تظن كثير من الأنظمة العربية المُطبّعة والمتماهية مع العصابات الأمريكية والصهيونية أنها بالتقرب من هذه العصابات ستكون في مأمن من غدرها وبطشها وتسلطها. هذا الوهم الذي عشعش في رؤوس قادة الأنظمة العربية لا يزال طاغيًا على الرغم من المؤشرات والوقائع التي كشفت أن تلك العصابات لا يُؤمن جانبها، وما انتهاك سيادة الشعوب العربية بالعدوان الصهيوني المباشر إلا أحد شواهد مكر أمريكا بحلفائها الذين تربطهم بها اتفاقيات أمن وحماية . 26 سبتمبر – خاص لا يمكن أن تحقق أي من الدول العربية النهوض والاستقرار ما دامت تراهن على الحماية من قبل عدوها الذي ينتهك السيادة ويعربد حيثما يشاء، متجاوزًا كل النظم والقوانين الدولية التي تحفظ للشعوب حريتها واستقلالها وتؤكد على حقها في تقرير المصير ومواجهة الغزاة والمعتدين. وفي ظل العربدة الصهيونية التي بات خطرها يتجاوز أرض فلسطين، بل وخارطة ما يسمى "إسرائيل الكبرى"، يجب أن يراجع قادة الأنظمة العربية مواقفهم السياسية ويعيدوا حساباتهم أمام هذا التحدي الخطير الذي يهدد الأمن القومي العربي بشكل مباشر وغير مباشر، إما من خلال العدوان العسكري على أراضي عدد من الدول العربية، أو عن طريق الغزو الثقافي والفكري متعدد الصور والأشكال. هذا جانب، أما الجانب الآخر فيتمثل في الاستمرار في ارتكاب المذابح المروعة في فلسطين وتدنيس قبلة المسلمين الأولى ومسرى الرسول وثالث الحرمين الشريفين (المسجد الأقصى المبارك). عدو جبان من خلال تاريخ الإرهاب الأسود الذي ظهرت فيه النبتة الخبيثة في أرض فلسطين، والذي يقدر بسبعة عقود، كانت هناك الكثير من الشواهد التي لا تزال ظاهرة اليوم، بما يحصل من مذابح فظيعة في قطاع غزة، بأن العصابات الصهيونية مهما حصلت على تنازلات من قبل العرب، إلا أنها تزداد عتوًا ونفيرًا وتوحشًا في الاستخدام المفرط للقوة ضد أهداف مدنية بحتة، مما يكشف جبن ودناءة ودموية تلك العصابات المصابة بعقدة العظمة التي تجعلها ترتكب جرائم الإبادة والقتل والتدمير والتشريد بشكل يفوق الوحوش الكاسرة، حتى تُرهب الشعوب والأنظمة بهذا الجنون والقتل الأعمى للمدنيين بدم بارد، والقصف والتدمير لأي هدف ينتصب أمامهم، سواء كان مرفقًا صحيًا أو دور عبادة أو مؤسسات صحفية أو مخيمات نازحين. لا فرق لدى العدو بين هذه المسميات، فالمهم هو أن الإبادة والتدمير الشامل للعرب هو أحد المرتكزات التي نشأت عليها عصابات الهاجاناه والشتيرن، والتي سُمّيت لاحقًا بإسرائيل. جرس إنذار عندما نُذكّر بالمشروع الصهيوني وخطره على العرب جميعًا، فإنما نحاول دق جرس الإنذار أكثر من مرة، لعل وعسى أن يتنبه قادة الأنظمة العربية لهذا الخطر الداهم والتحدي السافر للسيادة والاستقلال. ومن الشواهد الواضحة على ذلك استهداف العاصمة القطرية الدوحة، مدّعيًا مبررًا لعدوانه السافر بأعذار واهية ومثيرة للسخرية. كيف لهذا الكيان الملفق أن يعربد ويشن كل هذه الغارات على عدد من الشعوب العربية دون أن يكون هناك رد قوي على هذا الإرهاب البشع الذي ترعاه وتموله أمريكا "راعية السلام" وحامية أمن الخليج أيضًا، والتي باتت تهاجم الحلفاء وتنقض اتفاقياتها معهم بشكل علني، مما يجعل قادة الأنظمة العربية أمام تحدٍ صعب أمام شعوبهم وأمام التاريخ لأجيال وأجيال. شواهد حيّة المتأمل والباحث في سجل الإرهاب الصهيوني القديم والجديد على السواء، يلاحظ كيف يستغل كيان العدو ضعف الموقف العربي ويعمل على استغلاله من خلال احتلال أراضٍ جديدة من الدول العربية، على سبيل المثال في جنوبلبنان وفي الجنوب السوري، فيما لا يزال المخطط الصهيوني مستمرًا في تحقيق أهدافه في احتلال المزيد من الأراضي العربية، حتى المشمولة في خارطة العدو من النيل إلى الفرات وإلى شمال السعودية. هذه الشواهد والجرائم التي تطال عددًا من الشعوب العربية، والتحدي بالسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص الدول العربية، من التحديات التي باتت ماثلة وبحاجة إلى تحرك طارئ على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية، حتى يتم ردع الإرهاب الصهيوني قبل أن يستفحل ويطال عواصم أخرى في دول حليفة له وللبيت الأبيض. إعادة تدوين للتاريخ ضمن هذا المشهد الخطير الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص جرائم الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني لما يقارب العامين، صمت المجتمع الدولي عن تلك الجرائم غير المسبوقة بحق الإنسانية، وصمتت أيضًا الأنظمة والشعوب العربية. لكن اليمن برز بدوره العسكري والشعبي المتفرد في دعم وإسناد شعب فلسطين، من خلال التدخل بشن ضربات نوعية بالصواريخ والطائرات المسيّرة بصورة شبه متتالية منذ نوفمبر من العام 2023م، مما عزز من صمود وثبات المقاومة الفلسطينية في مواجهة جيش العدو. وبالتأكيد، فإن استمرار العمليات العسكرية اليمنية بشكل منفرد ومتفرد جعل اليمن يعيد تدوين التاريخ العربي بأحرف من نور ونار، ليؤكد أن فلسطين ومسرى الرسول تستحق منا أن نبذل التضحيات مهما غلت، لأن الدفاع عن القدس هو معيار عزة ورفعة الأمة الإسلامية، وفوق كل هذا واجب ديني وإنساني وأخلاقي لوقف الظلم والقتل بغير حساب، الذي يطال العشرات بل المئات بشكل يومي في فلسطين أمام مرأى ومسمع من العالم. عمليات نوعية وفي خضم خوض قواتنا المسلحة غمار معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، تتواصل عمليات استهداف كيان العدو الصهيوني بصورة متتالية في إطار حق الرد المشروع على جرائم العدو بحق شعب فلسطين وبحق الشعب اليمني. وخلال الفترة من ال9 وحتى ال13 من شهر سبتمبر الجاري، نفذت قواتنا المسلحة أربع عمليات عسكرية نوعية استهدفت مواقع حساسة للعدو في عمق المناطق الفلسطينيةالمحتلة، ومن أبرزها: استهداف يافا في ال13 من الشهر الجاري، نفذت القوات المسلحة عملية عسكرية استهدفت أهدافًا حساسة للعدو الصهيوني في منطقة يافا المحتلة، وذلك بصاروخ باليستي فرط صوتي نوع "فلسطين 2" انشطاري متعدد الرؤوس، وقد حققت العملية أهدافها بنجاح بفضل الله. عمليتان عسكريتان أكدت القوات المسلحة في بيان لها في ال11 من سبتمبر تنفيذ عمليتين عسكريتين، أولاهما استهدفت هدفًا عسكريًا للعدو الإسرائيلي في منطقة النقب المحتلة، وذلك بصاروخ باليستي فرط صوتي نوع "فلسطين 2"، والأخرى استهدفت مطار رامون بطائرتين مسيرتين، وهدفًا عسكريًا في منطقة النقب المحتلة بطائرة مسيرة. أهداف حساسة وكانت القوات المسلحة قد أعلنت في بيان لها في 9 سبتمبر تنفيذ عمليتين عسكريتين، أولاهما استهدفت أهدافًا حساسة للعدو الإسرائيلي في محيط مدينة القدسالمحتلة، وذلك بصاروخ باليستي فرط صوتي نوع "فلسطين 2" الانشطاري ذي الرؤوس المتعددة، والأخرى استهدفت عددًا من الأهداف في منطقة أم الرشراش المحتلة، وذلك بثلاث طائرات مسيرة. زمن الانحطاط من خلال قراءة أحداث تاريخ الصراع العربي مع كيان العدو الصهيوني منذ عام 1948م، نجد أن جولات الصراع، رغم ما شابها من خذلان للمقاومة الفلسطينية، شهدت مواجهات وحروبًا دفاعية لصد هجمات العدو وتوغله في أراضي جنوبلبنان ومصر وسوريا. وفي الفترات التي أعقبت حرب أكتوبر 1973م، خاصة بعد توقيع معاهدة سلام مع المحتل الغاصب، حدثت نكبة جديدة للعرب، وبدأت الروح الثورية والنضال العربي المشترك بالتراجع خطوات نحو الوراء، تاركةً للعصابات الصهيونية مجالًا للتوسع في الاستيطان والقتل والتدمير في مختلف أراضي فلسطين، وخوض حرب غاشمة ضد لبنان أيضًا. وعلى الرغم من تراجع الحماس الثوري نوعًا ما، إلا أن الجانب السياسي كان حاضرًا، وإن لم يكن له أثر فعلي، لكنه أحدث ضجيجًا على الأقل إعلاميًا. أما الفترة الحالية التي نعيش أحداثها، في ظل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من جرائم إبادة على أيدي مجرمي الحرب الصهاينة، وجرائمهم أيضًا في الضفة الغربية، والعدوان على لبنان وسوريا واليمن وإيران، فنلاحظ تراجعًا مخزيًا لم يعد حتى للجانب السياسي أو الإعلامي أي صدى يُذكر. بل وصل الحال ببعض الأنظمة العربية، للأسف الشديد، إلى أن تتحول من مرحلة التآمر على القضية الفلسطينية إلى المشاركة العلنية في جرائم الاحتلال ضد شعب فلسطين، إما عن طريق التبادل التجاري، وإما عن طريق نقل الأسلحة لجيش العدو. لتتكشف هذه المرحلة على أنها أكثر سوءًا من المراحل السابقة، وأقل ما يمكن وصفها بأنها مرحلة انحطاط إنساني وأخلاقي للعالم الذي يدّعي التحضر، وللأمة التي يربطها بفلسطين الدين الإسلامي، والتي يبلغ عدد دولها 57 دولة، ويزيد عدد المسلمين فيها عن ملياري نسمة ينتشرون في أصقاع المعمورة. تصعيد المقاومة مهما تخاذل العرب، ومهما تآمر البعض منهم ضد فلسطين، فلن يفلحوا، ولن تفلح العصابات الصهيونية، لأن المقاومة فكرة، والفكرة لا تموت. وستظل جذوة نار المجاهدين في فلسطين مشتعلة، وسيظل أحرار يمن الإيمان أيضًا مساندين لهم، ولن ينعم المحتل الجبان بالأمن والاستقرار ما دام يحتل أرض فلسطين. وستستمر المقاومة جيلًا بعد جيل، ولن تتوقف مهما أوغل الاحتلال في سفك الدماء، ومهما اغتال من القادة، فمسيرة الجهاد ستتوسع وتزداد عنفوانًا وقوة، حتى يكتب الله النصر لعباده المؤمنين، وتتحرر فلسطين، ويتطهر المسجد الأقصى المبارك من دنس اليهود الغاصبين. وما النصر إلا من عند الله، قال تعالى: إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا" صدق الله العظيم.