حاولت الولاياتالمتحدة خلال مايسمى بنظام القطب الأمريكي الأوحد في الفترة التي أسميناها بالانتقالية وأوضحنا ثوابتها وكيف انتهت وذلك في تناولة سابقة؛ حاولت أن تجعل من نفسها بيضة القبان “شوكة الميزان” في معادلة المفاوضات بين السلطة الفلسطينية ومن ورائها العرب وبين الكيان الصهيوني وأعوانه إلى أن فشلت المفاوضات المباشرة تلك. وعندما حاولت أطراف المفاوضات جميعاً القبول بخيار المفاوضات غير المباشرة شريطة إيقاف مشاريع الاستيطان الإسرائيلية في الضفة وفي القدس كان ذلك بمبرر إعطاء الفرصة لأمريكا نفسها. والجديد هذه المرة حسب قراءتنا لتطورات الأوضاع والمفاوضات هو أن الولاياتالمتحدة حلت محل السلطة الفلسطينية كطرف في المفاوضات وجعلت من السلطة الفلسطينية بيضة القبان فيها. لكن إسرائيل رفضت وقف الاستيطان برغم الإغراءات الأمنية والتسليحية التي عرضتها عليها الولاياتالمتحدة مقابل تجميد محدود للاستيطان فترة ثلاثة أشهر فقط، واضطرت أمريكا إلى إبلاغ السلطة الفلسطينية بأنها فشلت في إقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان, الأمر الذي يعني فشل المحاولة التفاوضية هذه أيضاً. وهكذا تمكنت إسرائيل من تحييد الدور الأمريكي مثلما حيّدت من قبل الأممالمتحدة وروسيا وأوروبا ومايسمى بالرباعية المزعومة والمكونة من أمريكا وروسيا وأوروبا والأممالمتحدة. وبذلك انتهى دور الأممالمتحدة ومايسمى بالمجتمع الدولي بما فيه الدور الأمريكي، علماً بأن دور منظمة التحرير انتهى بقبول معاهدة أوسلو ووفاة عرفات أو اغتياله.. وانتهى الدور العربي فور إعلان مبادرة السلام العربية التي رفضتها إسرائيل قبل أن يجف حبرها ولازال العرب متمسكين بها..! والآن فقط يمكننا القول بأن مشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد الذي أرادته أمريكا حسب ثوابت المرحلة الانتقالية سقط كليةً ونهائياً، وزالت المرحلة الانتقالية للقطب الأمريكي وثوابته كما أوضحناه في تناولة سابقة. ونتيجةً لذلك فإن إسرائيل وحدها تتحمل مسئولية إيصال الأوضاع في الشرق الأوسط إلى حالة اللاحرب واللاسلم, والاحتمال الأرجح أن تعمل إسرائيل والقوى الصهيونية على تفجير الفتن المذهبية في المنطقة وتفجير الحروب في أكثر من جهة في العالم, وربما جرت الولاياتالمتحدة إلى مثل هذه الحروب بهدف تجزئة العديد من دول العالم ومنها الدول العربية والإسلامية. وفي ضوء ذلك سيتحدد مصير الكيان الصهيوني نهائياً وستتشكل الخارطة السياسية للشرق الأوسط وللعالم وستتبلور الثوابت لقيام النظام الدولي الجديد. ومن السابق لأوانه الاعتقاد بأن كلاً من إيران وتركيا قد صارتا قوتين إقليميتين كما يظن الكثيرون, فالأرجح في رأينا أنهما في مقدمة الدول المرشّحة للتقسيم بعد دول الشرق الأوسط العربية بما فيها الواقعة شمال أفريقيا والقرن الأفريقي، وغياب الدور العربي الفاعل في الشرق الأوسط, وعالمياً معناه أن نبض القلب في العالم قد توقف وبالتالي لايمكن التعويل على المواقف الأمريكية والأوروبية وسائر الدول المتقدمة ناهيك عن المواقف الإيرانية والتركية, فموت القلب يعني موت الجسد كله مهما زوبع الإعلام الدولي وتوهّم المحللون السياسيون في العالم. والمطلوب أن نحسن قراءة وتحليل التطورات وأن نحسن التعامل معها بعيداً عن الشطط والارتجال والعواطف. والله الموفق.