انعقدت القمة الأفريقية في أديس أبابا كما لو أنها إعادة اعتبار ضمني لمكانة أثيوبيا ومركزيتها في الجسد الأفريقي. فالمعروف أن أثيوبيا تتموضع في قلب القارة السوداء، وتتصل عميقاً بالبُعدين الشرق أفريقي والعمق الأفريقي، فيما تتواشج مع بلدان الجوار الجغرافي العربي بعلاقات تاريخية مديدة. هذا الاستنتاج مسحوب على الإخفاق الأثيوبي الكبير في تدخلها العسكري غير المدروس في الصومال. ولقد كانت إدارة بوش الأكثر يمينية وراديكالية وراء مثل هذا التدخل وبطريقة غير مباشرة، كما تحرق أمراء الحرب الصوماليين شوقاً لذلك التدخل بعد أن قدمت المحاكم الإسلامية نموذجاً مغايراً لثقافة النهب والسلب. وربما أسهم بعض مُتطرفي المحاكم الإسلامية في إنضاج مشروع التدخل عندما قالوا إن مشروع التغيير «الإسلامي» لن يقف عند تخوم الصومال، بل سيشمل «أوغادينيا» ذات القومية الصومالية المسلمة. وهو الأمر الذي أثار قلق «أديس» أبابا باعتبار أن قوميات «الأرومو» و«العفر» الأكثر عدداً في سكان أثيوبيا مسلمون أيضاً. انسحبت أثيوبيا من الصومال و- حسناً فعلت - وشاءت الأقدار أن يعود زعيم المحاكم السابق الشيخ شريف أحمد شريف رئيساً شرعياً ينال دعم دول الجوار والعالم برمته. وقد أثبت الشيخ شريف أحمد على مدى سنوات كفاحه السياسي أنه يمثل الوسطية في المشروع الإسلامي السياسي، كما أثبت جدارة في التعامل الحكيم مع الغزو واستتباعاته. وها هو يعود إلى سدة الحكم لابساً أكاليل الغار، وناشراً رؤية جديدة مفادها :أن الإسلامي السياسي ليس ضد الديمقراطية واللامركزية والتعددية. وهو بهذا الصنيع يذكّرنا بمجد الإسلاميين الأتراك الذي أمسكوا بكامل التراث الموروث من جمهورية كمال أتاتورك، فيما قدموا الفضيلة بأرقى معانيها. الذين يجابهون اليوم مشروع مؤتمر جيبوتي وشرعيتها إنما يعبدون إنتاج المتاهة دون فائدة. وأقصد تحديداً جماعات «الشباب المجاهد» المُصرّين على استنساخ نموذج طالبان، واعتبار كل مختلف معهم خارجاً عن الملّة..