شاعت هذه الكلمة (الابستمولوجيا) في الفترة الأخيرة ومصدرها اللغة اليونانية وهي مكونة من كلمتين ( EPISTEME) ومعناه علم و ( LOGOS ) ومعناها علم أو نقد، فتكون اللفظة السابقة تعني علم العلوم أو فلسفة العلم، وباستخدامنا لهذا المصطلح نريد أن نصل إلى تقرير قضية العلم وخلفيتها الفلسفية والإضاءات الجانبية في هذا الموضوع بما فيه مصطلح أسلمة المعارف التي يعكف عليه بعض الدارسين في بعض المعاهد الإسلامية. إن العلم لايفهم بدون إطاره الفلسفي والتاريخي، والفلسفة هي تلك الشجرة الضخمة التي تؤلف الميتافيزيقيا فيها الجذور العميقة الضاربة في التربة، والعلوم المتفرقة بما فيها الطب فروعها الممتدة في السماء، كما أن هناك علاقة جدلية بين العلم والفلسفة، فالعلم يقوم بقفزات نوعية من حين لآخر منشئاً قطيعةً معرفية (ابستمولوجية) مع المستويات العلمية السابقة، كما حدث مع فكر (ابن رشد) والفلسفة اليونانية؛ حيث تم الدخول إلى فضاء معرفي جديد يقوم على منظومة الشك اليقين ، والتجربة الاستقراء ، وكذلك الحال في فلسفة (ديكارت) التي دشنت الدخول إلى عصر عقلي جديد، ينطبق هذا أيضا على فكر (كانط) الذي أرسى في كتابه (نقد العقل الخالص) بناء الميتافيزيقيا على الضرورة الأخلاقية، كما ينطبق على (غاليلو) الذي رأى أن الوجود له لغة خاصة به هي لغة الرياضيات وفي اللحظة التي نفك رموزها نصل إلى الحقيقة النهائية فيها. وأما (اسحق نيوتن) فقد استطاع في لحظة تجلٍ روحية أن يقبس من روح الكون قبسا يسطر فيه كتابه الموسوم (الأسس الرياضية للفلسفة الطبيعية) حيث حرر قوانينه المشهورة الثلاثة وبنى نظاما في غاية التناسق والانسجام، واستطاع اكتشاف قانون الجاذبية وكان ذلك عام 1687م في الوقت الذي كان الأتراك العثمانيون ينهزمون أمام أسوار فيينا. وبقيت هذه المنظومة المعرفية حتى اهتزت الأرض من تحتها مرة اخرى، وكان ذلك من خلال التراكم المعرفي حيث تولدت النظرية النسبية وميكانيكا الكم، فتم إزالة مفاهيم (كانط) بالزمان والمكان القبلي، وإزالة المكان والزمان المطلقين عند نيوتن، وتم دمج الزمان بالمكان فأصبح الزمان البعد الرابع، والطاقة بالمادة فأصبحا وجهان لعملة واحدة. وأما ميكانيكا الكم فقد شطبت مفهوم (الحقيقة الموضوعية) و(الحتمية) في القوانين، تلك التي وصلت منزلة التقديس في القرن التاسع عشر للميلاد، من خلال مبدأ الارتياب الذي جلاَّه الفيزيائي هايزنبرغ. العلم لاينمو إلا في إطار خاص ، وفي مناخٍ عقلي مناسب تستنبت بذوره بكل رحمة وحب ، وهذا الإطار الفلسفي هو الذي يشكل مرجعية العلم في أول الطريق ؛ ليتحول مع الوقت الى (الايديولوجيا) التي تخنق تقدمه ، مما يحتاج إلى (ابستمولوجيا) جديدة محررة، وهكذا يمشي نظم التاريخ، ومن الملفت للنظر أن القوى التي تفجر الطاقات الأولى تتحول مع الزمن الى قوى معيقة للتقدم، وهذه كانت مشكلة الانبياء مع أقوامهم ، فهم كانوا يصدقون الأنبياء الذين سبقوهم ، ولكنهم كانوا يكذِّبون معاصريهم.