كل عام وأنتم بخير.. وأتمنى أن تكونوا قد قضيتم إجازة سعيدة في عيد الأعياد، وإن كان الهمّ هو القاسم المشترك، والغمّ هو الطريق الذي نمشي عليه في رحلة البحث عن السعادة.. بعيداً عن أسعار “الكباش” أعرف جيداً أن كثيراً منكم مرّ عليه العيد وأمر الأضحية غير وارد على الإطلاق في الذهن، وبعيداً عن غلاء الملابس ومقتضيات العيد، أعلم جيداً أن أولاد الكثيرين استقبلوا العيد بملابس ما سبقه. المهم .. أن العيد.. هو عيد العافية ومع موجة البرد الشديدة التي تصقع أبداننا خاصة في صنعاء، وحسب علمي أيضاً في ذمار؛ كان العيد فرصة لنشعر بشيء من الدفء.. وليس مشروطاً الدفء في الجيوب؛ لكن في المشاعر.. ومتى ما كان الدفء موجودا ًفي المشاعر - أعتقد - أنه يكفي لنحيي حفلة السعادة في القلوب ولو كان ذلك في أجواء تشبه استراحة المحارب. وأعني هنا المحارب من أجل لقمة العيش .. وهل هناك أشد منها حرباً .. خاصة والتجار أو معظمهم فهموا “غلط” أن التجارة حرب المؤمنين.. فشنوا حرباً شعواء على إخوانهم المؤمنين - المساكين - ووزارة التجارة والصناعة أذنٌ من طين وأخرى من عجين.. ويعجبها جداً أو يعجب مسئوليها أن يطبقوا الطريقة الشهيرة.. لا أرى .. لا أسمع .. لا أتكلم!!. تخيلوا .. أجمل ما في العيد أن الفنان المرحوم علي بن علي الآنسي يؤنس وحشة غياب الفرحة.. وهو يطربنا بأغنيته الرائعة “آنستنا يا عيد” ولكم أن تتخيلوا - أيضاً - أن هذه الأغنية التي غناها الرائع علي الآنسي في بداية الثمانينيات.. مازالت مسيطرة لأكثر من عشرين عاماً على الأجواء العيدية. وفنانو الأمس القريب .. وأمس .. واليوم .. عاجزون تماماً عن إيجاد أغنية تصل في كلماتها ولحنها وأدائها إلى مستوى “آنستنا يا عيد” ومع كل هذا يجرنا أولئك الفنانون إلى أن “نّتكعف” السماع لأغانيهم التي تأتي على طريقة بيع حبات “العتر” بالنفر أو بالكيلو.. كم .. لكن بدون كيف.. وكلمات لكن بدون معنى ولحن ولكن بدون تأثير، أو بمعنى آخر بدون مذاق .. وأداء أهم ما فيه أن الأوتار تعمل، والتصبيع عليها على أصبعين وأحياناً ثلاث.. واللي ما يشتري يتفرج .. وخاصة على الفضائية أو السعيدة حين لا يفرِّق القائمون عليها بين الغث والسمين.. وبين الغناء.. وبين الزعيق أو النعيق .. ولا حول ولا قوه إلا بالله العظيم!!. ستقولون: وما بعد أغنية “آنستنا يا عيد” سأجيب .. مقطعها الآخر الذي يقول عيّد قد اسمه عيد .. وبالفعل كان لزاماً علينا أن نُعيّد مادام اسمه عيد.. وأن نضحك على الأيام .. وأن “نبرد” من الأوهام.. ونسبح مع الألحان.. ونفرح بالعيد.. وأن نُسلم على الأحباب .. والأهل والأصحاب.. وكل من عادانا. وأرجو أن لا يستغرب سكان صنعاء أو القادمون إلى العاصمة عندما تفتح إدارة حديقة الثورة أو السبعين أو غيرها أغنية “آنستنا يا عيد” لتملأ أرجاء الحديقة.. ومن ثم يمارس المختصون مهمة شفط جيوب - الغلابة - بلا رحمة في زحمة شديدة تفتقد لأبسط أبجديات النظام. كما أتمنى أن لا ينزعجوا لأن المتنزهات أو الأماكن الترفيهية السياحية شبه منعدمة في العاصمة بعد أن تحولت قرية حدة الساحرة إلى مجرد جبل مليء بالأحجار والأشجار اليابسة.. وبعد أن سيطر الوارثون والمتاجرون والناهبون على المحميات الطبيعية “سنع - بيت بوس” ومن قبلهما حدة - أيضاً - وحولها إلى محميات لفلل فاخرة .. ومات الجمال والخضرة في أحضان العاصمة!. هناك شيء آخر يسعدنا في زحمة أحزان العيد.. فالخبر القادم من محافظة عدن يقول: إن ما يتجاوز المليون قصدوا عدن لقضاء العيد في ثغر اليمن الباسم، بالإضافة إلى سكانها. هنا ما يؤكد أن الغالية عدن أصبحت تنافس مدناً عربية في الجمال والسياحة والعمران والحداثة والتطور والأمن والأمان؛ بل تتفوق على عدد من المدن. صار في عدن المنتجعات السياحية والشواطئ الرائعة.. منتجع الفيل .. الساحل الذهبي .. العروسة .. جزيرة العمال .. ساحل أبين .. صيرة .. وكثير من الحدائق والمطاعم الفاخرة .. والشوارع الزاهية .. والبنية التحتية الرائعة.. وكل ذلك يُفرحنا.. ويُسعدنا لأنه يصادر إمكانية «الغدر» في عيون المتربصين، ويفضح ادعاءات الحاقدين، ويكشف زور الناقمين على الوطن والمواطن.. ويؤكد أن بالإمكان أفضل مما كان.. وإن بإمكان المحافظات الأخرى أن تحظى بما حظيت به عدن.. حضرموت.. الحديدة. ومادمنا قد ودعنا العيد.. واليوم ثاني أيام الدوام الرسمي.. فلا مجال إلاَّ العودة إلى أجواء العمل، حيث لا نسلم من التعب والإرهاق وبعض نفوس شريرة وأخرى ناقصة تحتاج إلى دروس في الأخلاق وآداب التعامل وخاصة في مجالنا الإعلامي “الصحفي” الذي أصبح مفتوحاً لمن هبّ ودبّ. وحتى يأتي العيد القادم نتمنى أن تقل مظاهر البذخ عند “المريشين” وأن يشعروا ولو لبعض الوقت مما يعانيه “المساكين” ممن لا مال لهم ولا سيارات ولا رحلات داخلية وخارجية.. وهم برغم كل ذلك أكثر سعادة عندما يعيشون حياتهم بالبساطة، وبأمل أن تتوفر لقمة العيش اليوم، ومصير الغد بيد الرازق الوهاب، لا كمن يعيش الفرحة وهو منعم بالمال وبما يكفي ولد ولد ولده؛ ومع ذلك يشعر بالكبت والضيق ولا مجال لديه لأن يُشفى حتى بسماع أغنية “آنستنا يا عيد”!!. [email protected]