وبما ان اليمن ورثت عن العهود السابقة مجتمعاً على خط الصفر في كل شيء، لذلك ظل موضوع العدالة أمراً مثيراً للكثير من الشجون.. لأن مهمة الأنظمة المتعاقبة على حكم اليمن كانت تقتضي إصلاحات شاملة على مختلف المستويات، وهي بالتالي مهمة شاقة خاصة لو أخذنا بنظر الاعتبار حجم الصراعات السياسية التي شهدتها مرحلة ما بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م. يمكن القول ان اليمن بدأت تتجه نحو الاستقرار في عهد الرئيس/علي عبدالله صالح وهو أمر لا مجاملة فيه كونه الحقيقة التي لمسها اليمنيون والتي قادتنا الى ما نحن عليه اليوم.. ومن هنا وجدنا الأخ الرئيس/ علي عبدالله صالح يتحدث في خطابه أمس الأحد عن بعض قيم ومظاهر القضاء في الماضي وكيف أنها كانت تتعمد الإطالة كمعيار للعدالة .. وكيف ان الاحكام كانت مجحفة وتعتمد على نظم قضائية متخلفة، فيقول الرئيس: «كنا نواجه في الفترة ما بين 1978 1979م مع رجال السلطة القضائية مشكلة عويصة تتمثل بالروتين القديم حيث كان يعتقد المتقاضون والقضاة أنه لا عدالة تتحقق إلا بحكم طويل وليس بحكم يتم تلخيصه ويدون في سجل السلطة القضائية ويستخلص منه الحكم ويصدر في صفحة أو صفحتين»، ويضيف الرئيس: «حتى المواطن كان لا يعتقد ان هناك قضاء أو عدالة إلا إذا رأى الحكم يصل طوله إلى ثلاثة أمتار أو أكثر». اليوم نجد ان القيم التي يتحدث عنها الأخ الرئيس مختلفة تماماً عن قيم السبعينيات والثمانينيات، فهو يحث القضاء على الاهتمام بالقضاء التجاري، وهذا أمر لم يكن موجوداً لأن اليمن أصلاً لم تكن منفتحة على الخارج .. كما يتحدث عن تطوير مهارات القضاة، وتعلم اللغة الانجليزية، والاستعانة بخبراء ، واستيعاب الشباب المؤهل في موسسات القضاء . وهنا دعوني ألفت انتباهكم إلى ما قاله رئيس الجمهورية وهو : « هكذا الأيام لا أحد يستطيع ان يعيش في زمن غير زمنه، فلابد ان يسلم الجميع ونرحب بالجيل الجديد ليتحملوا مسؤولياتهم سواء في السلطة القضائية أو في النيابة العامة أو في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة فلا أحد يستطيع ان يأخذ حقه وحق الآخرين، وهكذا تتغير الحياة». إذن هذا هو المنطلق الجوهري للخطاب السياسي للأخ رئيس الجمهورية وهو أن على مؤسسات الدولة والعقلية التخطيطية لها ان تواكب عصرها، ولا يجوز بقاؤها ضمن افقها القديم الذي لم يعد ملائماً لمناهج الحياة العصرية ولا لعقلية هذه الاجيال ، ولا للاحتياجات الوطنية وبتقديري هنا تكمن عبقرية الرئيس/علي عبدالله صالح حيث إنه يثبت دائماً أنه رجل المرحلة خلافاً لكثير من الزعامات التي تتهالك بسبب عدم قدرتها على فهم العصر ومواكبته، وتلبية احتياجاته. التوجهات التي يشهدها القضاء اليمني هي بحق محط إعجاب كل مراقب ومتابع لها .. فالرئيس لم يعد رئيساً لمجلس القضاء الأعلى ورغم ثقة الشارع اليمني به إلا أنه توجه من لزوم تطورات عصر الديمقراطية من أجل منح القضاء مزيداً من الاستقلالية عن النظام الحاكم.. كما أننا بين يوم وآخر نسمع عن إحالة قضاة إلى التحقيق أو تجميدهم أو اتخاذ أية إجراءات عقابية بحقهم .. وهذا الأمر لم يكن موجوداً من قبل .. كما ان هناك حراكاً كبيراً في ساحة وزارة العدل حول القضاء وإعادة هيكلة مؤسساته وتدريب كوادره. أعتقد أن الرهان على القضاء والعدالة هو رهان يتصدر اهتمامات القيادة السياسية اليمنية للمرحلة الراهنة بشكل كبير وأن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من بعض الوقت ليرتفع البنيان ويكتمل التشذيب، وتلتحم أواصر هذه المؤسسة وتكتسب الكثير من خواصها العصرية.. فكثير من مشاكلنا تعود إلى بعض الاختلالات في مؤسسة القضاء والتي كانت عنوان معاناة الكثير من أبناء الشعب اليمني. إن العدالة الاجتماعية التي يتمناها المواطن لا تتحقق بغير قيادة حكيمة ترسم خطاها، وأجهزة قضائية مؤهلة تكسبها مقومات التفاعل الإيجابي وكذلك شعب متعاون ومتفهم وواع بكل ما يتحقق في بلده، ويتعامل معه بمسئولية وروح وطنية سامية .