لقد أصبح الفساد في اليمن شيئاً أكبر من أن نتجاهله، فالرشوة والابتزاز والاحتيال والاختلاس والمحسوبية والمحاباة تمثل جميعها منظومة الحياة اليومية، ولعل شوارع العاصمة صنعاء بما تمثله من فوضى مرورية خير دليل على ذلك، فالفوضى المرورية تتزايد وتتفاقم يوماً بعد يوم من جنوب العاصمة إلى شمالها ومن غربها إلى شرقها. لقد أصبحت الشوارع مسرحاً حقيقياً للعبث والفوضى والإهمال واللامبالاة بعد أن ضاقت المساحات المرورية نتيجة غياب أماكن الانتظار بل إن المدن الجديدة كمدينة حدة لايوجد فيها أرصفة للمشاة، لأن طبقة المترفين لم يتركوا حتى شبراً واحداً، فهم ينهبون المال العام ويشترون السيارات الفارهة، لكنهم لايهيئون الشوارع المناسبة لحركة هذه السيارات. والأدهى والأمر أن أمانة العاصمة غائبة تماماً عما يجري، فهناك كثير من العمارات تتطاول في البنيان حتى تصل إلى عشرة أدوار دون أن تبني مواقف سيارات، كما أن المجلس المحلي يؤجر ماتبقى من الشوارع لنصب خيام الأعراس بما يعطل حركة السير ويؤدي إلى تخريب هذه الشوارع وإحداث حفريات فيها، وكثير من المتنفذين ينصبون مطبات صناعية أمام بيوتهم بشكل عشوائي دون أية رقابة من قبل أمانة العاصمة. وهذا يجعلنا نتساءل: ماهو دور الأمانة في التخطيط الحضري وبناء المدن الحديثة؟، ومن المعروف أن القائمين على أمانة العاصمة يسافرون بشكل مستمر إلى الخارج ويرون العواصم الأخرى، ألا تأخذهم الغيرة على عاصمتهم؟! أريد أن أقول بوضوح لا لبس فيه إن هذه الفوضى في شوارع العاصمة التي تسرق الوقت وتبدد الجهد وتستهلك الطاقة هي إحدى نتائج غياب دور أمانة العاصمة وغياب الشعور بالمسؤولية من جانب، ومن جانب آخر غياب الشعور بالمسئولية عند البعض ممن يتصورون أنهم فوق القانون، ويمارسون كل أنواع المخالفات في المباني والمنشآت ويعتدون على حرمة الشوارع والأرصفة. نحن أمام إشكالية من صنع أيدينا وتحت سمع وبصر أجهزة أمانة العاصمة التي تستسهل الطناش ربما تجنباً للصداع والصدام مع بعض من يزعمون أنهم من أصحاب النفوذ. وفي اعتقادي أن الحديث عن علاج جذري لهذه المشكلة يتطلب جدية البحث عن إجابات واضحة لمجموعة أسئلة هي: لماذا لم يعد لرصيف المشاة أي وجود في معظم أحياء العاصمة؟ ولماذا يسمح ببناء العمارات الكبيرة والمراكز التجارية بدون مواقف للسيارات، خاصة أن عدد السيارات أصبح يفوق عدد الوحدات السكنية، لأن الفاسدين ينهبون السيارات لهم ولأولادهم، حتى أصبح من الملاحظ في الآونة الأخيرة أن هناك أطفالاً يجوبون الشوارع بسيارات فارهة وكأنهم في حديقة ألعاب سيارات. والسؤال موجّه لأمين العاصمة: هل لم يعد بإمكان الأمانة إعادة الحياة إلى القانون الذي يلزم بوجود مواقف سيارات.. وهل الفوضى القائمة التي تلتهم الأرصفة والشوارع والمتنزهات العامة أصبحت أمراً لابد منه؟ ومايشفع لنا لطرح هذه الأسئلة أن المسألة تجاوزت الزحمة المرورية لتصل إلى تغييب البعد الجمالي والبيئي. علينا أن نتفق والاتفاق واجب وضروري على أن النقد حق لنا خاصة وأن النقد غير المعارضة. ونحن نعلم أن غياب القانون يكون لصالح أفراد وجماعات لاهدف لها سوى النهب والسلب لكل مايقع في أيديهم، وعندما يغيب القانون يتجرأ الكل ويصبح المال العام وأراضي الدولة وأراضي المواطنين ومقدرات الوطن كلأًمباحاً. والحقيقة أن الأحزاب السياسية كلها مازالت تتفرج على الوطن وهو يتضرج بالدماء دون أن تتداعى للوقوف إلى جانبه. هذه الأحزاب كلها تدور في فلك توصيف المشكلة، ولاتبحث عن حلول لها، ويغيب عن الكثير ممن يتناولون الوضع بالتحليل غياب الفهم لحركة المجتمع، لأن السلوك الاجتماعي لأي مجتمع هو المعبر الحقيقي عن الواقع السياسي والاقتصادي، فما يحدث اليوم على أرض الوطن إنما هو تجرؤ على هيبة الدولة وخاصة من قبل مراكز القوى التي بنتها الأحزاب جميعاً ووقفت إلى جانبها على حساب الدولة المدنية. نحن اليوم أمام أصحاب مصالح لاتقيم وزناً لا للدولة ولا للمجتمع، وهذه القوى رسمت تحالفاتها مع بعض القوى في السلطة وبعض الأحزاب السياسية لضمان استمرار هيمنتها على المجتمع وتفكيكه بما يخدم مصالحها الاقتصادية. عندما لايكون هناك وجود لمؤسسات القانون أو عندما تكون ضعيفة، فإن الفساد يستشري ويخرج عن السيطرة وتنهب موارد الشعب ويجري استخدامها في تدعيم الفوضى والعجز. ولعل أحزابنا السياسية سواء التي في السلطة أو التي تطمح إلى السلطة تدرك أن من نتائج الحروب يبرز الفساد كواحد من أكثر العقبات خطورة في وجه التنمية، فما يجري اليوم من حرب وعنف سيجعل الوطن يخرج ببنية تحتية مدمرة تفتقر إلى الغذاء والدواء وحتى المياه. فنحن أمام مشاهد مأساوية تعكس حجم التخلف الذي أصاب البنية الاجتماعية والسياسية. هذا التخلف لم ينشأ من فراغ ولايمكن إرجاعه فقط إلى مؤامرات تحاك ضدنا مع التسليم بوجود مثل هذه المخططات للتآمر علينا والسعي لإبقاء اليمن في خندق العجز لضمان إثبات أن المشروع الديمقراطي الذي انتهجته اليمن إنما كان مشروعاً فاشلاً. نحتاج في الوقت الراهن إلى قرار سياسي حازم يُعلي من شأن النظام والقانون بحيث يتم القبض على كل الخارجين عن القانون أمثال الفضلي والوحيشي والحوثي وكل الذين وردت أسماؤهم في القائمة السوداء كموردين للسلاح ونشرت أسماؤهم في صحيفة الثورة ليقول القضاء العادل والنزيه كلمته فيهم، أما أن يتهمهم الإعلام بأنهم خارجون عن النظام والقانون وهم يسرحون ويمرحون فإن ذلك ينتقص من هيبة الحكومة ويشجع آخرين على عدم احترام القانون. ولعلي أذكّر الإخوة في المؤتمر الشعبي العام واللقاء المشترك أن العناوين الرئيسية أصبحت هي الفقر والبطالة والعنف، فهل لهم أن يحولوها إلى عناوين للتنمية والديمقراطية والنظام والقانون؟ أم أن التخلف أصبح بنيوياً وأنهم جزء من هذا التخلف ولايجيدون سوى خطاب الإقصاء والعنف والكراهية وغياب الرؤية الحقيقية لماهية المستقبل؟ ومن المؤسف أن تكون هذه الأحزاب على علم بسبب المرض ولايغيب عنها وصفة الدواء، ومع ذلك تهرب جميعها من المواجهة وتستسهل تبادل الاتهامات. لماذا تصمت المعارضة كل هذا الصمت وهي ترى السلاح يوجه كل يوم إلى صدر الوطن وترى الإخلال بالنظام والقانون؟ ولماذا توقفت عن الحوار في الوقت الذي سعت فيه إلى التوقيع على اتفاق فبراير؟ فهل فعلاً هذه الأحزاب عجزت عن البناء أو حتى مجرد النظر إلى الأمام؟! مازال الأمل قائماً بأن مظلة الحوار بين هذه الأحزاب تحت مظلة التسامح والمصارحة والواقعية من أرضية إدراك، صحيح بأننا بأمس الحاجة إلى تضامن حقيقي يرتفع إلى مستوى وحجم الأخطار والتحديات التي تواجه الوطن!