اللغة لاتفقد مدلولاتها بالتقادم الزمني ،إلا أن المتحدثين بمفرداتها هم الذين يفقدون قيم المصطلح اللغوي،وهم الذين يحرّفون الكلم عن مواضعه ،وهذا مايحدث اليوم للديمقراطيين الجدد حين يتحدثون عن الثورة وإنجازاتها ،ويتنكرون لحقائق الواقع. القاموس الجديد لبعض الأحزاب لم يعرف بعد أهداف الثورة الستة ،لذلك فإن قادتها مازالت تجهل أن الوحدة اليمنية هي أحد أهداف الثورة، وأن الديمقراطية هي هدف آخر للثورة،وأن التنمية ،والسيادة الوطنية،وترسيخ فرص السلام هي أهداف حملتها الثورة،وكان الأولى بهم باعتبارهم لم يكونوا من مناضلي الثورة،وكانوا أبعد الناس عن العمل الوطني ، العودة إلى وثائق التاريخ لمعرفة تلك الأهداف.. من مفارقات الزمن الديمقراطي التعددي أن بعض أحزاب المعارضة تشارك في الانتخابات ولديها ممثلون في مجلس النواب،وتقدمت بمرشح للرئاسة،ولديها وسائل إعلام تتحدث فيها بكل حرية،وتنظم المسيرات والتظاهرات ،وتهتف في الشوارع بما يحلو لها من الشعارات لكنها مازالت تجحد أن في اليمن ديمقراطية وحريات،وتنكر أن أهداف الثورة باتت حقيقة تعيشها الجماهير،وتتحدث بكل صلافة عن كونها تعيش تحت نير حكم ديكتاتوري مع العلم أننا لم نسمع يوماً أن هناك معارضاً سحلوه في الشوارع كما تفعل الأنظمة الديكتاتورية التي عرفتها اليمن..ولم نسمع أن هناك زنزانات يزجّ فيها المعارضون للسلطة...ولم نسمع بأن هناك من صادروا بيته ،وقاموا بتأميم أملاكه لأسباب سياسية.. الحقيقة المؤكدة هي أن هؤلاء الناس يتحدثون عن ديمقراطية أخرى خاصة بهم..وحريات مثل تلك التي يمارسونها ويحرمون بها على المرأة حق ترشيح نفسها للانتخابات ،وحق العمل،وحق المشاركة السياسية في موقع قيادي..فالقاموس الديمقراطي الذي يتعلمون منه السياسة يبيح انتهاك القوانين بالنسبة لهم،ويعرض السيادة الوطنية للبيع والشراء ويعتبر الولاء الأول لقائد الحزب وليس للوطن..ويقر قانوناً وحيداً هو «الغاية تبرر الوسيلة»!! فهم يتحدثون عن الثورة اليمنية كما لو أنها مازالت من الغيبيات التي يحلم بها اليمنيون..وهذا أمر في غاية الخطورة لأنه يعني أنهم لايعترفون بالأهداف الستة المعلنة التي تجسدت في أرض الواقع المعاش..وهنا نتساءل: إذن ماهي أهداف الثورة إذا لم تكن تتضمن السيادة الوطنية،والوحدة اليمنية ،والديمقراطية ،والتنمية والمكانة في المجتمع الدولي،وأدوار ترسيخ السلام العالمي!؟ لاشك أن هذا الانحراف ليس في المدلول اللغوي وإنما في القيم الأخلاقية للعمل السياسي..وهم يتوقعون أن الفوضى والعبث السياسي قادر على إيصالهم إلى السلطة،مع أن التاريخ البشري لم يسجل سابقة كهذه لقوى سياسية وصلت السلطة عبر الفوضى،أو عبر التنكر للتضحيات الوطنية ،ودماء الشهداء،وأهداف الثورة،وكل ماقدمه الشعب لأجل بلوغ الحياة التي يعيشها اليوم..فكم أتمنى لو قرأ هؤلاء التاريخ ليتأكدوا إن كان هناك من سبقهم إلى الفوضى!!