منذ أسابيع قليلة فقط عرفت أن في العراق نحو 35 ألف لاجئ فلسطيني، لأننا كنا نحسبهم عراقيين ومنذ يومين فقط عرفت أنهم وحدهم يقتلون ويعذبون ويعانون في العراق فيما العراقيون ينعمون بالسلام. عندما كنا تلامذة مدارس كنا أسبوعياً ندفع مصروف أحد الأيام لشراء طابع مرسوم عليه وجه رجل ملثم ومكتوب عليه «دعم العمل الفدائي» .. ولم نكن نتحسر على دفع مصروف يومنا، بل كنا سعداء ومبهورين بشخصية الفدائي الفلسطيني .. وحتى عندما أصبحنا رجالاً ظل عشق فلسطيني يغمرنا، وجهاد شعبها يبهرنا وكل قطرة دم تسيل على أرضها تؤلمنا. الفلسطينيون الذين عاشوا في العراق لم تكمن أوضاعهم مختلفة عن سواهم من العراقيين ان لم نقل أنهم كانوا أفضل حالاً منا لأننا كنا نمضي سنوات أعمارنا نخوض الحروب على الجبهات بعيداً عن أهلنا .. أمس الأول حضرت ندوة حول «أحوال ومعاناة اللاجئين الفلسطينيين في العراق» واستمعت إلى كلمات ألقاها اخوة فلسطينيون وفدوا على صنعاء للترويج لهذا الموضوع .. وقد آلمني أمران مما سمعت : الأول هو ان العنف والارهاب طال اخواننا الفلسطينيين في العراق، فتألمت لهذا الشعب المغلوب على أمره الذي تم تهجيره من وطنه تحت وطأة الارهاب الصهيوني وإذا به يلاحقه الارهاب حتى إلى موطن غربته!.. أما الأمر الثاني فهو أن يصب الإخوة الفلسطينيون لعناتهم على شعب العراق وينزلقوا إلى خطاب مفتون بلسان بعض الأطياف العراقية يوزعون به الاتهامات هنا وهناك من غير اكتراث لحجم التشويه الذي يلحق بسمعة أبناء العراق!. كم كان مؤسفاً أن يحرص المتحدثون على تصوير الوقائع المتسببة بمعاناتهم كما لو أنها وقائع تختص بهم دون سواهم .. وأن يحرصوا على عدم النطق بأي شيء متصل بأوضاع الشعب العراقي كما لو انهم يتحدثون عن بلد ليس فيه غير اللاجئين الفلسطينيين والعصابات الارهابية التي تطاردهم لقتلهم!. كان مؤسفاً جداً أن يصور الاخوة الفلسطينيون انهم وحدهم من يقتلون على خلفية رعاية النظام السابق لهم وينسون ان آلاف العراقيين قتلوا ويقتلون على خلفية الانتماء أو المذهب أو المنطقة ، أو لمجرد ان هناك من لديه رغبة بالقتل .. وينسون أن نصف الضحايا العراقيين يعثرون عليهم بلا رؤوس .. وعشرات آلاف الأطفال اختطفوا ونصف مليون عراقي هجروا من بيوتهم وأمسوا في الصحاري والقفار ..ونسوا أن دوائر الارهاب أتت على الجميع بغير تفريق على أساس جنسية .. وكان الأولى اعتبار ما يحدث جزءاً من وضع عام يعيشه كل العراق وليس اللاجئون الفلسطينيون وحدهم .. وكان أقل شيء يستحقه العراقيون من اخوانهم الفلسطينيين هو عدم تجريمهم وتشويه سمعتهم .. أو على الأقل الاعتراف بأن شعب العراق يعاني الشيء نفسه، من حق اخواننا الفلسطينيين السعي لإعادة التوطين ولكن على أن لا يكون ذلك على حساب تسويق الأمر كأن حرباً عنصرية عراقية تشن عليهم .. فالشعب العراقي شعب أبي وكريم وتجتمع فيه خصال الاصالة العربية .. وهو شعب مسالم بأصلة وإلا لما بنى أعرق الحضارات الانسانية فليس من حضارة سامية تأتي في ظل غياب السلام .. إلا أن ما يجري اليوم من قتل وظلم انما يجري على الجميع لأن الزمن زمن احتلال ولأن المؤامرة تقضي حشد قوى الارهاب من مختلف أرجاء الأرض إلى العراق لقهر شعب عظيم ومسخ حضارة عريقة وإبادة عقول وقيم وأخلاق وطمس هوية عروبية اصيلة. لا أخفي عليكم أنني عندما كنت أستمع لحديث الندوة انتابني الاحساس بأن هذه الأمة قد أجمعت على أن يكون أرخص الدماء على الأرض هو الدم العراقي الذي رغم كل السيول التي أراقها لم يدافع عنه أحد ولم يغضب عليه أحد .. وهو اليوم مسفوك ومتهم بقتل وتعذيب اللاجئين الفلسطينيين .. فكم هو مؤلم علينا أن يتحدث العرب بلسان نفس الفتن التي تهدر دماء العراقيين!!.