عندما حاول أن يرتفع كالبرق، اكتشف أن هناك عوامل كثيرة بإمكانها منعه من التحليق والصعود.. تداخلت معه حكايات العوامل المساعدة والمبنية على الآخرين, وليس على حواسه هو,أو قدراته.. ظل أسيراً للمشهد الجميل الذي ما فتئ يحلم به, وهو الصعود.. عاشه أكثر مما عاش أيامه.. تعلّم وهو يقف على حوافي الانتظار اليومي, ومحطات المحاولة المستميتة أن العالم مسكون بضجيجه, كما هو مسكون بصمته المترامي.. اكتشف أن بإمكانه التعايش مع هذا الضجيج واستثماره والامتلاء به.. حاول كثيراً,ومازال ولكن بعيداً عن ممارسة التواصل مع حافة الهاوية.. حين حاول حسم الجدل ذات مرة بين مقدرته واحتضانه لها، وبين حسابات قد لا تتطابق مع أحلامه, شعر بأن الوقت في الحسابات يتبدد ويسرق وهج ولون المحاولة...رحلت صور كثيرة.. ووجوه كثيرة.. وحضرت حقائق غائبة.. وامتُحنت أحلام, وسجلت خسائرها دون ان تتجاوز كونها ورقة من الأوراق التي ينبغي تمزيقها.. الأمكنة تتغير.. والأرض الطبيعية تتغير.. لكن المسار يظل كما هو حتى وإن حاولنا أن نقيم في الضفة الأخرى.. من المستحيل أن نطرح النقاش حول اختياراتنا التي كانت, والتي ستكون, أو هل لو عاد بنا الزمن,وعادت الأيام أن نختار نفس الاختيارات..وأن نحاول نفس المحاولات, أو نغير البحث عن مسارات استحقاقات مختلفة ليست التي قاتلنا من أجلها, أو سجلنا هويتنا باسمها.. ومن المستحيل أن نظل في مكاننا مطاردين نفس الإيقاع, ونفس الحلم، والمحاولة التي لم تأت.. سنغادر ولكن بآمالنا.. وأحلامنا محتمين ً بهما, إلى مكان آخر لا يريد لحظات نقنعه بإقامتنا.. أو تجديدها بعد الانتهاء.. لا الحلم يتعب, ولا حمله يجهد.. ولكن ربما رؤية اتساع المسافة أمامك لتحقيقه هي الألم الذي يمنح الرياح المتغيرة القدرة على الهبوب, وتسجيل أولويات الحضور.. عشتَ وستظل داخل سياق تلك الرغبة.. وتلك المحاولة مهما كانت إمكانية تحققها ضئيلة إلاّ أنها ممكنة.. ولن يهدد وجودها طول المدى من عدم ذلك التحقق.. أو تجرّعك مرارة كل تلك المخاوف الموجعة.. اعتدتَ بعد أن كنت تحاول الاعتياد على العيش مع ما تؤمن به وحلم التحليق معه، دون أن تركض لمطاردته، أو الإيقاع به.. استسلمت لفكرة أن الأشياء تأتي في وقتها.. ولكن عليك المحاولة.. وتهيئة أجواء حضورها بأفكار قد تقبل اجتهادات.. ولكن لا تقبل تحديد مواعيدها.. ستأتي.. ولن تختلط لحظتها المخاوف المريرة مع رغبة الاختيار بين ما هو متاح, وما حلمت به.. ولن ينال من رصيد ما تتحصن داخله.. أو تلوذ داخله.. فقط ستطلق أبواب الأمل.. وسيكون الاستقبال هادئاً بعيداً عن حرفية الحسابات، أو الرغبة في الثأر من تأخر الوصول..