هل ما زلنا معشر اليمنيين حقاً أرق قلوباً وألين أفئدة؟ وهل مايحدث في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يتفق مع الفطرة البشرية السليمة التي فطر الله عباده المؤمنين عليها؟ وهل صحيح أن ديننا الإسلامي يحرّم قتل النفس البشرية إلا بالحق، وهل..؟ وهل..؟ إذاً لماذا تكاثرت حالات القتل العشوائي في مجتمعنا اليمني المسلم؟ ولماذا لا توجه تلك العمليات لقتال غير المسلمين ممن يعتدون على إخواننا في فلسطين والعراق وافغانستان؟ ولماذا..؟ ولِمَ..؟ ومن..؟ وغيرها. عينة لعشرات الأسئلة التي يواجهنا بها صغارنا وشبابنا صباح مساء، الذين لم يتمكنوا من استيعاب الاختلاف بين مايسمعونه عن الدين الاسلامي وأخلاقياته ومثله وقيمه السامية التي حملها سيدنا محمد بن عبدالله«صلى الله عليه وسلم» وبين مايشاهدونه يومياً عبر قنوات التلفزيون والفضائيات، مما يضعنا في حيرة من أمرنا، ونحن نحاول أن نلملم حروف الاجابات عن تلك الأسئلة الملحة، ونسعى إلى تبسيط الكلمات حتى لا نزيد من حيرة الأبناء، ونجعلهم يتيهون بين عشرات الآراء والاتجاهات الفقهية والتيارات الاسلامية، التي تدعي جميعها صلتها بالاسلام. نعم .. من حقنا جميعاً أن نضع عشرات بل مئات علامات الاستفهام أمام كثير من التحولات والتبدلات المتسارعة التي تشهدها مجتمعاتنا في القيم والثقافات والمفاهيم والتصورات والأخلاقيات، بفعل انتشار عشرات القنوات الفضائية، وأن نطرح عشرات بل مئات الأسئلة عن أسباب ما يجري في مجتمعنا اليمني ومجتمعاتنا الاسلامية من تفجر فورات العنف وتجدد دورتها من حين لآخر، وعن مغزى استهدافها المدنيين الآمنين في مجتمعنا اليمني، من اليمنيين والسياح الأجانب، وكذا عن سر تزامن بعضها في لحظات عصيبة من تاريخنا وبطريقة توحي بوحدة الأهداف واتفاق الأجندات الداخلية والخارجية لزعزعة أمن واستقرار هذا البلد، مما أشار إليه أستاذنا نزار العبادي في «يوميات وطن» الخميس الماضي ومن حقنا كذلك أن نعيد طرح السؤال الأهم الذي طرحناه منذ بدء تفشي ظاهرة العنف في مجتمعنا اليمني، مما لم نعهده في مجتمعنا اليمني: ماالسبيل إلى وقف دورة العنف؟. على العكس مما قد يعتقده كثير منا، لا يعد العنف صفة لصيقة بثقافة أو بحضارة إنسانية دون غيرها، وإن بدا أن بعض الثقافات والحضارات أكثر ميلاً لممارسة العنف ضد الآخرين، كما أنه ليس سلوكاً مرتبطاً بمجتمع دون غيره أو بشعب معين دون سواه، مما اعتاد العامة والخاصة في مجتمعنا اليمني على تداوله والتمثيل به في جلساتهم وأحاديثهم الخاصة، عبر الاشارة إلى هذا المجتمع أو ذاك.. أما لماذا..؟! فلأن العنف يعد ظاهرة اجتماعية عرفتها البشرية عبر العصور والحقب التاريخية الماضية، وتكفي المرء منا قراءة سريعة للمؤلفات والكتب التاريخية وسير الأمم التي سجلت أحداث الصراع والعنف السياسي في المجتمعات البشرية لمعرفة حجم العنف البشري الذي دمر حضارات وأباد أمماً وشعوباً وتسبب في فناء ثقافات وحضارات لا حصر لها، مما سجلته الكتب والسير التاريخية. وفي الوقت الحاضر لازالت كثير من المجتمعات البشرية تعاني من هذه الظاهرة بدرجات مختلفة وبصور وأشكال متعددة، ويكمن الاختلاف بين المجتمعات في تباين الأسباب المفضية إلى تنامي ظاهرة العنف، وفي تطوير المؤسسات والآليات والأساليب الفعالة للتعامل معها، بحيث يتم تقليص حجمها وتقليل مخاطرها والوقاية من شرورها. عديدة هي الأسباب المفضية إلى تكرار ظاهرة العنف في مجتمعاتنا، وفي هذا الصدد نجدد التأكيد أن العنف ظاهرة مركبة لها جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية.. وأنه ظاهرة عامة تعرفها كافة المجتمعات البشرية ولو بدرجات متفاوتة، وبصور وأشكال متعددة، ولأسباب متداخلة ومتنوعة تختلف باختلاف المجتمعات والثقافات والمراحل التاريخية وهو ما يستدعي البحث في جوانب العنف المختلفة وتحديد أسباب حدوث كل نوع من الأنواع على حدة، حتى تتمكن مجتمعاتنا من مواجهة كافة أسبابه و معالجة جميع أنواعه على اختلافها وتحديد المسئوليات الملقاة على كل فرد منا في مواجهة الأنواع المتجددة من صور العنف، وإيقاف عجلته عن الدوران والتجدد. ومن نافل القول: إننا جميعاً مدعوون إلى نبذ كل مظاهر وصور العنف التي نمارسها أفراداً وجماعات في حياتنا وداخل بيوتنا، ولنترفق بأنفسنا وبالآخرين ولنكن عوناً لأمتنا، ولنعمل جميعاً من أجل إفشاء ثقافة التسامح والمحبة بين أبناء المجتمع الواحد صوناً لدماء إخوتنا في الدين والعرق والملة من المدنيين والعسكريين، وحفاظاً على وحدة وطننا ومجتمعنا وأمتنا، لأن العنف أياً كان مصدره أو طبيعته أو الجهة التي تمارسه، وأياً كان الهدف المرسوم له، والمبررات المعطاة له يخلق مناخاً من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، يشل طاقات أي مجتمع ويعطل قدراته، ويعرقل مسيرته نحو تحقيق أهدافه في التنمية، ويعيق عملية الاصلاح على مختلف الأصعدة والمستويات، ولنا في تجاربنا الوطنية وتجارب كثير من المجتمعات العربية والاسلامية غيرها دروس حافلة بالعبرة والعظة ولايعقل أن لا نستفيد من تجاربنا القريبة الماضية ومن تجارب الأخرين ، وأن لا نتعلم من اخفاقات الشعوب الأخرى وانكسارتها، ولأن مايحدث يخالف تماماً الفطرة البشرية التي فطر الله عليها عباده المؤمنين، ويخالف سنة المصطفى «عليه أفضل الصلاة والسلام» في وصفه لليمنيين بأنهم أرق قلوباً وألين أفئدة.. فهل من سبيل إلى وقف دورة العنف؟؟ ٭ جامعة إب