منذ سنين طويلة وأنا أردد موالاً سمعته للمطرب العراقي «سعدون جابر» يقول الطرف الأهم في الموال: «.. اللي يضيع ذهب سوق الذهب يلقاه.. واللي يضيع حبيب بعد عمر ينساه.. لكن يُبه اللي يضيع وطن وين الوطن يلقاه؟!!..». والحقيقة أننا مهما كنزنا من الذهب فإننا سنفقده ولم يسمَّ ذهباً إلا لأنه يذهب.. ومهما أحببنا وانطرحنا على أبواب الحب سكارى.. فلابد أن ننسى من أحببنا وينسانا الذي أحببناه!.. لكن يحل محله حبيب ويستبدلنا هو بآخر.. وهذا حال الدنيا وشأنها وفي الحب حصراً لا ثالث للأمرين. لكن الوطن كنز لا يقدر بأطنان الذهب.. لايبيع في قلوب مواطنيه ولا يشتري، بل إنه أكثر إخلاصاً ووفاءً لمن يعطيه أكثر.. فلماذا نبيع رقعة الأرض تحت أرجلنا ونتشبث بالسراب؟!.وما عساه يكون البديل؟!. تأملت ملياً في وجوه الشباب الذين أعلنتهم الجهات الأمنية أذيالاً لمجموعات إرهابية، وقد لا أجيد الكتابة في هذه المسميات؛ لكن ما لفت نظري وأنا أقرأ الجريدة أنهم جميعاً شباب أو في منتصف العمر.. فما الذي يرغمهم على القيام بتفجيرات أو قتل سياح أبرياء قد نكسب الكثير إذا تعاملنا معهم معاملة حق ودين؟!. فقد يُصحّح هؤلاء نظرة مواطنيهم عندما يعودون إلى أوطانهم وقد عُوملوا بكرم أخلاق وسمو مبادئ.. هؤلاء الأفراد لا يعبّرون عن سياسات بلادهم كما لا تعبر الكثير من منشوراتنا عن رأيها بصراحة فيما يخص مجتمعاتنا وصحة سلوكهم مع الآخرين. فلِمَ العبث بهذا الصامت الحزين الذي لا يلوي على شيء؟! لِمَ العبث بصورة الغد المشرق الذي حفرنا أحشاء التاريخ ونحن نرسمه؟! لِمَ التطاول على وطنية الشرفاء الذين يصلون الليل بالنهار لنصبح على خير ونمسي على أمل..؟!. لِمَ الانخراط في سلك الإرهاب؟ ولِمَ نمارسه ونحن نعيبه..؟! ما الفرق بين من يجتث جذور الأمان داخل اليمن ومن يفعله هناك في فلسطين أو العراق أو الصومال؟!. لماذا نعلم أطفالنا أبجدية العبث بأمن الوطن وهم أجدر به من سواهم؟! ترى.. ما الثمن الذي يجنيه مثل هؤلاء البشر؟! ماذا قدموا للوطن من إنجاز عظيم إذا حطموا قصوراً أو أحرقوا بساتين أو قتلوا ضيوفاً على أرض اليمن؟!. ما الرصيد الذي أضافوه إلى بنك الوطنية؟! هل ينتظرون شكراً من أحد؟! وهل يظنون أن الله يغفر قتل النفس دون وجه حق؟! من أية زاوية يرى هؤلاء؟! وما القوانين التي تحكمهم؟! وهل هم مثلنا يحلمون بغدٍ جميل ليمن سعيد؟!. هل ينام هؤلاء مثلنا بلا ركام خيانة؟! هل يشعرون بما نشعر عندما نرى علماً لليمن يداعب نسائم الأيام كأنما يعيشان قصة هوى؟!. أتخيل مشاعر الأمهات اللاتي ظللن سنين يربين هؤلاء الرجال أن يكونوا كباراً على كل شيء إلا الوطن.. ترى.. ما القصائد التي يسردها الليل عليهن وهن يستنشقن رائحة الحزن على أجساد اغتالتها أيادٍ خفية لا نعلم لها لوناً ولا ندري لها وطناً..؟!. احذروا أيها الآباء والأمهات أن تلقوا بأبنائكم على رصيف الجهل.. ثقفوهم بمعاني الوطنية.. علموهم أن ديننا دين التسامح والعفو، وأنه الدين الخالص الذي يعامل الناس سواسية، لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى. وكفوا عن زرع ألغام الحقد داخل قلوبكم حتى لا نجعل من عصمة أمرهم أشلاء.. أو نشتت أمامهم أبجدية ما نقول وإيقاع ما نفعل.. لا ترغموهم أن يبحثوا عن أنفسهم لدى سواهم فيكونون لكم أعداء وتكونون لهم ضحايا. ازرعوا تسامحهم مع أنفسهم فيكم قبل أن تلقنوهم دروس الوطنية الجافة الفارغة من المضمون ثم ادفعوا بهم إلى ساحة الحياة وأنتم على ثقة بما تصنع أيديكم.