يظهر في عمل مجموعة “ ناس الغيوان “ الغنائية الموسيقية نوع ممازجة إبداعية بين الشعبي والتقني، وحُسن تعامل واضح مع الوسائط التقنية الناقلة للعمل، مما يدل على أن حس التوزيع السليم، وتحديد الأدوار للعازفين والمؤدين يتم على أسس سليمة، ولقد انعكس ذلك على نوع وطبيعة الإشارة الموسيقية التي يستلمها المستمع عبر الاسطوانة المدمجة. لقد لاحظنا كثيراً أن التعامل مع الفنون الموسيقية الشعبية يتّسم بقدر ملحوظ من العاميّة الفنية إن جاز التعبير، أو حتى التلقائية المخلّة، مما يجعل تلك الفنون حكراً على مستمعيها المتعودين عليها، ونستطيع هنا أن نضرب عشرات الأمثلة، نذكر منها مثالاً لا حصراً : شعبان عبدالرحيم “ مصر “ ، وكمال ترباس “ السودان “ ، وفيصل علوي “ اليمن “ ، وهذا لا يقلل بحال من الأحوال من مكانة وشعبية هؤلاء الفنانين، بل ودورهم في إحياء وتوصيل التراث الشعبي إلى نطاق واسع. لكن تجربة “ ناس الغيوان “ اعتنت بهذا الفن الشعبي من خلال محمولاته الموسيقية والتقنية والايحائية، فتمكّنت من إيصال رسالة موسيقية تتمتع بالتعبيرية والوضوح ، وتتخلّص من الاستنسابات المألوفة في الموسيقى الشعبية العربية . وعلى مستوى الأداء الفردي والجماعي للمشاركين وضع القائمون على التوزيع والأداء بالاعتبار تفاصيل كثيرة منها على سبيل المثال : طريقة التسجيل، المسافات بين المؤدين والتي تنعكس على تراتب الصوت ارتفاعاً وانخفاضاً، تبادل الأداء المنفرد والعزف المنفرد “ الصولو “ بطريقة تظهر أهمية وجمالية “ الصولو “ دون التخلّي عن البعد الآخر الجماعي ممثلاً في العزف الجماعي والأداء الجماعي الإنشادي “ الكورال “ . ايضاً العناية بإعطاء كل لحن مداه المحدد دونما زيادة أو نقصان، فالزمن الموسيقي محسوب بعناية فلا تكثّر ولا تداعيات غير محسوبة، وبالتالي فإن عدد أعضاء الفرقة وأدوار العازفين والمؤدين يتناسب وبصورة مقنعة مع الألحان، فالعبرة هنا تكمن في تحقيق الأثر الجمالي عن طريق “ الأوعية الحاضنة “ ، اعتماداً على الاختزال واستنفاداً لقدرات المؤدين “المتروحنين” غالباً، وذلك عطفاً على الاستمزاج الذوقي للموسيقى . تلك الملامح والمقدمات الأساسية تتطلب قدراً من التفصيل والاستستبار لأنها تشي بما يتجاوز تخوم الفرقة الموسيقية المعنية إلى مستويات أشمل .