بعد التوقيع على النسخة من معاهدة ستارت بين روسياوالولاياتالمتحدة سرعان ما أعلنت واشنطن عن استراتيجية نووية جديدة، وكأنها تتراجع عن ما وقعته بالأمس القريب، وبالمقابل لم توفر روسيا وقتاً ثميناً لأن وزير خارجيتها أعلن أن لروسيا الحق في التراجع عن المعاهدة إذا ما شعرت أن هنالك ضرورة لذلك هذا يجعلنا نتوقف أمام متوالية صناعة الموت التي تمادت في غيها وغرورها على مدى التاريخ المعروف. الفرق هائل بين الذين يقتلون وينشرون الموت وبين الذين يصنعون أدوات هذا الموت، فإذا كان الحداد يصنع سيفاً ورمحاً فإن صانع الموت اليوم يصنع ما يتجاوز حدود الخيال. عندما كانت البشرية تتقاتل بالسيوف والرماح كانت أخلاق الفروسية ومنطق الحرب أفضل بما لا يقاس مما يجري اليوم حيث تنعدم المقارنات وتختفي الساحات وتصبح الأعداد الغفيرة من الناس بمجرد رقم يمكن مسحه ببضع صواريخ وقاصفات استراتيجية. هكذا استمرأ صانعو الموت معادلة الشر المستطير، ولقد انفتحت لهم الآفاق حتى استخدموا السلاح الذري في الحرب العالمية الثانية، أما الأسلحة العنقودية وغيرها فليست سوى أسلحة مشروعة تستخدم صباح مساء عند اندلاع أي حرب محدودة. لم يكن صناع الموت يدركون أن ما فعلوه سيرتد عليهم، وأنهم إن نجحوا مرة واثنتين في تحييد من لا يملك أحدث الأسلحة فإنهم لن يستطيعوا فعل ذلك دوماً وأبداً، فتكنولوجيا المعلومات والمختبرات العلمية والعلماء الأفذاذ لم يعودوا حكراً على قوم أو سلالة. ما نعرفه من أسلحة دمار شامل ليس إلا أقل القليل مما ستُفاجئنا به الأيام.. وكما أنهم تكتموا على القنبلة الذرية في ثلاثينيات القرن المنصرم، وتكتموا لاحقاً على القنبلة النيوترونية فالاندماجية، قد يتكتمون الآن على ما هو أخطر وأسوأ. قرأت قبل سنوات أن الروس والأمريكان تمكنوا من تطوير سلاح رهيب يدمر الإنسان بواسطة الصوت!! اعتمدوا في ذلك على دراسة الترددات التي تصل إلى الإنسان دون أن تحدث تلفاً في دماغه.. وقد قيست هذه الترددات ما بين 16إلى 2000هرتز. هذه الحقيقة البسيطة كانت المنطلق للاختراع الرهيب حيث يمكن صعق الإنسان وقتله في الساعة والحين بواسطة صعق صوتي تصل قوة تردده دون السمعي إلى “190ديسمبيلا”.. وهذه وحدة قياس تتجاوز بمراحل قابلية الإنسان لتمثُلها عبر الدماغ الأمر الذي يؤدي إلى تسارع شيخوخة الدماغ وانتهاء فاعليته في ثوانٍ معدودة!!. تلك صناعة أخرى للموت يبتكرها الإنسان ويتوهم أنه قادر على السيطرة عليها، فإذا بها تنقلب عليه وتصعقه كما فعل مع حيوانات المختبرات وفي الحروب. لا يبدو في الأفق أن المتوالية الجهنمية في تناقض أو أنها قابلة لمحاصرة حقيقية، وهذا ما عبر عنه في لحظة جزع ومكاشفة للحقيقة السيد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية حينما أشار إلى صعوبة محاصرة أسلحة الدمار الشامل وقابلية وصولها إلى أيدٍ مجنونة. ذات الكلام ردده الجنرال الروسي ليبيد قبل موته في حادث طائرة الهيلوكبتر، التي ارتطمت بخط كهرباء للضغط العالي حسب الرواية الرسمية الروسية. في إشارات متكررة كان ليبيد يتحدث عن الحقائب النووية التي اختفت من ترسانة الجيش الروسي، لكن كلامه ذهب أدراج الرياح، فقد تعمدت موسكووواشنطن تجاهل الأمر.. ربما لأسباب سيكولوجية ورغبة في عدم إشعار العالم بالرعب المدفون في تلك الحقائب النووية المزعومة.. هل كان ليبيد صادقاً أم أنه كان يمارس ضرباً من المناورة السياسية الخطيرة؟ هذا ما لا يمكن الإجابة عنه بجزم.. غير أن المؤكد يتمثل في أن صناعة الموت التي استمرت بوتائر صاعدة، والشاهد ما أفضت إليه ديمقراطية الفوضى البناءة العابرة للقارات والتي حولت العراق وأفغانستان إلى ملعبين كبيرين للموت المجاني الذي يذكرنا بعروض الوحشية الرومانية التي كانت بمثابة فرجة سادية وقودها الأسرى والمؤمنون المسيحيون الذين كانوا يقدمون للوحوش الضارية. وأخيراً وليس آخراً ها هي الإدارة الأمريكية تُبشر العالم بعقيدة نووية جديدة لا تستبعد التدمير الشامل لكل من يهدد أمن الولاياتالمتحدة أو حلفائها وشركائها، فيما تُنبه من لم يوقع بعد على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية باستثناء اسرائيل المرفوع عنها القلم، اسرائيل المتماثلة مع إيران وكوريا الشمالية في هذا الجانب مسكوت عنها تماماً، والبقية مهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور. [email protected]