدم النهائي" بل طلبت أن يكون "عرّاب" الصفقة التاجر الشهير "فارس مناع". وعرفت أيضاً من مصادر أخرى أن اليمن تمثل واحدة من أهم نقاط البيع في الشرق الأوسط لتجار السلاح، وأن ما يستورد باسم وزارة الدفاع اليمنية، يجد طريقه إلى أسواق الجنوب الافريقي. وأتذكر جيداً حديث الأمريكان أن فحص الرقم التسلسلي للأسلحة المستخدمة في الهجوم على القنصلية الأمريكية بجدة في ديسمبر 2004 أثبت أنها سربت من مخازن وزارة الدفاع اليمنية، وحقيقةً، لم تكن مسربة من مخازن الدفاع، إنما تم شراؤها باسم وزارة الدفاع، وسوّقها تجار السلاح في السوق السوداء. وبعيداً عن انهاء الرئيس هادي لتعدد الرؤوس داخل المؤسسة العسكرية، شعرت أن في قرارات الأربعاء لمزا موجعا، لأصحاب المواقع الجديدة في السفارات، فالعميد أحمد علي تم تعيينه سفيراً في الإمارات التي يدير فيها ثروة شخصية تتجاوز المليار دولار، وقد حدث أن طلب العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز من حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مد يد العون لليمن أثناء سيول حضرموت المدمرة في 2008، وكان حرص الملك نابعاً من كونها "حضرموت"، فرد آل مكتوم: "كيف أدعم اليمن وأحمد علي وأولاد عمه استثماراتهم في دبي تتجاوز المليار دولار! ولأن اللواء محمد علي محسن من المحسوبين على اللواء علي محسن والمقربين من قطر منذ اندلاع ثورة التغيير، فقد تم تعيينه ملحقاً عسكرياً في قطر، وآل الأحمر حلفاء السعودية، عُين نجلهم هاشم ملحقاً في الرياض، وطارق صالح الذي يدير استثمارات هائلة في ألمانيا تم تعيينه ملحقاً عسكرياً هناك، أما شقيقه عمار فهو متنقل منذ أكثر من ثمانية أشهر بين أثيوبيا التي ُعين فيها ملحقاً عسكرياً ومملكة المغرب، وبسلطته التي لم تنته يتم شحن أجود القات "الهرري" على شكل طرود باسم السفارة اليمنية بأثيوبيا، وتستقبله السفارة اليمنية في المغرب، لكي "يرتاح" عمار! أتمنى لقرارات الرئيس هادي أن تنجح في التنفيذ، وأن تسلم مساحة أرضية الفرقة كاملة، حديقة للناس، قبل أن تلحقها أوراق الصرف المجاني. *صحيفة الناس [email protected]