النبش في التراكيب التاريخية المؤسسة على العرق والدين ستطال الفدرالية الأثيوبية سلباً، ذلك أن أثيوبيا تمثل نموذجاً فريداً للتعددية الأثنية والدينية، فيما تشكل قومية «الأروما» بُعداً ديمغرافياً كاسحاً فيها، وتشكل بقية القوميات الكوشيتية أصلاً أصيلاً في النسيج العام للمجتمع الأثيوبي، ونذكر منهم بالأخص الصوماليين والعفر، ولا ننسى الإشارة إلى المكانة التاريخية المميزة للقوميات الأمهارية والتغرينية ذات الأُصول الساميّة. تُلوّح مصر لهذه الحقائق فيما تتحدث عن خرائط ما بعد الحربين العالميتين باعتبارهما ثوابت غير قابلة للنسف، وبالتالي، فإن اتفاقيات توزيع مياه النيل التي سرت منذ مطلع القرن العشرين ثابت آخر من هذه الثوابت، وهو ما يعكس في الوجه المقابل قول ميلس زيناوي بأننا في هذا القرن لا ينبغي أن نكون محكومين بقوانين القرن التاسع عشر «يقصد بدايات القرن العشرين». مصر بدورها لا تغلق الباب أمام المفاوضات على أُسس قانونية، وترفض ما يسمى بالاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه في مدينة عنتابي بالكونغو من قبل 5 من دول منابع النيل، فيما ظلت 3 دول أخرى خارج حسبة الاتفاق الإطاري، وترفضه مصر والسودان علناً. لا ترفض مصر الاستفادة من مياه النيل في انتاج الطاقة الكهربائية أينما كان مُيسراً إقامة محطات لتوليد الطاقة المائية، ولكنها ترفض إقامة الحواجز المائية المؤثرة على تدفق مياه النيل.. ما يعني الإخلال بحصة مصر التاريخية في المياه، خاصة إذا عرفنا أن هذه الحصة تحددت عندما كان عدد سكان مصر بضع ملايين محدودة، فيما نتحدث اليوم عن 88 مليون نسمة بحسب آخر التوقعات المعلنة مصرياً. [email protected]