استتباعاً لزوايا الأيام الماضية يمكننا الإمساك بالمقدمات التي كانت سبباً للنتائج الماثلة، ويمكننا تلخيص تلك المقدمات فيما يلي: نموذجان «ثوريان» في الشمال والجنوب تاقا للتغيير وفق خطاب انتقائي براغماتي لم يخلس من روح ديماغوجية، وكان الجنوب في هذا الباب أكثر راديكالية وتمثلاً لمعنى الأيديولوجيا المغلقة، ولمعنى الدولة العصرية من حيث قوة القانون والمؤسسة، ولهذا السبب لم تسمح صراعات الفرقاء المريرة في الجنوب من تدمير أُسس الدولة ومقتضياتها. وبالمقابل كان الشمال أكثر حيوية في البراغماتية المالية التجارية والاستثمارية، لكن متوالية التمرير والتبرير أفشلت مشروع الدولة العصرية، فجاءت الوحدة لتقدم نصراً مبيناً لمن لم يستوعبوا معنى الدولة والنظام والقانون مما أبهت دور فرقاء الخير والعقل سواء في إطار النظام أو خارجه. الانعطافات الدراماتية، ومنطق حرق المراحل شكلت بيئة مناسبة لنمو خطاب سياسي فاقع اللون، وكان أبلغ تعبير عن هذا الخطاب جملة الوصوف والمصطلحات الحمالة لأحكام قيمة إطلاقية مازالت تعيد إنتاج نفسها حتى اليوم. خلال العقود الماضية تغير وجه اليمن حقاً، وكان التغيير أكثر وضوحاً خلال العقد الأخير الذي زادت فيه الاستحقاقات، ونمت المعارف، ودخل إلى حيز الفعل الحياتي جيل جديد مسلح بالإدراك والعلم. وأصبح فرقاء الساحة السياسية مطالبين بمواقف متقدمة، بل أصبح الشارع يصنع خيارات لم تكن متوقعة. ولهذا ليس غريباً أن تتجاوز حركة الشارع القوى السياسية بطيوف ألوانها، وأن تجد الدولة نفسها بين نارين.. نار الاستحقاقات العاجلة الملحة بإجراء إصلاحات من شأنها تقويض عرابي الفساد ولصوص المال العام، وما سينتجه من ردود أفعال محتملة.. ونار التعامل مع المشاكل المتفجرة في صعدة والجنوب، والتي قد تأخد أشكالاً أخرى في مناطق أخرى إن لم تتم معالجة الموقف بحكمة. ولعل سائل يسأل: وأين تنظيم القاعدة من كل هذا؟! والإجابة ببساطة أن تنظيم القاعدة لا يمثل مشكلة جوهرية، ولا مشروعية له على الأرض، وهو أقرب إلى شبح ظلامي لا يقاد فقط من قبل الأيديولوجيا الاستيهامية الدينية المتطرفة، بل من دوائر غامضة تنتشر في أربع من أرجاء المعمورة.